فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب بطانة الإمام وأهل مشورته "

( بابُُ بِطانَةِ الإمامِ وأهْلِ مَشُورَتِهِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان بطانة الإِمَام، وَيَجِيء تَفْسِير البطانة الْآن.
قَوْله: وَأهل مشورته من عطف الْخَاص على الْعَام، والمشورة بِفَتْح الْمِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَفتح الرَّاء وَهُوَ اسْم من: شاورت فلَانا فِي كَذَا، وَتَشَاوَرُوا واستشوروا، والشورى التشاور،.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي: المشورة الشورى، وَكَذَا المشورة بِضَم الشين، تَقول مِنْهُ: شاورته فِي الْأَمر واستشرته بِمَعْنى.
انْتهى.
قلت: قد يُنكر سُكُون الشين فِيهِ.
وَهَذَا كَلَام الْجَوْهَرِي يدل على صِحَّته، وَحَاصِل معنى شاورته: عرضت عَلَيْهِ أَمْرِي حَتَّى يدلني على الصَّوَاب مِنْهُ.

البِطانَةُ: الدُّخَلاءُ.

البطانة بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة الصاحب الوليجة والدخيل والمطلع على السريرة، وَفَسرهُ البُخَارِيّ بقوله: الدخلاء، وَهُوَ جمع دخيل وَهُوَ الَّذِي يدْخل على الرئيس فِي مَكَان خلوته ويفضي إِلَيْهِ بسره ويصدقه فِيمَا يخبر بِهِ مِمَّا يخفى عَلَيْهِ من أَمر رَعيته وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ.



[ قــ :6811 ... غــ :7198 ]
- حدّثنا أصْبَغُ، أخبرنَا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبرنِي يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عنِ النَّبيِّ قَالَ: مَا بَعَثَ الله مِنْ نَبِيَ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إلاّ كانَتْ لهُ بِطانَتانِ: بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطانَةٌ تَأمُرُه بِالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى
انْظُر الحَدِيث 6611
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأصبغ هُوَ ابْن الْفرج الْمصْرِيّ، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك.

والْحَدِيث مضى فِي الْقدر عَن عَبْدَانِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن عبد الله بن وهب بِهِ.
قَوْله: مَا بعث الله من نَبِي وَلَا اسْتخْلف من خَليفَة وَفِي رِوَايَة صَفْوَان بن سليم: مَا بعث الله من نَبِي وَلَا بعده من خَليفَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ وَمُعَاوِيَة بن سَلام: مَا من والٍ، وَهُوَ أَعم.
قَوْله: بِالْمَعْرُوفِ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بِالْخَيرِ.
قَوْله: وتحضه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة أَي: يرغبه فِيهِ ويدله عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: هَذَا التَّقْسِيم مُشكل فِي حق النَّبِي قلت: فِي بَقِيَّة الحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى سَلامَة النَّبِي من بطانة الشَّرّ بقوله: والمعصوم من عصم الله وَهُوَ مَعْصُوم لَا شكّ فِيهِ.
وَلَا يلْزم من وجود من يُشِير على النَّبِي بِالشَّرِّ أَن يقبل مِنْهُ.
وَقيل: المُرَاد بالبطانتين فِي حق النَّبِي الْملك والشيطان، وشيطانه قد أسلم فَلَا يَأْمُرهُ إلاَّ بِخَير.
قَوْله: والمعصوم من عصم الله أَي: من عصمه الله، وَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَة.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: أَي لكل نَبِي وَخَلِيفَة جلساء صَالِحَة وجلساء طالحة، والمعصوم من عصمه الله من الطالحة، أَو لكل مِنْهُمَا نفس أَمارَة بالسوء وَنَفس لوامة، والمعصوم من أعطَاهُ الله نفسا مطمئنة، أَو لكل قُوَّة ملكية وَقُوَّة حيوانية والمعصوم من رجح الله لَهُ جَانب الملكية، قَالَ الْمُهلب: غَرَضه إِثْبَات الْأُمُور لله تَعَالَى، فَهُوَ الَّذِي يعْصم من نزغات الشَّيَاطِين والمعصوم من عصمه الله لَا من عصم نَفسه.

