فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت، فقضي بقيمة الجارية الميتة، ثم وجدها صاحبها فهي له، ويرد القيمة ولا تكون القيمة ثمنا

( بابٌُ إذَا غَصَبَ جارِيَةً فَزَعَمَ أنّها ماتَتْ، فَقُضِيَ بَقِيمَةِ الجارِيَةِ المَيِّتَةِ ثموجَدَهَا صاحِبُها فَهْيَ لهُ وتُرَدُّ القِيمَةُ وَلَا تَكونُ القِيمَةُ ثَمَناً)

أَي: هَذَا بابُُ مترجم بِمَا إِذا غصب رجل جَارِيَة لشخص، يَعْنِي: أَخذهَا قهرا، فَلَمَّا ادّعى عَلَيْهِ المغصب مِنْهُ زعم أَي: الْغَاصِب أَن الْجَارِيَة مَاتَت، فقضي، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم، أَي: فَقضى الْحَاكِم بِقِيمَة تِلْكَ الْجَارِيَة الَّتِي زعم الْغَاصِب أَنَّهَا مَاتَت ثمَّ وجدهَا صَاحبهَا وَهُوَ الْمَغْصُوب مِنْهُ فَهِيَ أَي الْجَارِيَة لَهُ أَي: للْمَالِك، وَيرد الْقيمَة الَّتِي حكم بهَا إِلَى الْغَاصِب وَلَا تكون الْقيمَة ثمنا، إِذْ لَيْسَ ذَلِك بيعا إِنَّمَا أَخذ الْقيمَة لزعم هلاكها، فَإِذا زَالَ ذَلِك وَجب الرُّجُوع إِلَى الأَصْل.

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجارِيَةُ لِلْغاصِبِ لأخْذِهِ القيمةَ، وَفِي هاذَا احْتِيالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جارِيَةَ رجُلٍ لَا يَبِيعُها فَغَصَبَها، واعْتَلَّ بأنّها ماتَتْ حتَّى يأخُذَ ربُّها قِيمَتَها، فَيَطِيبُ لِلْغاصِبِ جاريَةُ غَيْرِهِ.

أَرَادَ بِبَعْض النَّاس: أَبَا حنيفَة، وَلَيْسَ لذكر هَذَا الْبابُُ هُنَا وَجه لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعه، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التشنيع على الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ هَذَا من دأب الْمَشَايِخ.
قَوْله: لأَخذه أَي: صَاحبهَا.
قَوْله: واعتل أَي: تعلل وَاعْتذر.

قَالَ النبيُّ أمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ
هَذَانِ طَرِيقَانِ للحديثين الْمَذْكُورين ذكرهمَا فِي معرض الِاحْتِجَاج على مَا ذكره، وَلَيْسَ فيهمَا مَا يدل على دَعْوَاهُ أما الأول فَمَعْنَاه: أَن أَمْوَالكُم عَلَيْكُم حرَام إِذا لم يُوجد التَّرَاضِي، وَهنا قد وجد التَّرَاضِي بِأخذ الْمَالِك الْقيمَة وَأما الثَّانِي: فَلَا يُقَال للْغَاصِب فِي اللُّغَة: إِنَّه غادر، لِأَن الْغدر ترك الْوَفَاء وَالْغَصْب هُوَ أَخذ شَيْء قهرا أَو عُدْوانًا.
وَقَول الْغَاصِب: إِنَّهَا مَاتَت، كذب ثمَّ أَخذ الْمَالِك الْقيمَة رضَا، فَالْحَدِيث الأول وَصله البُخَارِيّ مطولا من حَدِيث أبي بكر فِي أَوَاخِر الْحَج،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَوْله: أَمْوَالكُم عَلَيْكُم مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ، وَهِي تفِيد التَّوْزِيع فَيلْزم أَن يكون مَال كل شخص حَرَامًا عَلَيْهِ، وَأجَاب بِأَن هَذَا مثل قَوْلهم: بَنو تَمِيم قتلوا أنفسهم، أَي: قتل بَعضهم بَعْضًا، فَهُوَ مجَاز أَو إِضْمَار فِيهِ للقرينة الصارفة عَن ظَاهرهَا، كَمَا علم من الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة.
والْحَدِيث الثَّانِي ذكره مَوْصُولا هُنَا على مَا يَجِيء الْآن.



[ قــ :6600 ... غــ :6966 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ قَالَ: لِكُلِّ غادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيامَةِ يُعْرَفُ بِهِ
أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ: والْحَدِيث من أَفْرَاده.



( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِغَيْر تَرْجَمَة، وَقد مر أَمْثَال هَذَا فِيمَا مضى وَقد ذكرنَا أَنه كالفصل لما قبله، وحذفه النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَابْن بطال وَلم يذكروه أصلا، وأضاف ابْن بطال مَسْأَلَة الْبابُُ إِلَى الْبابُُ الَّذِي قبله.
وَأما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لَا يذكر غَالب التراجم.



[ قــ :6601 ... غــ :6967 ]
- حدّثنا مُحَمَّدٌ بنُ كَثِيرٍ، عنْ سُفْيانَ، عنْ هِشامٍ، عنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلمَةَ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: إنَّما أَنا بَشَرٌ، وإنّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وأقْضِي لهُ عَلى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئاً فَلاَ يأخُذْ، فإنّما أقْطَعُ لهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ
لما كَانَ هَذَا الْبابُُ غير مترجم وَهُوَ كالفصل يكون حَدِيثه مُضَافا إِلَى الْبابُُ الَّذِي قبله، وَوجه التطابق ظَاهر لنَهْيه عَن أَخذ مَال الْغَيْر إِذا كَانَ يعلم أَنه فِي نفس الْأَمر للْغَيْر.

وَمُحَمّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَزَيْنَب ابْنة أم سَلمَة تروي عَن أمهَا أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَفِي الشَّهَادَات عَن القعْنبِي وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.

قَوْله إِنَّمَا أَنا بشر يَعْنِي: كواحد مِنْكُم وَلَا أعلم الْغَيْب وبواطن الْأُمُور كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْحَالة البشرية، وَأَنا أحكم بِالظَّاهِرِ.
قَوْله: وَلَعَلَّ اسْتعْمل هُنَا اسْتِعْمَال: عَسى.
قَوْله: أَلحن أفعل التَّفْضِيل من: لحن، بِكَسْر الْحَاء إِذا فطن، وَالْمرَاد أَنه إِذا كَانَ أفطن كَانَ قَادِرًا على أَن يكون أقدر من حجَّته من الآخر، وَفِي رِوَايَة الْمَظَالِم بِلَفْظ: أبلغ بحجته.
قَوْله: على نَحْو مَا اسْمَع كلمة: مَا، مَوْصُولَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: على نَحْو مِمَّا أسمع.
قَوْله: من حق أَخِيه ويروى: من أَخِيه، وَتَفْسِيره: من حق أَخِيه.
قَوْله: فَلَا يَأْخُذ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلَا يَأْخُذهُ.
قَوْله: قِطْعَة من النَّار قَالَ الْكرْمَانِي: حرَام عَلَيْهِ ومرجعه إِلَى النَّار، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن أَخذهَا مَعَ علمه بِأَنَّهَا حرَام عَلَيْهِ دخل النَّار.