فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاستخلاف

( بابُُ الاسْتِخْلافِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الِاسْتِخْلَاف، أَي: تعْيين الْخَلِيفَة عِنْد مَوته خَليفَة بعده، أَو تعْيين جمَاعَة ليختاروا وَاحِدًا مِنْهُم.



[ قــ :6829 ... غــ :7217 ]
- حدّثنا يَحْياى بنُ يَحْياى، أخبرنَا سُلَيْمانُ بنُ بِلاَلٍ، عنْ يَحْياى بنِ سَعيد سَمِعْتُ القاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قالَتْ عائِشَةُ، رَضِي الله عَنْهَا: وارأساهْ.
فَقَالَ رسولُ الله ذاكِ لَوْ كانَ وَأَنا حَيٌّ، فأسْتَغْفِرُ لَكِ وأدْعُو لَكِ فَقالَتْ عائِشَةُ واثُكْلِياهْ وَالله إنِّي لأظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، ولَوْ كانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّساً بِبَعْضِ أزْواجِكَ.
فَقَالَ النبيُّ بَلْ أَنا وارأساهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أوْ أرَدْتُ أنْ أرسِلَ إِلَى أبي بَكْر وابْنِهِ فأعْهَدَ أنْ يَقُولَ القائِلُونَ أوْ يَتَمَنَّى المُتَمَنُّونَ ثُمَّ.

قُلْتُ يأبَى الله ويَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ أوْ يَدْفَعُ الله ويأْبَى المُؤْمِنُونَ.

انْظُر الحَدِيث 5666
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لقد هَمَمْت أَو أردْت أَن أرسل إِلَى أبي بكر وَابْنه فأعهد إِلَى آخِره.
قَالَ الْمُهلب: فِيهِ دَلِيل قَاطع على خلَافَة الصّديق، وَهَذَا مِمَّا وعد بِهِ لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَ كَمَا وعد، وَذَلِكَ من أَعْلَام نبوته.

وَشَيخ البُخَارِيّ يحيى بن يحيى بن أبي بكر وَأَبُو زَكَرِيَّا التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا.
وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ.

قَوْله: وارأساه هُوَ قَول المتفجع على الرَّأْس من الصداع وَنَحْوه.
قَوْله: لَو كَانَ ذَاك أَي: موتك، والسياق يدل عَلَيْهِ.
وَالْوَاو فِي: وَأَنا حَيّ للْحَال.
قَوْله: واثكلياه أَي: وافقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا، وَهَذَا كَلَام كَانَ يجْرِي على لسانهم عِنْد إِصَابَة مُصِيبَة أَو خوف مَكْرُوه وَنَحْو ذَلِك، ويروى، واثكلتاه، بِزِيَادَة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق فِي آخِره، ويروى أَيْضا بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر اللَّام، ويروى: واثكلاه بِلَفْظ الصّفة، قَوْله: لظللت بِالْكَسْرِ أَي: دَنَوْت وَقربت فِي آخر يَوْمك حَال كونك معرساً وَيُقَال: أظللت أَمر واظلك شهر كَذَا، أَي: دنا مِنْك وأظلك فلَان إِذا دنا مِنْك كَأَنَّهُ ألْقى عَلَيْك ظله، ومعرساً: بِكَسْر الرَّاء من أعرس بأَهْله إِذا بنى بهَا، وَيُقَال أعرس الرجل فَهُوَ معرس إِذا دخل بامرأته عِنْد بنائِهِ بهَا.
قَوْله: بل أَنا وارأساه هَذَا إضراب عَن كَلَام عَائِشَة أَي: أضْرب أَنا عَن حِكَايَة وجع رَأسك واشتغل بوجع رَأْسِي إِذْ لَا بَأْس بك وَأَنت تعيشين بعدِي، عرفه بِالْوَحْي.
قَوْله: أَو أردْت شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: إِلَى أبي بكر وَابْنه قيل: مَا فَائِدَة ذكر الابْن إِذْ لم يكن لَهُ دخل فِي الْخلَافَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْمقَام مقَام استمالة قلب عَائِشَة، يَعْنِي: كَمَا أَن الْأَمر مفوض إِلَى والدك كَذَلِك الائتمار فِي ذَلِك بِحُضُور أَخِيك فأقاربك هم أهل أَمْرِي وَأهل مشورتي أَو لما أَرَادَ تَفْوِيض الْأَمر إِلَيْهِ بحضورها أَرَادَ إِحْضَار بعض مَحَارمه حَتَّى لَو احْتَاجَ إِلَى رِسَالَة إِلَى أحد أَو قَضَاء حَاجَة لتصدى لذَلِك، ويروى: أَو آتيه، من الْإِتْيَان، قَالَه فِي الْمطَالع قيل: إِنَّه هُوَ الصَّوَاب.
قَوْله: فأعهد أَي: أوصى بالخلافة.
قَوْله: أَن يَقُول أَي: كَرَاهَة أَن يَقُول الْقَائِلُونَ الْخلَافَة لي: أَو لفُلَان.
قَوْله: أَو يتَمَنَّى المتنون أَي: أَو مَخَافَة أَن يتَمَنَّى أحد ذَلِك أَي: أعينه قطعا للنزاع والأطماع.
قَوْله: يَأْبَى الله أَي: يَأْبَى الله الْخلَافَة لغير أبي بكر وَيدْفَع الْمُؤْمِنُونَ أَيْضا غَيره.
قَوْله: أَو يدْفع الله ويأبى الْمُؤْمِنُونَ شكّ من الرَّاوِي، وَفِي مُسلم: يَأْبَى الله وَيدْفَع الْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :6830 ... غــ :718 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفُ، أخبرنَا سُفْيانُ، عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: ألاَ تَسْتَخْلِف؟ قَالَ: إنْ اسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أبُو بَكْرٍ، وإنْ أتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رسولُ الله فأثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ راغِبٌ وراهِبٌ ودِدتُ أنِّي نَجَوْتُ مِنْها كَفافاً لَا لِي وَلَا عَليَّ لَا أتَحَمَّلُها حَيّاً وَلَا مَيِّتاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

