فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

( بابُُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ منَ الفَوَائِتِ وغَيْرِهَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الَّذِي يُصَلِّي بعد الْعَصْر، ويصلَّى، على صِيغَة الْمَجْهُول، و: بعد الْعَصْر، أَي: بعد صَلَاة الْعَصْر، وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة.
قَوْله: ( وَغَيرهَا) ، فِي بعض النّسخ: ( وَنَحْوهَا) .
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: السِّرّ فِي قَوْله: وَنَحْوهَا، لتدخل فِيهِ رواتب النَّوَافِل وَغَيرهَا،.

     وَقَالَ  أَيْضا: ظَاهر التَّرْجَمَة إِخْرَاج النَّافِلَة الْمَحْضَة الَّتِي لَا سَبَب لَهَا.
انْتهى.
قلت: لَا نسلم أَن قَوْله: وَنَحْوهَا، لدُخُول رواتب النَّفْل، بل المُرَاد من ذَلِك دُخُول مثل صَلَاة الْجِنَازَة إِذا حضرت فِي ذَلِك الْوَقْت، وَسجْدَة التِّلَاوَة، وَالنَّهْي الْوَارِد فِي هَذَا الْبابُُ عَام يتَنَاوَل النَّوَافِل الَّتِي لَهَا سَبَب، وَالَّتِي لَيْسَ لَهَا سيب، وَقد ذكرنَا أَن حَدِيث عقبَة بن عَامر يمْنَع الْكل.
وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ العَصْرِ رَكْعَتَيُنِ.

     وَقَالَ  شَغَلَنِي ناسٌ مِنْ عَبْد القَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بعْدَ الظُّهْرِ كريب، بِضَم الْكَاف: مولى ابْن عَبَّاس، مر فِي بابُُ التَّخْفِيف فِي الْوضُوء، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم القرشية المخزومية، مَاتَت فِي شَوَّال سنة تسع وَخمسين فِي آخر ولَايَة مُعَاوِيَة وَولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْمَدِينَة، وَصلى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه مُسْندًا فِي السَّهْو، وَفِي وَفد عبد الْقَيْس عَن يحيى عَن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن كريب: أَن ابْن عَبَّاس والمسور وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر أَرْسلُوهُ ألى عَائِشَة ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: قَالَ: ( يَا بنت أبي أُميَّة، سَأَلت عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَإنَّهُ أَتَانِي نَاس من عبد الْقَيْس فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بعد الظّهْر، فهما هَاتَانِ) .
وَعند مُسلم: ( نَاس من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ) ، وَعند الْبَيْهَقِيّ: ( قدم عَليّ وَفد بني تَمِيم أَو صَدَقَة شغلوني عَنْهُمَا، فهما هَاتَانِ الركعتان) .
قَوْله: ( بعد الظّهْر) صفة رَكْعَتَيْنِ أَي: المندوبتين بعد الظّهْر.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا دَلِيل الشَّافِعِي فِي جَوَاز صَلَاة لَهَا سَبَب بعد الْعَصْر بِلَا كَرَاهَة.
قلت: هَذَا لَا يصلح أَن يكون دَلِيلا، لِأَن صلَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه كَانَت من خَصَائِصه، كَمَا ذكرنَا، فَلَا يكون حجَّة لذاك.



[ قــ :574 ... غــ :590]
- حدَّثنا أبُو نَعِيمٍ قَالَ حَدَّثَنا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أيْمَنَ قَالَ حدَّثني أبي أنَّهُ سَمِعَ عائِشَةَ قالَتْ والَّذِي ذَهَبَ بهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ الله وَمَا لَقِيَ الله تعالَى حَتَّى ثَقُلَ عنِ الصَّلاَةِ وكانَ يُصَلِّي كَثِيرا مِنْ صَلاَتِهِ قاعِدا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّيهِمَا ولاَ يُصَلِّيهِمَا فِي المَسْجِدِ مَخَافَةَ أنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ وكانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: عبد الْوَاحِد بن أَيمن، بِفَتْح الْهمزَة، تقدم.
الثَّالِث: أَبوهُ أَيمن الحبشي، مولى ابْن أبي عَمْرو المَخْزُومِي الْقرشِي الْمَكِّيّ.
الرَّابِع: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن أَيمن من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي.

