فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما

( بابٌُ إِذا الْتَقاى المُسْلِمانِ بَسَيْفَيْهِما)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا التقى المسلمان بسيفيهما، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف لم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله: فكلاهما من أهل النَّار، وَقَوله فِي الحَدِيث: إِذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فِي معنى: إِذا التقيا.



[ قــ :6707 ... غــ :7083 ]
- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عنِ الحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاحِي لَيالِيَ الفِتْنَةِ فاسْتَقْبَلَنِي أبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُريدُ نُصْرَةَ ابنِ عَمِّ رسولِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله إِذا تَواجَهَ المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِما فَكِلاهُما مِنْ أهْلِ النَّار قِيلَ فَهاذا القاتِلُ فَما بالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أرادَ قَتْلَ صاحِبهِ.

قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هاذا الحَدِيثَ لأيُّوبَ ويُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ وَأَنا أُرِيدُ أنْ يُحَدِّثانِي بِهِ، فَقَالَا: إنَّما رَواى هاذا الحَديثَ الحسَنُ عنِ الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ عنْ أبي بَكْرَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: إِذا تواجه المسلمان بسيفيهما وَقد ذكرنَا أَن مَعْنَاهُ: إِذا التقيا.

وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وَقد نسبه فِي أثْنَاء الحَدِيث.

قَوْله: عَن رجل قَالَ بَعضهم: هُوَ عَمْرو بن عبيد شيخ الْمُعْتَزلَة، وَكَانَ سيىء الضَّبْط، قَالَه الْحَافِظ الْمزي فِي التَّهْذِيب.

     وَقَالَ  صَاحب التَّلْوِيح هُوَ هِشَام بن حسان أَبُو عبد الله القردوسي، وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب التَّوْضِيح وَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي نَاقِلا عَن قوم،.

