فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25] وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن

( كتابُ الفِتَنِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْفِتَن بِكَسْر الْفَاء جمع فتْنَة وَهِي المحنة والفضيحة وَالْعَذَاب، وَيُقَال: أصل الْفِتْنَة الاختبار ثمَّ اسْتعْملت فِيمَا أخرجته المحنة، والاختبار إِلَى الْمَكْرُوه ثمَّ أطلقت على كل مَكْرُوه وآيل إِلَيْهِ كالكفر وَالْإِثْم والفضيحة والفجور وَغير ذَلِك، وَفِي بعض النّسخ: الْبَسْمَلَة ذكرت بعد قَوْله: كتاب الْفِتَن وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي.


( بابُُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: { وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُو اْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر مَا جَاءَ ... إِلَى آخِره، ذكر أَحْمد فِي تَفْسِيره وَهُوَ مَا عزاهُ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حدائقه حَدثنَا أسود حَدثنَا جرير سَمِعت الْحسن قَالَ: قَالَ الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نزلت هَذِه الْآيَة وَنحن متوافرون مَعَ رَسُول الله فَجعلنَا نقُول: مَا هَذِه الْفِتْنَة؟ وَمَا نشعر أَنَّهَا تقع حَيْثُ وَقعت.
وَعنهُ أَنه قَالَ يَوْم الْجمل لما لَقِي مَا لَقِي: مَا توهمت أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا أَصْحَاب مُحَمَّد الْيَوْم،.

     وَقَالَ  الضَّحَّاك: هِيَ فِي أَصْحَاب مُحَمَّد خَاصَّة.
.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن لَا يقرُّوا مُنْكرا بَين ظُهُورهمْ، وَأَنْذرهُمْ بِالْعَذَابِ، وَقيل: إِنَّه تعم الظَّالِم وَغَيره،.

     وَقَالَ  الْمبرد: إِنَّهَا نهي بعد نهي لأمر الْفِتْنَة، وَالْمعْنَى فِي النَّهْي للظالمين أَن لَا يقربُوا الظُّلم، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: قَالَ الزبير: لقد خوفنا بِهَذِهِ الْآيَة وَنحن مَعَ رَسُول الله وَمَا ظننا أَن خصصنا بهَا.
وَأخرجه النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه.
وَأخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق السّديّ قَالَ: نزلت فِي أهل بدر خَاصَّة فَأَصَابَتْهُمْ يَوْم الْجمل.

وَمَا كانَ النبيُّ يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَنِ
عطف على مَا قبله أَي: وَفِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي يحذر أَصْحَابه من الْفِتَن، ويحذر من التحذير، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا تضمنته أَحَادِيث الْبابُُ من الْوَعيد على التبديل والإحداث.



[ قــ :6677 ... غــ :7048 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، حدّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: قالَتْ أسْماءُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَنا عَلى حَوْضِي أنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ فَيُؤْخَذُ بِناسٍ مِنْ دُونِي فأقُولُ: أُمَّتِي فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَشَوْا عَلى القَهْقَرَى.

قَالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إنّا نَعُوذُ بِكَ أنْ نَرْجِعَ عَلى أعْقابِنا أَو نُفْتَنَ.

انْظُر الحَدِيث 6593
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.

وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ.
وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن السّري بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْبَصْرِيّ سكن مَكَّة وَكَانَ يلقب بالأفوه ثِقَة كَانَ صَاحب مواعظ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَنَافِع بن عمر بن عبد الله الْقرشِي من أهل مَكَّة،.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُد: مَاتَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَابْن أبي مليكَة اسْمه عبد الله وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر، وَكَانَ عبد الله قَاضِي مَكَّة أَيَّام عبد الله بن الزبير، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

والْحَدِيث مضى فِي ذكر الْحَوْض عَن سعيد بن أبي مَرْيَم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: أَنا على حَوْضِي يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة.
قَوْله: انْتظر من يرد عَليّ بتَشْديد الْيَاء أَي: من يحضرني ليشْرب.
قَوْله: من دوني أَي: من عِنْدِي.
قَوْله: فَيَقُول أَي: فَيَقُول الله عز وَجل، ويروى: فَيُقَال.
قَوْله: لَا تَدْرِي خطاب للنَّبِي قَوْله: مَشوا على الْقَهْقَرَى والقهقرى مَقْصُور وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى خلف، فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرَى، كَأَنَّك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم.
لِأَن الْقَهْقَرَى ضرب من الرُّجُوع.
.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: معنى الحَدِيث الارتداد عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ.
قَوْله: أَو نفتن على صِيغَة الْمَجْهُول.