ذكر اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِيهِ: وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: ( مَا ترك السَّجْدَتَيْنِ بعد الْعَصْر عِنْدِي قطّ) .
وَفِي لفظ: ( رَكْعَتَانِ لم يكن يدعهما سرا وَلَا عَلَانيَة: رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح، وركعتان بعد الْعَصْر) ، وَفِي لفظ: ( مَا كَانَ يأتيني فِي يَوْم بعد الْعَصْر إلاَّ صلى رَكْعَتَيْنِ) ، وَعند مُسلم: ( كَانَ يُصَلِّيهمَا قبل الْعَصْر ثمَّ إِنَّه شغل عَنْهُمَا أَو نسيهما فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ أثبتهما.
وَكَانَ إِذا صلى صَلَاة أثبتها)
.
وَعند الدَّارَقُطْنِيّ: ( كَانَ لَا يدع رَكْعَتَيْنِ قبل الْفجْر وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر) ، وَفِي لفظ: ( دخل عَلَيْهَا بعد الْعَصْر فصلى رَكْعَتَيْنِ، فَقلت: يَا رَسُول الله أحدث بِالنَّاسِ شَيْء؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَن بِلَالًا عجل الْإِقَامَة فَلم أصل الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْعَصْر فَأَنا أقضيهما الْآن.
قلت: يَا رَسُول الله! أفنقضيهما إِذا فاتتا؟ قَالَ: لَا)
.
وَفِي لفظ: ( كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر وَينْهى عَنْهُمَا) .
وَفِي لفظ: ( وَلم أره عَاد لَهما) ، وَلَفظ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان: أَن مُعَاوِيَة أرسل إِلَيْهَا يسْأَلهَا عَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَت: لَيْسَ عِنْدِي صلاهما، وَلَكِن أم سَلمَة حَدَّثتنِي، فَذكره.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( وَالَّذِي ذهب بِهِ) ، أَي: برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: ( وَالَّذِي ذهب بِنَفسِهِ) ، حَلَفت عَائِشَة بِاللَّه على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر حَتَّى مَاتَ.
قَوْله: ( ثقل) ، بِضَم الْقَاف.
قَوْله: ( قَاعِدا) نصب على الْحَال.
قَوْله: ( مَخَافَة) ، نصب على التَّعْلِيل أَي: لأجل المخافة.
وَهُوَ مصدر ميمي بِمَعْنى: الْخَوْف.
وَكلمَة: أَن، فِي: أَن يثقل، مَصْدَرِيَّة أَي: مَخَافَة التثقيل على أمته، ويثقل، بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْقَاف الْمَكْسُورَة من: التثقيل، ويروى، بِفَتْح الْيَاء وَضم الْقَاف.
قَوْله: ( مَا يُخَفف عَنْهُم) ، أَي: عَن أمته، ويخفف، بِضَم الْيَاء وَكسر الْفَاء الْمُشَدّدَة: من التَّخْفِيف، هَذِه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَغَيره روى: مَا خفف، بِصِيغَة الْمَاضِي.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهَذَا الحَدِيث من أجَاز التَّنَفُّل بعد الْعَصْر مُطلقًا مَا لم يقْصد الصَّلَاة عِنْد غرُوب الشَّمْس، وَأوردهُ البُخَارِيّ فِي قَضَاء الْفَائِتَة بعد الْعَصْر، وَلِهَذَا ترْجم عَلَيْهِ بِهِ، وَنحن نقُول كَمَا قُلْنَا غير مرّة: إِن هَذَا كَانَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن الدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ذكْوَان، مولى عَائِشَة أَنَّهَا حدثته أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهى عَنْهَا، ويواصل وَيُنْهِي عَن الْوِصَال) .
وروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق جرير عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: ( إِنَّمَا صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَال فَشَغلهُ عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر فصلاهما بعد الْعَصْر، ثمَّ لم يعد) .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن.
قَالَ: وَقد روى غير وَاحِد عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،: ( أَنه صلى بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ) ، وَهَذَا خلاف مَا رُوِيَ أَنه: نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أصح حَيْثُ قَالَ: لم يعد لَهما.





[ قــ :575 ... غــ :591]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أَخْبرنِي أبي قَالَ قالَتْ عائِشَةُ ابنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدِي قَط.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله تقدمُوا غير مرّة، وَيحيى هُوَ: ابْن سعيد الْقطَّان، وَهِشَام بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي قدامَة عبيد الله بن سعيد عَن يحيى الْقطَّان.

قَوْله: ( ابْن اختي) ، حذف حرف النداء مِنْهُ، يَعْنِي: يَا ابْن أُخْتِي، وَهُوَ عُرْوَة، لِأَن أم عُرْوَة أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: ( السَّجْدَتَيْنِ) يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ، من بابُُ إِطْلَاق اسْم الْجُزْء على الْكل.





[ قــ :576 ... غــ :59]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَاني قَالَ حَدثنَا عبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَسْوَدِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَعُهُمَا سِرَّا وَلَا عَلاَنِيَّةً ركْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَة الصُّبْحِ ورَكْعَتَانِ بَعْدَ العَصْرِ.


