فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا رأى بقرا تنحر

( بابٌُ إذَا رأى بَقَراً تُنْحَرُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا رأى فِي الْمَنَام بقرًا تنحر، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا رأى أحد بقرًا تنحر يعبر بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، وَالنَّبِيّ لما رأى بقرًا تنحر كَانَ تَأْوِيل رُؤْيَاهُ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد،.

     وَقَالَ  الْمُهلب: وَفِي رُؤْيَاهُ بقرًا ضرب الْمثل لِأَنَّهُ رأى بقرًا تنحر فَكَانَت الْبَقر أَصْحَابه فَعبر عَن حَال الْحَرْب بالبقر من أجل مَا لَهَا من السِّلَاح والقرون شبهت بِالرِّمَاحِ، وَلما كَانَ طبع الْبَقر المناطحة والدفاع عَن أَنْفسهَا بقرونها كَمَا يفعل رجال الْحَرْب وَشبه النَّحْر بِالْقَتْلِ.



[ قــ :6664 ... غــ :7035 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، حَدثنَا أبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَن جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى أُراهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضِ بِها نَخْلٌ، فَذَهَب وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمامَةُ أوْ هَجَرٌ، فَإِذا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، ورَأيْتُ فِيها بَقَراً وَالله خيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ وثَوَاب الصِّدْقِ الّذِي آتَانَا الله بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا بقرًا فَإِن قلت: ترْجم بِقَيْد النَّحْر وَلم يَقع ذَلِك فِي حَدِيث الْبابُُ؟ .
قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَابر: أَن النَّبِي قَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي فِي درع حَصِينَة وَرَأَيْت بقرًا تنحر ... الحَدِيث،.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ: بِهَذِهِ الزِّيَادَة على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا، فَنحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد.

وَشَيخ البُخَارِيّ هُوَ أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة اسْمه: الْحَارِث، وَقيل: عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.

والْحَدِيث مضى بِهَذَا السَّنَد بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَفرق مِنْهُ فِي الْمَغَازِي بِهَذَا السَّنَد أَيْضا، وعلق فِيهَا مِنْهُ قِطْعَة فِي الْهِجْرَة، فَقَالَ:.

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى ... وَذكر بعضه هُنَا وَبَعضه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب، وَلم يذكر بعضه.

قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، قيل: إِن الْقَائِل بِهَذِهِ اللَّفْظَة هُوَ البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هُوَ قَول الرَّاوِي عَن أبي مُوسَى وَرَوَاهُ مُسلم وَغَيره عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء شيخ البُخَارِيّ بالسند الْمَذْكُور بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة، بل جزموا بِرَفْعِهِ.
قَوْله: فَذهب وهلي يَعْنِي: وهمي،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: روينَاهُ بِفَتْح الْهَاء وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة بسكونها، تَقول: وهلت بِالْفَتْح أهل وهلاً إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره، ووهل يوهل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ إِذا فزع،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: يُقَال: وَهل، بِفَتْح الْهَاء يهل بِكَسْرِهَا وهلاً بسكونها، مثل ضرب يضْرب ضربا إِذا غلط وَذهب وهمه إِلَى خلاف الصَّوَاب، وَأما: وهلت، بِكَسْرِهَا أَو هَل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ فَمَعْنَاه: فزعت.
والوهل بِالْفَتْح الْفَزع، وَضَبطه النَّوَوِيّ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ،.

     وَقَالَ : مَعْنَاهُ الْوَهم، وَصَاحب النِّهَايَة جزم أَنه بِالسُّكُونِ.
قَوْله: الْيَمَامَة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى وَهِي بِلَاد الجو بَين مَكَّة واليمن.
قَوْله: أَو هجر كَذَا وَقع بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: أَو الهجر، بِالْألف وَاللَّام، وهجر بِفتْحَتَيْنِ قَاعِدَة أَرض الْبَحْرين، وَقيل: بلد بِالْيمن.
قَوْله: يثرب كَانَ اسْم مَدِينَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجَاهِلِيَّة.
قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا أَي: فِي الرُّؤْيَا.
قَوْله: وَالله خير مُبْتَدأ أَو خبر أَي: ثَوَاب الله للمقبولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، أَو: صنع الله خير لكم، قيل: وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه من جملَة الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا كلمة سَمعهَا عِنْد رُؤْيَاهُ الْبَقر بِدَلِيل تَأْوِيله لَهَا بقوله فَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ قَوْله: بعد بدر هُوَ فتح خَيْبَر ثمَّ فتح مَكَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة بعد بِالضَّمِّ أَي: بعد أحد، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْخَيرِ الْغَنِيمَة، وَبعد أَي: بعد الْخَيْر، وَالثَّوَاب وَالْخَيْر حصلا فِي يَوْم بدر.