     وَقَالَ  بَعضهم فِيهِ بعد قلت: لَيْت شعري مَا وَجه الْبعد، وَوجه الْبعد فِيمَا قَالَه، وَيُؤَيّد مَا قَالَه هَؤُلَاءِ مَا قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي صَحِيحه حَدثنَا الْحسن حَدثنَا: مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا حَمَّاد بن زيد حَدثنَا هِشَام عَن الْحسن ... فَذكره، وتوضحه رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن خلف بن تَمِيم عَن زَائِدَة عَن هِشَام عَن الْحسن.
.
الحَدِيث، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ.
قَوْله: ليَالِي الْفِتْنَة أَرَادَ بهَا الْحَرْب الَّتِي وَقعت بَين عَليّ وَمن مَعَه وَعَائِشَة وَمن مَعهَا، كَذَا قَالَ بَعضهم.
قلت: مَا معنى إبهامه ذَلِك وَالْمرَاد بِهِ وقْعَة الْجمل ووقعة صفّين؟ قَوْله: فاستقبلني أَبُو بكرَة هُوَ نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ.
قَوْله: قلت: أُرِيد نصْرَة ابْن عمر رَسُول الله وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أُرِيد نصر ابْن عَم رَسُول الله يَعْنِي: عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَالَ: فَقَالَ لي: يَا أحنف ارْجع.
قَوْله: قَالَ: قَالَ رَسُول الله وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ: سَمِعت رَسُول الله قَوْله: إِذا تواجه المسلمان ويروى: توجه.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: تواجه أَي ضرب كل وَاحِد مِنْهُمَا وَجه الآخر، أَي: ذَاته.
قَوْله: فكلاهما من أهل النَّار وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي النَّار، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فالقاتل والمقتول فِي النَّار قَوْله: أهل النَّار أَي مُسْتَحقّ لَهَا، وَقد يعْفُو الله عَنهُ.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمُعَاوِيَة كِلَاهُمَا كَانَا مجتهدين، غَايَة مَا فِي الْبابُُ أَن مُعَاوِيَة كَانَ مخطئاً فِي اجْتِهَاده وَنَحْوه.
انْتهى.
قلت: كَيفَ يُقَال: كَانَ مُعَاوِيَة مخطئاً فِي اجْتِهَاده، فَمَا كَانَ الدَّلِيل فِي اجْتِهَاده؟ وَقد بلغه الحَدِيث الَّذِي قَالَ وَيْح ابْن سميَّة تقتله الفئة الباغية، وَابْن سميَّة هُوَ عمار بن يَاسر، وَقد قَتله فِئَة مُعَاوِيَة، أَفلا يرضى مُعَاوِيَة سَوَاء بِسَوَاء حَتَّى يكون لَهُ أجر وَاحِد؟ وروى الزُّهْرِيّ عَن حَمْزَة بن عبد الله بن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: مَا وجدت فِي نَفسِي من شَيْء مَا وجدت أَنِّي لم أقَاتل هَذِه الفئة الباغية كَمَا أَمرنِي الله.
فَإِن قلت: كَانَ عبد الله بن عَمْرو مِمَّن روى الحَدِيث الْمَذْكُور وَأخْبر مُعَاوِيَة بِهَذَا، فَكيف كَانَ مَعَ فِئَة مُعَاوِيَة؟ .
قلت: رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: لم أضْرب بِسيف وَلم أطعن بِرُمْح وَلَكِن رَسُول الله قَالَ: أطع أَبَاك فأطعته، وَقيل لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: من كَانَ أفضل عَلْقَمَة أَو الْأسود؟ فَقَالَ: عَلْقَمَة، لِأَنَّهُ شهد صفّين وخضب سَيْفه بهَا، وَقيل: كَانَ أويس الْقَرنِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الرجالة؛ قَالَه إِبْرَاهِيم بن سعد،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: مساعدة الإِمَام الْحق وَدفع الْبُغَاة وَاجِبَة فَلم منع أَبُو بكرَة الْحسن عَن حُضُوره مَعَ فِئَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؟ وَأجَاب بقوله: لَعَلَّ الْأَمر لم يكن بعد ظَاهرا عَلَيْهِ.
قَوْله: قيل فَهَذَا الْقَاتِل الْقَائِل هُوَ أَبُو بكرَة.
فَقَوله: الْقَاتِل مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: هَذَا الْقَاتِل يسْتَحق النَّار، فَمَا بَال الْمَقْتُول؟ أَي: فَمَا ذَنبه؟ قَالَ: إِنَّه أَي: إِن الْمَقْتُول أَرَادَ قتل صَاحبه، وَتقدم فِي الْإِيمَان أَنه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه فَإِن قلت: مُرِيد الْمعْصِيَة إِذا لم يعملها كَيفَ يكون من أهل النَّار؟ .
قلت: إِذا جزم بعملها وأصر عَلَيْهِ يصير بِهِ عَاصِيا، وَمن يعْص الله وَرَسُوله يدْخلهُ نَارا.

قَوْله: قَالَ حَمَّاد بن زيد هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: قلت لأيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَيُونُس بن عبيد بن دِينَار الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ.
قَوْله: فَقَالَا أَي: أَيُّوب وَيُونُس، إِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث الْحسن عَن الْأَحْنَف بن قيس عَن أبي بكرَة يَعْنِي: أَن عَمْرو بن عبيد أَخطَأ فِي حذف الْأَحْنَف بَين الْحسن وَأبي بكرَة والأحنف بن قيس السَّعْدِيّ التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ واسْمه الضَّحَّاك والأحنف لقبه وَعرف بِهِ، ودعا لَهُ النَّبِي مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ بِالْكُوفَةِ.
.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: الْأَحْنَف بن قيس أدْرك النَّبِي وَلم يره ودعا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَّحَابَة لِأَنَّهُ أسلم على عهد النَّبِي
حدّثنا سُلَيْمانُ حدّثنا حَمَّادٌ بِهاذَا،.

     وَقَالَ  مُؤَمَّلٌ: حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ حدّثنا أيُّوبْ ويُونُسُ وهِشامٌ ومُعَلَّى بنُ زِيادٍ عنِ الحَسَنِ عنِ الأحْنَفِ عَن أبي بَكْرَةَ عنِ النبيِّ سُلَيْمَان هَذَا هُوَ ابْن حَرْب، وحما هُوَ ابْن زيد، وَأَشَارَ بقوله: بِهَذَا إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور الَّذِي رَوَاهُ آنِفا، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْأَحْنَف، ثمَّ قَالَ:.

