فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا

( بابُُ مَنْ لَمْ يَكْثَرتْ بِطَعْنِ مَنْ لَا يَعْلَمُ فِي الأُمَرَاءِ حَدِيثاً)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر من لم يكترث أَي: لم يبال وَلم يلْتَفت، وَأَصله من الكرث بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة يُقَال: مَا اكترثت أَي: مَا أُبَالِي، وَلَا يسْتَعْمل إلاَّ فِي النَّفْي، واستعماله فِي الْإِثْبَات شَاذ.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: معنى هَذِه التَّرْجَمَة أَن الطاعن إِذا لم يعلم حَال المطعون عَلَيْهِ فَرَمَاهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَا يعبأ بذلك الطعْن وَلَا يعْمل بِهِ.
قَوْله: بطعن من لَا يعلم إِشَارَة إِلَى أَن من طعن فَعلم أَنه يعْمل بِهِ فَلَو طعن بِأَمْر مُحْتَمل كَانَ ذَلِك رَاجعا إِلَى رَأْي الإِمَام.



[ قــ :6802 ... غــ :7187 ]
- حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ، حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: بَعَثَ رسولُ الله بَعْثاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ فَطُعِنَ فِي إمارَتِهِ،.

     وَقَالَ : إنْ تَطْعُنُوا فِي إمارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمارَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وايْمُ الله إنْ كانَ لخَلِيقاً للإمْرَةِ، وإنْ كانَ لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنْ هاذا لَمِنْ أحَبَّ النَّاسِ إليَّ بَعْدَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الْمَغَازِي فِي: بابُُ بعث النَّبِي أُسَامَة بن زيد فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: بعثاً أَي: جَيْشًا قَوْله: وَأمر بتَشْديد الْمِيم أَي: جعله أَمِيرا على الْجَيْش.
قَوْله: فطعن على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: فِي إمارته بِكَسْر الْهمزَة.
قَوْله: أَن تطعنوا فِي إمارته أَي: فِي إِمَارَة أُسَامَة قَوْله: فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه أَي أبي أُسَامَة وَهُوَ زيد.
قَوْله: من قبله وَذَلِكَ أَنهم طعنوا فِي إِمَارَة زيد من قبل طعن أُسَامَة، وَكَانَ رَسُول الله بعث أُسَامَة إِلَى الحرقات من جُهَيْنَة وَبَعثه أَمِيرا فِي غَزْوَة مُؤْتَة فاستشهد هُنَاكَ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قَالَت النُّحَاة: الشَّرْط سَبَب للجزاء مُتَقَدم عَلَيْهِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِك، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يؤول مثله بالإخبار عِنْدهم، أَي: إِن طعنتم فِيهِ فأخبركم بأنكم طعنتم من قبل فِي أَبِيه، ويلازمه عِنْد البيانيين أَي: إِن طعنتم فِيهِ تأثمتم بذلك لِأَنَّهُ لم يكن حَقًا، وَالْغَرَض أَنه كَانَ خليقاً بالإمارة، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَايْم الله ... إِلَى آخِره، وَلَفظ: ايم الله، من أَلْفَاظ الْقسم كَقَوْلِك: وَالله، وفيهَا لُغَات كَثِيرَة، وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزَة وصل، وَقد تقطع، وَأهل الْكُوفَة من النُّحَاة يَزْعمُونَ أَنَّهَا جمع يَمِين، وَغَيرهم يَقُول: هُوَ اسْم مَوْضُوع للقسم.
قَوْله: إِن كَانَ لَفظه: إِن، مُخَفّفَة من المثقلة أَصله، إِنَّه كَانَ، أَي: إِن زيد بن أُسَامَة كَانَ لخليقاً أَي لائقاً للإمرة ومستحقاً لَهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: للإمارة.
قَوْله: وَإِن كَانَ أَي: وَإنَّهُ كَانَ لمن أحب النَّاس إليّ بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: وَإِن هَذَا أَي: وَإِن زيدا هَذَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ لمن أحب النَّاس إليّ بعده أَي: بعد أُسَامَة.
فَإِن قلت: قد طعن على أُسَامَة وَأَبِيهِ مَا لَيْسَ فيهمَا وَلم يعْزل الشَّارِع وَاحِدًا مِنْهُمَا، بل بيَّن فضلهما، وَلم يعْتَبر عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِهَذَا القَوْل فِي سعد وعزله حِين قذفه أهل الْكُوفَة بِمَا هُوَ بَرِيء مِنْهُ.
قلت: عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يعلم من مغيب أَمر سعد مَا علمه الشَّارِع من أَمر زيد وَأُسَامَة، وَإِنَّمَا قَالَ عمر لسعد حِين ذكر أَن صلَاته تشبه صَلَاة رَسُول الله ذَلِك الظَّن بك، وَلم يقطع على ذَلِك كَمَا قطع رَسُول الله فِي أَمر زيد: إِنَّه خليق للإمارة، وَقيل: الطاعنون فيهمَا من استصغار سنهما على من قدما عَلَيْهِ من مشيخة الصَّحَابَة، وَقيل: هم المُنَافِقُونَ الَّذِي كَانُوا يطعنون على رَسُول الله ويقبحون آراءه.