قَوْله: أَلا تسْتَخْلف أَلا، كلمة تَنْبِيه وتحضيض أَي: أَلا تجْعَل خَليفَة بعْدك؟ وَفِي مُسلم عَن ابْن عمر: حضرت أبي حِين أُصِيب، قَالُوا: اسْتخْلف.
قَوْله: فقد ترك أَي: التَّصْرِيح بالشخص الْمعِين، وَعقد الْأَمر لَهُ.
قَوْله: فَأَثْنوا عَلَيْهِ أَي: أثنت الصَّحَابَة الْحَاضِرُونَ على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: فَقَالَ أَي: عمر رَاغِب وراهب أَي: رَاغِب فِي الثَّنَاء فِي حسن رَأْيِي، رَاهِب من إِظْهَار مَا بِنَفسِهِ من الْكَرَاهَة.
وَقيل: رَاغِب فِي الْخلَافَة رَاهِب مِنْهَا.
فَإِن وليت الرَّاغِب خشيت أَن لَا يعان عَلَيْهَا، وَإِن وليت الراهب خشيت أَن لَا يقوم بهَا، وَلِهَذَا توَسط حَاله بَين الْحَالَتَيْنِ جعلهَا لأحد من الطَّائِفَة السِّتَّة وَلم يَجْعَلهَا لوَاحِد معِين مِنْهُم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يُرَاد أَنِّي رَاغِب فِيمَا عِنْد الله رَاهِب من عَذَابه، وَلَا أعول على نياتكم.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الْخلَافَة تحصل بِنَصّ الإِمَام السَّابِق.
قَوْله: كفافاً أَي: يكف عني وأكف عَنْهَا، أَي: رَأْسا بِرَأْس لَا لي وَلَا عَليّ.
قَوْله: لَا أتحملها أَي: الْخلَافَة حَيا وَلَا مَيتا أَي: فَلَا أجمع فِي تحملهَا بَينهمَا فَلَا أعين شخصا بِعَيْنِه.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَغَيره أَجمعُوا على انْعِقَاد الْخلَافَة بالاستخلاف، وعَلى انْعِقَادهَا بِعقد أهل الْحل وَالْعقد لإِنْسَان حَيْثُ لَا يكون هُنَاكَ اسْتِخْلَاف غَيره، وعَلى جَوَاز جعل الْخَلِيفَة الْأَمر شُورَى بَين عدد مَحْصُور أَو غَيره، وَأَجْمعُوا على أَنه يجب نصب خَليفَة، وعَلى أَن وُجُوبه بِالشَّرْعِ لَا بِالْعقلِ،.

     وَقَالَ  الْأَصَم وَبَعض الْخَوَارِج: لَا يجب نصب الْخَلِيفَة،.

     وَقَالَ  بعض الْمُعْتَزلَة: يجب بِالْعقلِ لَا بِالشَّرْعِ.


حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى، أخبرنَا هِشامٌ، عنْ مَعْمَرٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي أنَسُ بن مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ سَمِعَ خُطْبةَ عُمَرَ الأخِيرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلى المِنْبَرِ، وذالِكَ الغَدَ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ النبيُّ فَتَشَهَّدَ وأبُو بَكْرٍ صامِتٌ لَا يَتكَلَّمُ، قَالَ: كنْتُ أرْجُو أنْ يَعِيشَ رسولُ الله حتَّى يَدْبُرَنا يُرِيدُ بِذَلِكَ أنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ فإنْ يَكُ مُحَمَّدٌ قَدْ ماتَ فإنَّ الله تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ نُوراً تَهْتَدُونَ بِهِ، بِمَا هَداى الله مُحَمَّداً وإنَّ أَبَا بَكْرٍ صاحِبُ رسولِ الله ثانِي اثْنَيْنِ، فإنَّهُ أوْلَى المُسْلِمِينَ بِأمُوُرِكُمْ فَقُومُوا فَبايِعُوهُ، وكانَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بايَعُوهُ قَبْلَ ذالِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، وكانَتْ بَيْعةُ العامَّةِ عَلى المِنْبَرِ.

