فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر، وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِن احْتِيالِ المَرْأةِ مَعَ الزَّوْجِ والضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِكَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا يكره ... الخ كلمة: مَوْصُولَة، والضرائر جمع ضرَّة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء.
قَوْله: وَمَا نزل أَي: وَفِي بَيَان مَا نزل على النَّبِي قَوْله: فِي ذَلِك أَي: فِيمَا ذكر من احتيال الْمَرْأَة مَعَ الزَّوْج والضرائر، وَأَرَادَ بقوله: وَمَا نزل قَوْله تَعَالَى: { يَا أَيهَا النَّبِي لَا تحرم مَا أحل الله لَك} وَذَلِكَ لما قَالَ شربت عسلاً وَلنْ أَعُود، وَقبل: إِنَّمَا حرم جَارِيَته مَارِيَة فَحلف أَن لَا يَطَأهَا، وَأسر ذَلِك إِلَى حَفْصَة فأفشته إِلَى عَائِشَة، وَنزل الْقُرْآن فِي ذَلِك.



[ قــ :6606 ... غــ :6972 ]
- حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هشامٍ، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كانَ رسولُ الله يُحِبُّ الحَلْوَاءَ ويُحِبُّ العَسَلَ وكانَ إذَا صَلَّى العَصْرَ أجازَ عَلى نِسائِهِ فَيَدْنو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلى حَفْصَةَ فاحْتَبَسَ عِنْدَها، أكْثَرَ مِما كانَ يَحْتَبِسُ، فَسْألْتُ عنْ ذَلِكَ فَقَالَ لي: أهْدَتِ امْرأةٌ مِنْ قَوْمِها عُكَّةَ عَسَلِ، فَسَقَتْ رسولَ الله مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أما واللَّهِ لَنَحْتالَنَّ لهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فإنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فقُولِي لهُ: يَا رسولَ الله أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ فإنَّهُ سَيَقُولُ: لَا، فَقُولي لهُ: مَا هاذِهِ الرِّيحُ؟ وكانَ رسولُ الله يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ فإنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولي لهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العرْفُطَ، وسأقُولُ ذالِكِ، وقُولِيهِ أنْتِ يَا صَفِيّةُ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى سَوْدَةَ قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: والّذِي لَا إلاهَ إلاّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أنْ أُبادِرَهُ بالَّذِي قُلْتِ لي، وإنّهُ لَعَلى البابُِ فَرَقاً مِنْكِ، فَلَمَّا دنا رسولُ الله.

قُلْتُ يَا رسوُلَ اللَّهِ أكَلْتَ مَغافِيرِ؟ قَالَ: لَا.

قُلْتُ فَما هاذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: سَقَتْني حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ.

قُلْتُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ فلمَّا دَخلَ عَليَّ.

قُلْتُ لهُ مثْلَ ذَلِكَ، ودَخَلَ عَلى صَفِيّةَ فقالَتْ لهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى حَفْصَةَ قالَتْ لَهُ: يَا رسُولَ الله أَلا أسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حاجةَ لي بِهِ قالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ سُبْحانَ الله لَقَدْ حرَمْناهُ.
قالَتْ:.

قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَالله لنحتالن لَهُ
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

والْحَدِيث قد مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْأَشْرِبَة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَفِيه وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن عبد الله وَهنا عبيد بن إِسْمَاعِيل أربعتهم عَن أبي أُسَامَة.
وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد ذَكرْنَاهُ.

قَوْله: الْحَلْوَاء بِمد وبقصر، قَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد التَّمْر وَشبهه.
قَوْله: أجَاز أَي: تمم النَّهَار وأنفده، يُقَال: جَازَ الْوَادي جَوَازًا، وَأَجَازَهُ إِذا قطعه،.

     وَقَالَ  الْأَصْمَعِي: جَازَ مَشى فِيهِ، وَأَجَازَهُ قطعه، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: جَازَ، قَالَ: كَذَا وَقع فِي الْمُجْمل.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: جزت الْموضع سرت فِيهِ وأجزته خلفته وقطعته.
قَوْله: عكة بِالضَّمِّ الْآنِية من الْجلد.
قَوْله: فسقت رَسُول الله شربة يَعْنِي: حَفْصَة، قَالَ صَاحب التَّوْضِيح هَذِه غلط لِأَن حَفْصَة هِيَ الَّتِي تظاهرت مَعَ عَائِشَة فِي هَذِه الْقِصَّة، وَإِنَّمَا شربه عِنْد صَفِيَّة بنت حييّ، وَقيل: عِنْد زَيْنَب، وَالأَصَح أَنَّهَا زَيْنَب،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه شرب فِي بَيت زَيْنَب والمتظاهرتان على هَذَا القَوْل عَائِشَة وَحَفْصَة، ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه شرب فِي بيتهما فهما قضيتان.
قَوْله: لنحتالن من الاحتيال.
فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه الاحتيال؟ .
قلت: هَذِه من مقتضيات الطبيعة للنِّسَاء، وَقد عفى عَنْهُن.
قَوْله: مَغَافِير جمع مغْفُور بالغين الْمُعْجَمَة وبالفاء وَالْوَاو وَالرَّاء وَهُوَ صبغ كالعسل لَهُ رَائِحَة كريهة.
قَوْله: جرست بِالْجِيم وَالرَّاء وبالسين الْمُهْملَة أَي: لحست بِاللِّسَانِ وأكلت.
قَوْله: العرفط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ شجر خَبِيث الثَّمر، وَقيل: العرفط مَوضِع، وَقيل: شجر من العضاء وثمرته بَيْضَاء مدحرجة،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: ثَمَرَة كل العضاء صفراء إلاَّ أَن العرفط ثَمَرَته بَيْضَاء.
قَوْله: أَن أبادره من الْمُبَادرَة ويروى أَن أبادئه بِالْبَاء الْمُوَحدَة من المبادأة، يُقَال: أبادئهم أَمرهم أَي: أظهره، ويروى: أَن أناديه، بالنُّون مَوضِع الْبَاء.
قَوْله: أَلا أسقيك؟ بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا، وَفِي الصِّحَاح سقيته وأسقيته.
قَوْله: حرمناه أَي: منعناه من الْعَسَل.