فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب المبشرات

( بابُُ المُبَشِّرَاتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْمُبَشِّرَات وَهِي بِكَسْر الشين جمع مبشرة، قَالَ بَعضهم: وَهِي الْبُشْرَى.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْبُشْرَى اسْم بِمَعْنى الْبشَارَة، والمبشرة اسْم فَاعل للمؤنث من التبشير وَهُوَ إِدْخَال السرُور والفرح على المبشر بِفَتْح الشين، وَالْمرَاد بالمبشرة هُنَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، وَقد ورد فِي قَوْله تَعَالَى: { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ الْحَاكِم من رِوَايَة أبي سَلمَة عَن عبد الرحمان عَن عبَادَة بن الصَّامِت.



[ قــ :6625 ... غــ :6990 ]
- حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثني سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلاّ المُبَشِّرَات قالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: لم يبْق قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: لم يبْق فَإِن قلت: هُوَ فِي معنى الْمَاضِي لَكِن المُرَاد مِنْهُ الِاسْتِقْبَال إِذْ قبل زَمَانه وَحَال زَمَانه كَانَ غَيرهَا بَاقِيا مِنْهَا فَالْمُرَاد بعد.
قلت: صدق فِي زَمَانه أَنه لم يبْق لأحد غَيره نبوة.
فَإِن قلت: هَل يُقَال لصَاحب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة: لَهُ شَيْء من النُّبُوَّة؟ قلت: جُزْء النُّبُوَّة لَيْسَ بنبوة إِذْ جُزْء الشَّيْء غَيره أَو لَا هُوَ وَلَا غَيره فَلَا نبوة لَهُ.
فَإِن قلت: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة أَعم لاحْتِمَال أَن تكون منذرة إِذا الصّلاح قد يكون بِاعْتِبَار تَأْوِيلهَا.
قلت: فَيرجع إِلَى المبشر، نعم يخرج مِنْهَا مَا لَا صَلَاح لَهَا لَا صُورَة وَلَا تَأْوِيلا.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين.
معنى الحَدِيث أَن الْوَحْي يَنْقَطِع بموتي وَلَا يبْقى مَا يعلم مِنْهُ مَا سَيكون إلاَّ الرُّؤْيَا.
فَإِن قيل: يرد عَلَيْهِ الإلهام لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيكون وَهُوَ للأنبياء بِالنِّسْبَةِ للوحي كالرؤيا وَيَقَع فِي غير الْأَنْبِيَاء كَمَا تقدم فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد كَانَ فِيمَن مضى من الْأُمَم محدثون، وَفسّر الْمُحدث بِفَتْح الدَّال بالملهم بِفَتْح الْهَاء، وَقد أخبر كثير من الْأَوْلِيَاء عَن أُمُور مغيبة فَكَانَت كَمَا أخبروا.
وَأجِيب: بِأَن الْحصْر فِي الْمَنَام لكَونه يَشْمَل آحَاد الْمُؤمنِينَ، بِخِلَاف الإلهام فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ كَونه مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِر.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب مَا حَاصله: إِن التَّعْبِير بالمبشرات خرج للأغلب، فَإِن من الرُّؤْيَا مَا تكون منذرة وَهِي صَادِقَة يريها الله لِلْمُؤمنِ رفقا بِهِ ليستعد لما يَقع قبل وُقُوعه.