وَقَالَ سُلَيْمانُ عنْ يَحْياى: أَخْبرنِي ابنُ شِهابٍ بِهاذا.

سُلَيْمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: بِهَذَا، أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، قَالَ: قَالَ يحيى بن سعيد: أَخْبرنِي ابْن شهَاب ... فَذكره.

وَعَن ابْن أبي عَتِيقٍ ومُوساى عنِ ابنِ شهَاب، مِثْلَهُ.

هَذَا عطف على يحيى بن سعيد، وَابْن أبي عَتيق هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصّديق، ومُوسَى هُوَ ابْن عقبَة وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي بكر بن أبي أويس عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن مُحَمَّد بن أبي عَتيق ومُوسَى بن عقبَة بِهِ.
قَوْله: مثله، أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَالْفرق بَينهمَا أَي: بَين قَوْله: بِهَذَا، وَبَين قَوْله: مثله، أَن الْمَرْوِيّ فِي الطَّرِيق الأول هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور بِعَيْنِه، وَفِي الثَّانِي هُوَ مثله.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَا يظْهر بَين هذَيْن فرق.
قلت: كَيفَ يَنْفِي الْفرق وَمثل الشَّيْء غير عينه.

وَقَالَ شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ: حدّثني أَبُو سَلَمَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ قَوْلَهُ.

شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي يَعْنِي: روى شُعَيْب عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
قَوْله: يَعْنِي لم يرفعهُ بل جعله من كَلَام أبي سعيد، وانتصاب: قَوْله، بِنَزْع الْخَافِض أَي: من قَوْله.
قيل: هَذِه الرِّوَايَة الْمَوْقُوفَة وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات
وَقَالَ الأوْزاعِيُّ ومُعاوِيَةُ بنُ سَلامٍ: حدّثني الزُّهْرِيُّ حدّثني أبُو سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
الْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَمُعَاوِيَة بن سَلام بتَشْديد اللَّام الدِّمَشْقِي أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الْأَوْزَاعِيّ وَمُعَاوِيَة خالفا من تقدم فَجعلَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة بدل أبي سعيد، وخالفا شعيباً أَيْضا فَإِن شعيباً وَقفه وهما رَفَعَاهُ، فرواية الْأَوْزَاعِيّ وَصلهَا أَحْمد من رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ، وَرِوَايَة مُعَاوِيَة بن سَلام وَصلهَا النَّسَائِيّ من رِوَايَة معمر بِالتَّشْدِيدِ بن يعمر بِفَتْح الْبَاء وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن سَلام حَدثنَا الزُّهْرِيّ حَدثنِي أَبُو سَلمَة أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ ... فَذكره.

وَقَالَ ابنُ أبي حُسَيْنٍ وسَعيدُ بنُ أبي زِيادٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي سَعيدٍ قَوْلَهُ.

ابْن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْمَكِّيّ، وَسَعِيد بن أبي زِيَادَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي من صغَار التَّابِعين روى عَن جَابر وَحَدِيثه عَنهُ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَمَاله راوٍ إلاَّ سعيد بن أبي هِلَال، وَقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَجْهُول، وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع.

وَقَالَ عُبَيْدُ الله بنُ أبي جَعْفَرٍ: حدّثني صَفْوَانُ عنْ أبي سَلمَةَ عنْ أبي أيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ
عبيد الله بن أبي جَعْفَر اسْمه يسَار ضد الْيَمين الْمصْرِيّ من التَّابِعين الصغار، وَصَفوَان هُوَ ابْن سليم بِالضَّمِّ مولى آل عَوْف، وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ اسْمه خَالِد بن زيد، وَوصل هَذَا الطَّرِيق النَّسَائِيّ من طَرِيق اللَّيْث عَن عبيد الله بن جَعْفَر عَن صَفْوَان عَن أبي سَلمَة عَن أبي أَيُّوب، قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مَرْفُوع من ثَلَاثَة أنفس من الصَّحَابَة.
قلت: هم أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو أَيُّوب.