هَذَا طَرِيق آخر عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ واسْمه: سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود عَن أَبِيه الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن ابي بكر بن شيبَة وَعلي بن حجر كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن مسْهر كِلَاهُمَا عَن الشَّيْبَانِيّ
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر بِهِ.

قَوْله: ( رَكْعَتَانِ) أَي: صلاتان، لِأَنَّهُ فَسرهَا بِأَرْبَع رَكْعَات، وَهُوَ من بابُُ إِطْلَاق الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل أَو: هُوَ من بابُُ الْإِضْمَار، أَي: وَكَذَا رَكْعَتَانِ بعد الْعَصْر، والوجهان جائزان بِلَا تفَاوت، لِأَن الْمجَاز والإضمار متساويان.
أَو المُرَاد بالركعتين جنس الرَّكْعَتَيْنِ الشَّامِل للقليل وَالْكثير.
( لم يكن يدعهما) ، أَي: لم يكن يتركهما، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: ( لم يكن يدعهما فِي بَيْتِي) ، قَالَ الصرفيون: لم يسْتَعْمل: ليَدع، ماضٍ، وَكَذَا: ليذر، وَأورد عَلَيْهِم قِرَاءَة: { مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} ( الضُّحَى: 30) .
بِالتَّخْفِيفِ.




