فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، خشية الصدقة

( بابٌُ فِي الزَّكاةِ) أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان ترك الْحِيَل فِي إِسْقَاط الزَّكَاة، وَفِيه خلاف سَيَأْتِي.

وأنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.

أَي: وَفِي بَيَان أَن لَا يفرق.
.
إِلَى آخِره، وَهُوَ لفظ الحَدِيث الأول فِي الْبابُُ، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الزَّكَاة بالسند الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.



[ قــ :6589 ... غــ :6955 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأنصارِيُّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ثُمامَةُ بنُ عَبْده الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَساً حَدَّثهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن الْمثنى بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ يروي عَن عَمه ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم.

قَوْله: وَلَا يجمع عطف على: فَرِيضَة، أَي: لَو كَانَ لكل شريك أَرْبَعُونَ شَاة فَالْوَاجِب شَاتَان لَا يجمع بَينهمَا ليَكُون الْوَاجِب شَاة وَاحِدَة.
وَلَا يفرق كَمَا لَو كَانَ بَين الشَّرِيكَيْنِ أَرْبَعُونَ، لِئَلَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة لِأَنَّهُ حِيلَة فِي إِسْقَاطهَا أَو تنقيصها.





[ قــ :6590 ... غــ :6956 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنْ أبي سُهَيْلٍ، عنْ أبِيهِ عنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله: أنَّ أعْرَابِيّاً جاءَ إِلَى رسولِ الله ثائِرَ الرَّأسِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله أخْبِرْنِي مَاذَا فَرضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَواتِ الخَمْسَ إلاَّ أنْ تَطَوَّعَ شَيْئاً فَقَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصِّيامِ؟ قَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلاَّ أنْ تَطوَّعَ شَيْئاً قَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَض الله عَلَيَّ مِنَ الزِّكاةِ؟ قَالَ: أخْبَرَهُ رسولُ الله شَرائِعَ الإسْلام، قَالَ: والَّذي أكْرَمَكَ لَا أتَطوَّعُ شَيْئاً وَلَا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئاً، فَقَالَ رسولُ الله أفْلَحَ إنْ صَدَقَ أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ.

وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بالتعسف، وَأَبُو سُهَيْل مصغر السهل اسْمه نَافِع بن مَالك، وَطَلْحَة بن عبيد الله مُصَغرًا التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ.
قَتله مَرْوَان بن الحكم يَوْم الْجمل.

والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: شرائع الْإِسْلَام أَي: وَاجِبَات الزَّكَاة وَغَيرهَا،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الشَّرْط يُوجب أَنه إِن تطوع لَا يفلح.
قلت: شَرط اعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالفَة عدم مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَهَاهُنَا مَفْهُوم الْمُوَافقَة ثَابت، إِذْ من تطوع يفلح بِالطَّرِيقِ الأولى.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ ومِائَةِ بَعيرٍ حِقَّتانِ، فَإِن أهْلَكَها مُتَعَمِّداً أوْ وَهَبَها أوِ احْتالَ فِيها فِراراً مِنَ الزَّكاةِ، فَلا شَيْءَ عَليْهِ.

قيل: أَرَادَ بعض النَّاس أَبَا حنيفَة والتشنيع عَلَيْهِ لِأَن مذْهبه أَن كل حِيلَة يتحيل بهَا أحد فِي إِسْقَاط الزَّكَاة فأثم ذَلِك عَلَيْهِ.
وَأَبُو حنيفَة يَقُول: إِذا نوى بتفويته الْفِرَار من الزَّكَاة قبل الْحول بِيَوْم لم تضره النِّيَّة، لِأَن ذَلِك لَا يلْزمه إلاَّ بِتمَام الْحول، وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ معنى قَوْله خشيَة الصَّدَقَة إلاَّ حينئذٍ، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّصَرُّف قبل دُخُول الْحول كَيفَ شَاءَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا، فَكيف يُرِيد بقوله: بعض النَّاس أَبَا حنيفَة على الْخُصُوص؟ وَقيل: أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُف، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي عشْرين وَمِائَة بعير.
.
إِلَى آخِره،.

     وَقَالَ : لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ امْتنَاع عَن الْوُجُوب لَا إِسْقَاط الْوَاجِب،.

     وَقَالَ  مُحَمَّد: يكره لم فِيهِ من الْقَصْد إِلَى إبِْطَال حق الْفُقَرَاء بعد وجود سَببه، وَهُوَ النّصاب.




[ قــ :6591 ... غــ :6957 ]
- حدّثنا إسْحاق، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّام، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله يَكُونُ كَنْزُ أحَدِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ شُجاعاً أقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ ويَقُولُ أَنا كنْزُكَ قَالَ: وَالله لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فيُلْقِمَها فاهُ
انْظُر الحَدِيث 1403 ف



[ قــ :6591 ... غــ :6958 ]
- وَقَالَ رسولُ الله إِذا مَا رَبُّ النَّعْمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّها تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ تَخْبطُ وَجْهَهُ بأخْفافِها
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع الزَّكَاة بِأَيّ وَجه كَانَ من الْوُجُوه الْمَذْكُورَة.

وَإِسْحَاق قيل: إِنَّه ابْن رَاهَوَيْه كَمَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَ الكلاباذي: يروي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ عَن عبد الرَّزَّاق.
انْتهى.
قلت: مُقْتَضى كَلَام الْكرْمَانِي أَن إِسْحَاق هُنَا يحْتَمل أَن يكون أحد الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بِغَيْر تعْيين.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة.

