فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه، دون الإمام الذي فوقه

( بابُُ الحاكِمِ يَحْكُمُ بِالقَتْلِ عَلى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الإِمَام الّذِي فَوْقَهُ)

أَي: هَذَا بابُُ مترجم بقوله: الْحَاكِم ... إِلَى آخِره، فَقَوله: الْحَاكِم مَرْفُوع على الِابْتِدَاء، وَقَوله: يحكم بِالْقَتْلِ خَبره وَلَيْسَ لفظ الْبابُُ مُضَافا إِلَى الْحَاكِم، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبابُُ، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم فِي الْمَجْمُوعَة لَا يُقيم الْحُدُود فِي الْقَتْل وُلَاة الْمِيَاه ليجلب إِلَى الْأَمْصَار، وَلَا يُقَام الْقَتْل بِمصْر كلهَا إلاَّ بالفسطاط، أَو يكْتب إِلَى وَالِي الْفسْطَاط بذلك.
.

     وَقَالَ  أَشهب: من ولاه الْأَمِير وَجعله والياً على بعض الْمِيَاه وَجعل ذَلِك إِلَيْهِ فَليقمْ الْحَد فِي الْقَتْل وَالْقطع وَغير ذَلِك، وَإِن لم يَجعله إِلَيْهِ فَلَا يقيمه.
وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن أَصْحَابنَا الْكُوفِيّين قَالَ: لَا يُقيم الْحُدُود إلاَّ أُمَرَاء الْأَمْصَار وحكامها، وَلَا يقيمها عَامل السوَاد وَنَحْوه.
.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: إِذا كَانَ الْوَالِي عدلا يضع الصَّدَقَة موَاضعهَا فَلهُ عُقُوبَة من غل الصَّدَقَة، وَإِن لم يكن عدلا فَلهُ أَن يعزره.



[ قــ :6773 ... غــ :7155 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ الذُّهْلِيُّ، حدّثنا الأنْصارِيُّ مُحَمَّدٌ، حدّثنا أبي عنْ ثُمامَةَ، عنْ أنَسٍ أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَي النبيِّ بِمَنْزِلَةِ صاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأمِيرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن قيس بن سعد لما قدم رَسُول الله كَانَ فِي تعديته وَينفذ فِي أُمُوره وَيدخل فِي التَّرْجَمَة وَإِن كَانَ لَا يخلي عَن النّظر.

وَمُحَمّد بن خَالِد هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس الذهلي وَقد ذكرنَا غير مرّة عَن الكلاباذي وَغَيره أخرج عَن مُحَمَّد هَذَا فَلم يُصَرح بِهِ فَتَارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد، وَتارَة: مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَتارَة: مُحَمَّد بن خَالِد، فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَقد ذكر السَّبَب فِيهِ، والأنصاري هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَوَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: حَدثنَا الْأنْصَارِيّ مُحَمَّد، فَقدم النِّسْبَة على الِاسْم وَلم يسم أَبَاهُ، وَأَبوهُ عبد الله بن الْمثنى عَن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم هُوَ عَم أَبِيه وَهُوَ ابْن عبد الله بن أنس بن مَالك، وَقد أخرج البُخَارِيّ عَن الْأنْصَارِيّ بِلَا وَاسِطَة عدَّة أَحَادِيث فِي الزَّكَاة وَالْقصاص وَغَيرهمَا، وروى عَنهُ بِوَاسِطَة فِي عدَّة مَوَاضِع فِي الاسْتِسْقَاء وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي شُهُود الْمَلَائِكَة بَدْرًا وَغَيرهَا.

قَوْله: أَن قيس بن سعد زَاد فِي رِوَايَة الْمروزِي: ابْن عبَادَة وَهُوَ الْأنْصَارِيّ الخزرجي الَّذِي كَانَ وَالِده رَئِيس الْخَزْرَج.
قَوْله: كَانَ يكون بَين يَدي النَّبِي.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: فَائِدَة تكْرَار الْكَوْن بَيَان الِاسْتِمْرَار والدوام،.