[ قــ :577 ... غــ :593]
- ( حَدثنَا مُحَمَّد بن عرْعرة قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ رَأَيْت الْأسود ومسروقا شَهدا على عَائِشَة قَالَت مَا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأتيني فِي يَوْم بعد الْعَصْر إِلَّا صلى رَكْعَتَيْنِ) هَذَا طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد بن عرْعرة بالمهملتين وبسكون الرَّاء الأولى عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن أبي اسحق السبيعِي واسْمه عَمْرو وَرُبمَا يلتبس على القارىء تَمْيِيز هَذَا عَن أبي اسحق الْمَذْكُور فِي السَّنَد السَّابِق فَإِن هَذَا أَبُو اسحق السبيعِي وَذَاكَ أَبُو اسحق الشَّيْبَانِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَأَبُو دَاوُد أَيْضا فِيهِ عَن حَفْص بن عَمْرو النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد بن الْحَارِث أربعتهم عَن شُعْبَة بِهِ قَوْله " الْأَصْلِيّ " أَي بعد الْإِتْيَان وَهُوَ اسْتثِْنَاء مفرغ أَي مَا كَانَ يأتيني بِوَجْه أَو حَالَة إِلَّا بِهَذَا الْوَجْه أَو هَذِه الْحَالة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي ( فَإِن قلت) مَا وَجه الْجمع بَين هَذِه الْأَحَادِيث وَمَا تقدم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر ( قلت) أُجِيب عَنهُ بِأَن النَّهْي كَانَ فِي صَلَاة لَا سَبَب لَهَا وَصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت بِسَبَب قَضَاء فَائِتَة الظّهْر.
وَبِأَن النَّهْي هُوَ فِيمَا يتحَرَّى فِيهَا وَفعله كَانَ بِدُونِ التَّحَرِّي.
وَبِأَنَّهُ كَانَ من خَصَائِصه.
وَبِأَن النَّهْي كَانَ للكراهة فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيَان ذَلِك وَدفع وهم التَّحْرِيم وَبِأَن الْعلَّة فِي النَّهْي هُوَ التَّشَبُّه بعبدة الشَّمْس وَالرَّسُول منزه عَن التَّشَبُّه بهم.
وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما قضى فَائِتَة ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ فِي فَوَاته نوع تَقْصِير واظب عَلَيْهَا مُدَّة عمره جبرا لما وَقع مِنْهُ وَالْكل بَاطِل.
أما أَولا فَلِأَن الْفَوات كَانَ فِي يَوْم وَاحِد وَهُوَ يَوْم اشْتِغَاله بِعَبْد الْقَيْس وَصلَاته بعد الْعَصْر كَانَت مستمرة دَائِما.
وَأما ثَانِيًا فَلِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يداوم عَلَيْهَا ويقصد أداءها كل يَوْم وَهُوَ معنى التَّحَرِّي.
وَأما ثَالِثا فَلِأَن الأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَوُجُوب مُتَابَعَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقَوْله تَعَالَى { فَاتَّبعُوهُ} .
وَأما رَابِعا فَلِأَن بَيَان الْجَوَاز يحصل بِمرَّة وَاحِدَة وَلَا يحْتَاج فِي دفع وهم الْحُرْمَة إِلَى المداومة عَلَيْهَا.
وَأما خَامِسًا فَلِأَن الْعلَّة فِي كَرَاهَة صَلَاة بعد فرض الْعَصْر لَيْسَ التَّشَبُّه بهم بل هِيَ الْعلَّة لكَرَاهَة الصَّلَاة عِنْد الْغُرُوب فَقَط.
وَأما سادسا فلأنا لَا نسلم أَنه كَانَ تقصيرا لِأَنَّهُ كَانَ مشتغلا فِي ذَلِك الْوَقْت بِمَا هُوَ أهم وَهُوَ إرشادهم إِلَى الْحق أَو لِأَن الْفَوات كَانَ بِالنِّسْيَانِ ثمَّ أَن الْجَبْر يحصل بِقَضَائِهِ مرّة وَاحِدَة على مَا هُوَ حكم أَبْوَاب الْقَضَاء فِي جَمِيع الْعِبَادَات بل الْجَواب الصَّحِيح أَن النَّهْي قَول وَصلَاته فعل وَالْقَوْل وَالْفِعْل إِذا تَعَارضا يقدم القَوْل وَيعْمل بِهِ انْتهى ( قلت) قَوْله وَالْكل بَاطِل لَا يمشي فِي الْكل بل فِيهِ شَيْء موجه وَشَيْء غير موجه وَكَذَلِكَ فِي كَلَامه ودعواه بِبُطْلَان الْكل أما الَّذِي هُوَ غير موجه فَهُوَ قَوْله أَن النَّهْي كَانَ فِي صَلَاة لَا سَبَب لَهَا وَهَذَا غير صَحِيح لِأَن النَّهْي عَام وتخصيصه بِالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَب لَهَا تَخْصِيص بِلَا مُخَصص وَهَذَا بَاطِل وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى وَأما الَّذِي هُوَ غير موجه من كَلَام الْكرْمَانِي فَهُوَ قَوْله أَن الأَصْل عدم الِاخْتِصَاص وَهَذَا غير صَحِيح على إِطْلَاقه لِأَنَّهُ إِذا قَامَ الدَّلِيل على الِاخْتِصَاص فَلَا يُنكر وَهَهُنَا قد قَامَت دَلَائِل من الْأَحَادِيث وأفعال الصَّحَابَة فِي أَن هَذَا الَّذِي صلى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد الْعَصْر كَانَ من خَصَائِصه وَقد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى وَقَول الْكرْمَانِي وَصلَاته بعد الْعَصْر كَانَت مستمرة ترد دَعْوَاهُ عدم التَّخْصِيص إِذْ لَو لم يكن من خَصَائِصه لأمر بقضائها إِذا فَاتَت وَلم يَأْمر بذلك أَلا ترى فِي حَدِيث أم سَلمَة الْمَذْكُورَة فِيمَا مضى قَالَت " قلت يَا رَسُول الله أفنقضيها إِذا فاتتا قَالَ لَا " فَدلَّ ذَلِك على أَن حكم غَيره فيهمَا إِذا فاتتاه خلاف حكمه فَلَيْسَ لأحد أَن يُصَلِّيهمَا بعد الْعَصْر وَهنا شَيْء آخر يلْزمهُم وَهُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يداوم عَلَيْهِمَا وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ فِي الْأَصَح الْأَشْهر فَإِن عورضوا يَقُولُونَ هَذَا من خَصَائِص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ قَالَ فِي الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ يَقُولُونَ الأَصْل عدم التَّخْصِيص وَهَذَا كَمَا يُقَال فلَان مثل الظليم الذّكر من النعام يستحمل عِنْد الاستطارة ويستطير عِنْد الاستحمال وَقَوله لَيْسَ التَّشَبُّه بهم غير صَحِيح فَإِن حَدِيث أبي أُمَامَة على التَّشَبُّه بهم وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَفِيه " فَقلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل الصُّبْح ثمَّ اقصر عَن الصَّلَاة حِين تطلع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان وَحِينَئِذٍ يسْجد لَهَا الْكفَّار " الحَدِيث وَفِيه أَيْضا " فَإِنَّهَا تغرب بَين قَرْني الشَّيْطَان " والشارع أخبر بِأَن الشَّيْطَان يُحَاذِي الشَّمْس بقرنيه عِنْد الطُّلُوع وَعند الْغُرُوب وَالْكفَّار يَسْجُدُونَ لَهَا حِينَئِذٍ فَنهى الشَّارِع عَن الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ حَتَّى لَا يكون المصلون فيهمَا كالساجدين لَهَا وَقَوله وَالْقَوْل وَالْفِعْل إِذا تَعَارضا يقدم القَوْل لَيْسَ على إِطْلَاقه فَإِن أَحدهمَا إِذا كَانَ حاظرا وَالْآخر مبيحا يقدم الحاظر على الْمُبِيح سَوَاء كَانَ قولا أَو فعلا فَافْهَم وَالله تَعَالَى أعلم