     وَقَالَ  مُؤَمل، يَعْنِي ابْن هِشَام أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن عَلْقَمَة عَن حَمَّاد بن زيد وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَيُونُس بن عبيد وَهِشَام بن حسان وَمعلى بن زِيَاد ... إِلَى آخِره.

وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا يزِيد بن سِنَان حَدثنَا أَيُّوب وَيُونُس ... إِلَى آخِره.
.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ أَيُّوب وَيُونُس هِشَام وَمعلى عَن الْحسن عَن الْأَحْنَف عَن أبي بكرَة،.

     وَقَالَ : أَبُو خلف عبد الله بن عِيسَى، ومحبوب بن الْحسن عَن مُوسَى عَن الْحسن عَن أبي بكرَة، وَرَوَاهُ قَتَادَة وجسر بن فرقد ومعروف الْأَعْوَر عَن الْحسن عَن أبي بكرَة وَلم يذكرُوا فِيهِ الْأَحْنَف، وَالصَّحِيح حَدِيث أَيُّوب حدث بِهِ عَنهُ حَمَّاد بن زيد.

ورَواهُ مَعْمَرٌ عنْ أيُّوبَ.

أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور معمر عَن أَيُّوب، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن ياسين: حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد والرمادي قَالَا: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق نَا معمر عَن أَيُّوب عَن الْحسن عَن الْأَحْنَف بن قيس عَن أبي بكرَة: سَمِعت رَسُول الله فَذكر الحَدِيث دون الْقِصَّة.

وروَاهُ بَكَّارُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ عنْ أبِيهِ عنْ أبي بَكْرَة.

بكار بن عبد الْعَزِيز رَوَاهُ عَن أَبِيه عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي بكرَة، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لوَلَده بكار فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق خَالِد بن خِدَاش بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالدال الْمُهْملَة وبالشين الْمُعْجَمَة قَالَ: حَدثنَا بكار بن عبد الْعَزِيز بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: سَمِعت النَّبِي أَن فتْنَة كائنة، الْقَاتِل والمقتول فِي النَّار، إِذْ الْمَقْتُول قد أَرَادَ قتل الْقَاتِل.

وَقَالَ غُنْدَرٌ: حدّثنا شُعْبَةُ عنْ منْصُور عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِراشٍ عنْ أبي بَكْرةَ عنِ النبيِّ ولَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيانُ عنْ مَنْصُورٍ
غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وبالراء ابْن حِرَاش لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَإِسْكَان الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة الْأَعْوَر الْغَطَفَانِي التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الإِمَام أَحْمد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهُوَ غنْدر بِهَذَا السَّنَد مَرْفُوعا وَلَفظه: إِذا التقى المسلمان حملا أَحدهمَا على صَاحبه السِّلَاح فهما على حرف جَهَنَّم فَإِذا قتل أَحدهمَا الآخر فهما فِي النَّار.
قَوْله: وَلم يرفعهُ سُفْيَان، أَي: لم يرفع الحَدِيث الْمَذْكُور سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر بالسند الْمَذْكُور، وَوَصله النَّسَائِيّ من رِوَايَة يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بالسند الْمَذْكُور عَن أبي بكرَة، قَالَ: إِذا حمل الرّجلَانِ المسلمان السِّلَاح أَحدهمَا على الآخر فهما فِي النَّار قَالَ الْعلمَاء: معنى كَونهمَا فِي النَّار أَنهم يستحقان ذَلِك وَلَكِن أَمرهمَا إِلَى الله عز وَجل إِن شَاءَ عاقبهما فِي النَّار كَسَائِر الْمُوَحِّدين، وَإِن شَاءَ عَفا عَنْهُمَا فَلم يعاقبهما أصلا، وَقيل: هُوَ مَحْمُول على من اسْتحلَّ ذَلِك.