[ قــ :6678 ... غــ :7049 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ مُغِيرَةَ، عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إليَّ رِجالٌ مِنْكُمْ، حتَّى إذَا أهْوَيْتُ لأناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي: فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابي فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ
انْظُر الحَدِيث 6575 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي، ومغير بِضَم الْمِيم وَكسرهَا ابْن الْمقسم بِكَسْر الْمِيم الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي ذكر الْحَوْض عَن عَمْرو بن عَليّ.

قَوْله: فَرَطكُمْ بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة أَي: أَنا أتقدمكم، والفرط من يتَقَدَّم الواردين فيهيىء لَهُم الإرشاء والدلاء وَعدد الْحِيَاض ويسقي لَهُم، وَهُوَ على وزن فعل بِمَعْنى فَاعل كَبيع بِمَعْنى بَائِع.
قَوْله: ليرفعن على صِيغَة الْمَجْهُول الْمُؤَكّد بالنُّون الثَّقِيلَة.
قَوْله: إِذا أهويت أَي: ملت وامتددت.
قَوْله: اختلجوا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: سلبوا من عِنْدِي.
يُقَال: خلجه واختلجه إِذا جذبه وانتزعه.
قَوْله: مَا أَحْدَثُوا أَي: من الْأُمُور الَّتِي لَا يرى الله بهَا، وَجَمِيع أهل الْبدع وَالظُّلم والجور داخلون فِي معنى هَذَا الحَدِيث.





[ قــ :6679 ... غــ :7050 ]
- حدّثنا يِحْياى بنُ بُكَيرٍ، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي حازمِ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَربَ مِنْهُ ومَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أبَداً، لَيَرِدُ عَليَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحال بَيْنِي وبَيْنَهُمْ قَالَ أبُو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبي عَيَّاشٍ وَأَنا أُحَدِّثُهُمْ هاذا، فَقَالَ: هاكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَنا أشْهَدُ عَلى أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ، يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: إنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ.
فأقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي
انْظُر الحَدِيث 6584
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَيَعْقُوب بن عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن عبد الله الْقَارِي من قارة حَيّ من الْعَرَب أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، والنعمان بن أبي عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة وَاسم أبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت الزرقي الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فضل النَّبِي عَن قُتَيْبَة.

قَوْله من ورده شرب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من ورده يشرب قَوْله: لم يظمأ قيل: هُوَ كِنَايَة عَن أَنه يدْخل الْجنَّة لِأَنَّهُ صفة من يدخلهَا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ أَولا: من ورده شرب، وآخراً: ليردن عليّ أَقوام.
ثمَّ يُحَال؟ قلت: الْوُرُود فِي الأول إِنَّمَا هُوَ على الْحَوْض، وَفِي الثَّانِي عَلَيْهِ قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى.
قَوْله: مَا بدلُوا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَا أَحْدَثُوا.
وَاعْلَم أَن حَال هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين إِن كَانُوا من ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَلَا إِشْكَال فِي تبري النَّبِي مِنْهُم وإبعادهم، وَإِن كَانُوا مِمَّن لم يرتدوا وَلَكِن أَحْدَثُوا مَعْصِيّة كَبِيرَة من أَعمال الْبدن أَو بِدعَة من أَعمال الْقلب فقد أجابوا بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه أعرض عَنْهُم وَلم يسمع لَهُم اتبَاعا لأمر الله فيهم حَتَّى يعاقبهم على جنايتهم، ثمَّ، لَا مَانع من دُخُولهمْ فِي عُمُوم شَفَاعَته لأهل الْكَبَائِر من أمته فَيخْرجُونَ عِنْد إِخْرَاج الْمُوَحِّدين من النَّار.
قَوْله: سحقاً أَي: بعدا، وَكرر لفظ سحقاً من سحق الشَّيْء بِالضَّمِّ فَهُوَ سحيق أَي: بعيد، وأسحقه الله أَي أبعده.

<