فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من الإكراه

( بابٌُ مِنَ الإكْرَاهِ.
كَرْهٌ وكُرْهٌ واحِدٌ)


أَي: هَذَا بابُُ فِي جملَة مَا ورد فِي أَمر الْإِكْرَاه مِمَّا تضمنته الْآيَة الْمَذْكُور فِي الْبابُُ، وفيهَا لفظ: كرها، بِفَتْح الْكَاف أَشَارَ البُخَارِيّ بِأَن لفظ: كره، بِالْفَتْح وَكره بِالضَّمِّ وَاحِد فِي الْمَعْنى.
قَوْله: كره وَكره بِالرَّفْع ويروى: كرها وَكرها على مَا فِي الْآيَة وَهُوَ الْأَوْجه، وَلم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقيل: الكره بِالضَّمِّ مَا أكرهت نَفسك عَلَيْهِ، وبالفتح مَا أكرهك عَلَيْهِ غَيْرك.



[ قــ :6582 ... غــ :6948 ]
- حدّثنا حُسَيْنُ بنُ مَنْصُورٍ، حدّثنا أسْباطُ بنُ مُحَمدٍ حدّثنا الشَّيْبانِيُّ سُلَيْمانُ بنُ فَيْرُوزِ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ،.

     وَقَالَ  الشَّيْبانِيُّ.
وحدّثني عَطاءٌ أبُو الحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلَا أظُنُّهُ إلاّ ذَكَرَهُ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} الآيَة، قَالَ: كانُوا إذَا ماتَ الرَّجُلُ كَانَ أوْلِياؤُهُ أحَقَّ بامْرَأتِهِ، إنْ شاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَها وإنْ شاؤُوا زَوَّجَها، وإنْ شاؤُوا لَمْ يُزَوِّجْها، فَهُمْ أحَقُّ بِها مِنْ أهْلها، فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ.

انْظُر الحَدِيث 4579
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: كرها فِي الْآيَة.

وحسين بن مَنْصُور النَّيْسَابُورِي مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وأسباط بِلَفْظ الْجمع ابْن مُحَمَّد الْقرشِي الْكُوفِي، وَعَطَاء أَبُو الْحسن السوَائِي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وخفة الْوَاو وبالهمزة بعد الْألف نِسْبَة إِلَى سَوَاء بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بطن كَبِير، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.

والْحَدِيث مر تَفْسِيره فِي سُورَة النِّسَاء.

قَوْله: قَالَ: كَانَ ويروى: كَانُوا، وَهِي الْأَصَح.
قَوْله: فهم أَي: أهل الرجل، ويروى: وهم، بِالْوَاو.
قَوْله: فِي ذَلِك ويروى: بذلك.

وَقَالَ الْمُهلب: فَائِدَة: هَذَا الْبابُُ وَالله أعلم التَّعْرِيف بِأَن كل من أمسك امْرَأَة لأجل الْإِرْث مِنْهَا طَمَعا أَن تَمُوت فَلَا يحل لَهُ ذَلِك بِنَصّ الْقُرْآن.


( بابٌُ إذَا اسْتُكْرِهَتِ المَرْأة عَلى الزِّنى فلاَ حَدَّ عَلَيْها)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا استكرهت الْمَرْأَة على الزِّنَى فَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مُكْرَهَة.

لِقَوْله تَعَالَى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
ويروى: فِي قَوْله تَعَالَى، وَالْأول أصوب.
وَجه مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا دلَالَة على أَن لَا إِثْم على المكرهة على الزِّنَا فَيلْزم أَن لَا يجب عَلَيْهَا الْحَد.
قَوْله: وَمن يكرههن أَي: بعد النَّهْي بقوله تَعَالَى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قَوْله: غَفُور رَحِيم أَي: لَهُنَّ وَقد قرىء فِي الشاذ: فَإِن الله من بعد إكراهن لَهُنَّ غَفُور رَحِيم، وَهِي قراء ابْن مَسْعُود وَجَابِر وَسَعِيد بن جُبَير، ونسبت أَيْضا إِلَى ابْن عَبَّاس،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: يُسْتَفَاد مِنْهُ الْوَعيد الشَّديد للمكرهين لَهُنَّ، وَفِي ذكر الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة تَعْرِيض وَتَقْدِيره: انْتَهوا أَيهَا المكرهون فَإِنَّهُنَّ مَعَ كونهن مكرهات قد يؤاخذن لَوْلَا رَحْمَة الله ومغفرته فَكيف بكم أَنْتُم؟ .