قَوْله كنز أحدكُم الْكَنْز المَال الَّذِي يخبأ وَلَا تُؤَدّى زَكَاته.
قَوْله: شجاعاً من المثلثات وَهُوَ حَيَّة، والأقرع بِالْقَافِ أَي المتناثر شعر رَأسه لِكَثْرَة سمه.
قَوْله: لن يزَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني.
لَا يزَال.
قَوْله: حَتَّى يبسط يَده أَي: صَاحب المَال.
قَوْله: فيلقمها أَي: يَده.

قَوْله:.

     وَقَالَ  رَسُول الله وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: إِذا مَا رب النعم كلمة: مَا، زَائِدَة والرب الْمَالِك وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ هُنَا هُوَ الْإِبِل بِقَرِينَة ذكر أخفافها لِأَنَّهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّة وَهُوَ جمع خف والخف لِلْإِبِلِ كالظلف للشاة.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، فِي رَجُلٍ لهُ إبِلٌ فَخافَ أنْ تَجِبَ عَليْهِ الصَّدَقَة فباعَها.
بإبِلٍ مِثْلها أوْ بِغَنَمٍ أوْ بِبَقرٍ أوْ بِدَراهمَ فِراراً مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيالاً: فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ، وهْوَ يَقُولُ: إنْ زَكَّى إبلَهُ قَبْلَ أنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمِ أوْ بِسَنَةٍ جازَتْ عَنْهُ.

قَالَ بعض الشُّرَّاح أَرَادَ البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبَا حنيفَة يُرِيد بِهِ التشنيع عَلَيْهِ بِإِثْبَات التَّنَاقُض، فَمَا قَالَه بَيَان مَا يُريدهُ من التَّنَاقُض.
هُوَ أَنه: نقل مَا قَالَه فِي رجل لَهُ إبل ... إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ يَقُول: أَي: وَالْحَال أَن بعض النَّاس الْمَذْكُور يَقُول: إِن زكى إبِله ... الخ، يَعْنِي: جَازَ عِنْده التَّزْكِيَة قبل الْحول بِيَوْم، فَكيف يسْقطهُ فِي ذَلِك الْيَوْم؟.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح مَا ألزم البُخَارِيّ أَبَا حنيفَة من التَّنَاقُض فَلَيْسَ بتناقض لِأَنَّهُ لَا يُوجب الزَّكَاة إلاَّ بِتمَام الْحول، وَيجْعَل من قدمهَا كمن قدم دينا مُؤَجّلا، وَقد سبقه بِهَذَا ابْن بطال.





[ قــ :6593 ... غــ :6959 ]
- حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا لَ يْثٌ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بنُ عبادَةَ الأنْصاري رسولَ الله فِي نذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضَيَهُ، فَقَالَ رسولُ الله اقْضِهِ عَنْها
انْظُر الحَدِيث 761 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر بتعسف من كَلَام الْمُهلب حَيْثُ قَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة على أَن الزَّكَاة لَا تسْقط بالحيلة وَلَا بِالْمَوْتِ، لِأَن النّذر لما لم يسْقط بِالْمَوْتِ وَالزَّكَاة أوكد مِنْهُ فَلَا تسْقط.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى.
أما الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يدل على حكم الزَّكَاة لَا بالسقوط وَلَا بِعَدَمِ السُّقُوط، وَأما قِيَاس عدم سُقُوط النّذر بِالْمَوْتِ فَقِيَاس غير صَحِيح.
لِأَن النّذر حق معِين لوَاحِد وَالزَّكَاة حق الله وَحقّ الْفُقَرَاء فَمن أَيْن الْجَامِع بَينهمَا؟ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الحَدِيث وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَان قبله لَا تطابق التَّرْجَمَة إِذا حققت النّظر فِيهَا، وَأَنَّهَا بمعزل عَنْهَا.

وَرِجَال الحَدِيث الْمَذْكُور ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا بَلَغتِ الإبِلُ عِشْرِينَ فَفِيها أرْبَعُ شِياهٍ، فإنْ وَهَبها قَبْلَ الحَوْلِ، أوْ باعَها فِراراً واحْتِيالاً لإسْقاطِ الزَّكاةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وكَذالِكَ إنْ أتْلفَها فَماتَ فَلا شَيءَ فِي مالِهِ.

أَرَادَ بقوله بعض النَّاس أَبَا حنيفَة أَو الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكرنَا.
وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي الفرعين الْمُتَقَدِّمين، وَهُوَ أَن الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا قَالُوا: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي هَذِه الثَّلَاثَة، لِأَنَّهُ إِذا أَزَال عَن ملكه قبل الْحول فَمن أَيْن يكون عَلَيْهِ شَيْء؟ فَلَا يرد عَلَيْهِم مَا زَعمه البُخَارِيّ، فحينئذٍ لَا فَائِدَة فِي تكْرَار هَذِه الْفُرُوع، وَذكرهَا مفرقة.
فَإِن قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا كررها لإِرَادَة زِيَادَة التشنيع ولبيان مخالفتهم لثَلَاثَة أَحَادِيث.
قلت: التشنيع على الْمُجْتَهدين الْكِبَار لَا يجوز وَلَيْسَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مُخَالفَة لأحاديث الْبابُُ كَمَا ترَاهُ، وَهِي بمعزل عَمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَمن لَهُ إِدْرَاك دَقِيق فِي دقائق الْكَلَام يقف على هَذَا، وَيظْهر لَهُ الْحق الْبَاطِل وَالصَّوَاب من الْخَطَأ، وَالله ولي الْعِصْمَة والتوفيق.