     وَقَالَ  بَعضهم بعد أَن نقل هَذَا الْكَلَام عَن الْكرْمَانِي: قد وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان والإسماعيلي وَأبي نعيم وَغَيرهم من طرق عَن الْأنْصَارِيّ بِلَفْظ: كَانَ قيس بن سعد بَين يَدي النَّبِي قَالَ: فَظهر أَن ذَلِك من تصرف الروَاة.
انْتهى.
قلت: غَرَضه الغمز على الْكرْمَانِي لِأَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي أولى وَأحسن من نِسْبَة هَذَا إِلَى تصرف الروَاة، وَلَيْسَ للرواة إلاَّ نقل مَا حفظوه من الْأَحَادِيث، وَلَيْسَ لَهُم أَن يتصرفوا فِيهَا من عِنْد أنفسهم، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَمن ذكر مَعَه بِلَفْظ: كَانَ قيس بن سعد، لَا يسْتَلْزم نفي رِوَايَة: كَانَ يكون، وكل مِنْهُم لَا يروي إِلَّا مَا حفظه.
قَوْله: صَاحب الشَّرْط بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء جمع شرطة وهم أول الْجَيْش سموا بذلك لأَنهم أعلمُوا أنفسهم بعلامات والأشراط الْأَعْلَام، وَصَاحب الشَّرْط مَعْنَاهُ العلامات يعرف بهَا، الْوَاحِد شرطة وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا شرطي بِضَمَّتَيْنِ، وَقد تفتح الرَّاء.
وَقيل: المُرَاد بِصَاحِب الشرطة كَبِيرهمْ،.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِي: شرطة كل شَيْء خِيَاره، وَمِنْه الشرطة لأَنهم نخبة الْجند.
وَقيل: سموا بذلك لأَنهم أعدُّوا أنفسهم لذَلِك، يُقَال: أشرط فلَان نَفسه لأمر كَذَا إِذا أعدهَا، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَقيل: مَأْخُوذ من الشريط وَهُوَ الْحَبل المبرم لما فيهم من الشدَّة.

وَفِي الحَدِيث: تَشْبِيه مَا مضى بِمَا حدث بعده، لِأَن صَاحب الشرطة لم يكن مَوْجُودا فِي الْعَهْد النَّبَوِيّ عِنْد أحد من الْعمَّال، وَإِنَّمَا حدث فِي دولة بني أُميَّة، فَأَرَادَ أنس بن مَالك تقريب حَال قيس بن سعد عِنْد السامعين فشبهه بِمَا يعهدونه.





[ قــ :6774 ... غــ :7156 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى عنْ قُرَّةَ، حدّثني حُمَيْدُ بنُ هِلال، حدّثنا أبُو بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَهُ وأتْبَعَهُ بِمُعاذٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا الحَدِيث قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي أخرجه مطولا فِي كتاب استتبابُة الْمُرْتَدين بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن قُرَّة بن خَالِد السدُوسِي عَن حميد بن هِلَال عَن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة عَامر أَو الْحَارِث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس، وَفِيه: قتل معَاذ الْمُرْتَد دون أَن يرفع أمره إِلَى رَسُول الله وَبِه احْتج من رأى أَن للْحَاكِم والوالي إِقَامَة الْحُدُود دون الإِمَام الَّذِي فَوْقه.

قَوْله: بَعثه أَي: أرْسلهُ إِلَى الْيمن قاضيه ثمَّ أتبعه بمعاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :6775 ... غــ :7157 ]
- حدّثني عَبْدُ الله بنُ الصَّبَّاحِ، حدّثنا مَحْبُوبُ بنُ الحَسَنِ، حدّثنا خالِد، عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى أنَّ رَجُلاً أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فأتَى مُعاذُ بن جَبَلٍ وهْو عِنْدَ أبي مُوسَى، فَقَالَ: مَا لِهاذَا؟ قَالَ: أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: لَا أجْلِسُ حتَّى أقْتُلَهُ، قَضاءَ الله ورسولِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق على أَنه أَيْضا أخرجه من طَرِيق آخر عَن عبد الله بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة العطاردي الْبَصْرِيّ عَن مَحْبُوب ضد المبغوض ابْن الْحسن الْقرشِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: اسْمه مُحَمَّد ومحبوب لقب لَهُ وَهُوَ بِهِ أشهر، وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَهُوَ فِي حكم الْمُتَابَعَة لِأَنَّهُ قد تقدم فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين من وَجه آخر: عَن حميد بن هِلَال، وخَالِد الَّذِي روى عَنهُ مَحْبُوب هُوَ الْحذاء.