[ قــ :658 ... غــ :6949 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني نافِعٌ أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أبي عُبَيْدٍ أخْبَرَتْهُ: أنَّ عبدا مِنْ رَقِيقِ الإمارَةِ وقَعَ عَلى ولِيدَةٍ مِنَ الخُمسِ، فاسْتكْرَهَها حتَّى افْتَضَّها، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الحَدَّ ونَفاهُ، ولَمْ يَجْلِدِ الوَلِيدَةَ مِنْ أجْلِ أنهُ اسْتَكْرَهَها.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَتَعْلِيق اللَّيْث بن سعد الَّذِي رَوَاهُ عَن نَافِع مولى ابْن عمر وَصله أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن الْعَلَاء بن مُوسَى عَن اللَّيْث، وَصفِيَّة بنت أبي عبيد الثقفية امْرَأَة عبد الله بن عمر، ويروى: ابْنة أبي عبيد.

قَوْله: الْإِمَارَة بِكَسْر الْهمزَة أَي: من مَال الْخَلِيفَة وَهُوَ عمر رَضِي الله عَنهُ.

قَوْله: من الْخمس أَي: من مَال خمس الْغَنِيمَة الَّذِي يتَعَلَّق التَّصَرُّف فِيهِ بِالْإِمَامِ وَمعنى قَوْله: وَقع على وليدة زنا بهَا.
قَوْله: افتضها أَي أَزَال بَكَارَتهَا.
ومادته قَاف وضاد مُعْجمَة مَأْخُوذَة من القضة بِكَسْر الْقَاف وَهِي عذرة البكرة.

وَفِيه: إِن عمر كَانَ يرى نفي الرَّقِيق كَالْحرِّ من الْبَلَد يَعْنِي: يغربه نصف سنة لِأَن حَده نصف حد الْحر فِي الْجلد، وَاخْتلفُوا فِي وجوب الصَدَاق لَهَا، فَقَالَ عَطاء وَالزهْرِيّ: نعم، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر،.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ: إِذا أقيم عَلَيْهَا الْحَد فَلَا صدَاق لَهَا وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين.

قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُها الحُرُّ: يُقيمُ ذالكَ الحَكَمُ مِنَ الأمَةِ العَذْراءِ بِقدْرِ قِيمَتها، ويُجْلَدُ ولَيْسَ فِي الأمَةِ الثَّيِّبِ فِي قَضاءِ الأئِمَّةِ غُرْمٌ، ولَكِنْ علَيْهِ الحَدُّ.

أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: يفترعها بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْعين الْمُهْملَة أَي: يفتضها.
قَوْله: يُقيم قَالَ الْكرْمَانِي: وَيُقِيم إِمَّا بِمَعْنى يقوم وَإِمَّا من قَامَت الْأمة مائَة دِينَار إِذا بلغت قيمتهَا.
قَوْله: ذَلِك أَي: الاقتراع.
قَوْله: الحكم بِفتْحَتَيْنِ أَي: الْحَاكِم.
قَوْله: الْعَذْرَاء أَي: الْبكر.
قَوْله: بِقدر قيمتهَا أَي: على الَّذِي افتضها، ويروى: بِقدر ثمنهَا، وَالْمعْنَى: أَن الْحَاكِم يَأْخُذ من المفترع دِيَة الافتراع نِسْبَة قيمتهَا أَي أرش النَّقْص وَهُوَ التَّفَاوُت بَين كَونهَا بكرا وثيباً.
وَفَائِدَة قَوْله: ويجلد دفع توهم من يظنّ أَن الْغرم يُغني عَن الْجلد.
قَوْله: غرم أَي: غَرَامَة، وَقَول مَالك كَقَوْل الزُّهْرِيّ كَمَا نقل عَن الْمُهلب.