قَالَ الزُّهْرِيُّ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأبي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ المَنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حتَّى صَعِدَ المِنْبَرَ فبايَعَهُ النَّاسُ عامَّةً.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فَإِنَّهُ أولى الْمُسلمين بأموركم
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد.

قَوْله: الْأَخِيرَة مَنْصُوب على أَنه صفة الْخطْبَة وَأما الْخطْبَة الأولى فَهِيَ الَّتِي خطب بهَا يَوْم الْوَفَاة،.

     وَقَالَ : إِن مُحَمَّدًا لم يمت وَإنَّهُ سيرجع، وَهِي كالاعتذار من الأولى.
قَوْله: وَذَلِكَ الْغَد مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة أَي: إِتْيَانه بِالْخطْبَةِ فِي الْغَد من يَوْم توفّي النَّبِي قَوْله: وَأَبُو بكر الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: صَامت أَي: سَاكِت.
قَوْله: كنت أَرْجُو أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: حَتَّى يدبرنا بِضَم الْيَاء الْمُوَحدَة أَي: يَمُوت بَعدنَا ويخلفنا يُقَال: دبرني فلَان خلفني، وَقد فسره فِي الحَدِيث بقوله: يُرِيد بذلك أَن يكون آخِرهم وَوَقع فِي رِوَايَة عقيل: وَلَكِن رَجَوْت أَن يعِيش رَسُول الله حَتَّى يدبر أمرنَا، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة من التَّدْبِير.
قَوْله: فَإِن يَك مُحَمَّد من كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: نورا أَي: قُرْآنًا، وَوَقع بَيَانه فِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي أَوَائِل الِاعْتِصَام بِلَفْظ: وَهَذَا الْكتاب الَّذِي هدى الله بِهِ رَسُوله فَخُذُوا بِهِ تهتدوا فَإِنَّمَا يهدي الله مُحَمَّدًا بِهِ.
قَوْله: صَاحب رَسُول الله قَالَ ابْن التِّين: قدم الصُّحْبَة لشرفها، وَلما كَانَ غَيره قد شَاركهُ فِيهَا عطف عَلَيْهِ مَا انْفَرد بِهِ أَبُو بكر وَهُوَ كَونه ثَانِي اثْنَيْنِ وَهُوَ أعظم فضائله الَّتِي اسْتحق بهَا أَن يكون خَليفَة من بعد النَّبِي وَلذَلِك قَالَ: فَإِنَّهُ أولى النَّاس بأموركم قَوْله: فَقومُوا من كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا يُخَاطب بِهِ الْحَاضِرين من الصَّحَابَة.
قَوْله: فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة السَّقِيفَة الساباط والطاق كَانَت مَكَان اجْتِمَاعهم للحكومات، وَبَنُو سَاعِدَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج.
قَالَ ابْن دُرَيْد: سَاعِدَة، اسْم من أَسمَاء الْأسد.
قَوْله: وَكَانَت بيعَة الْعَامَّة على الْمِنْبَر أَي: فِي الْيَوْم الْمَذْكُور.

قَوْله: قَالَ الزُّهْرِيّ عَن أنس مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
قَوْله: صعد الْمِنْبَر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى أصعده.
قَوْله: فَبَايعهُ النَّاس عَامَّة أَرَادَ أَن الْبيعَة الثَّانِيَة كَانَت أَعم وَأشهر من الْبيعَة الَّتِي وَقعت فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة.





[ قــ :683 ... غــ :70 ]
- حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا إبْرَاهِيمَ بنُ سَعْدٍ، عنْ أبِيهِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرٍ بن مُطْعِمٍ عنْ أبيهِ، قَالَ: أتَتِ النبيَّ امْرأةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ، فأمَرَها أنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ، قالَتْ: يَا رَسُول الله أرَأيْتَ إنْ جِئْتُ ولَمْ أجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تُرِيدُ المَوْتَ.
قَالَ: إنْ لَم تَجِدينِي فأتِي أَبَا بَكْرٍ.

انْظُر الحَدِيث 3659 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث.
فَإِنَّهُ مشْعر بِأَن أَبَا بكر هُوَ الْخَلِيفَة بعده.

وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمُحَمّد بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة يروي عَن أَبِيه جُبَير بن مطعم بن عدي بن نَوْفَل الْقرشِي النَّوْفَلِي.

والْحَدِيث مضى فِي فضل أبي بكر عَن الْحميدِي، وَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام عَن عبيد الله بن سعد، والْحَدِيث من أبين الدَّلَائِل على خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.





[ قــ :6833 ... غــ :71 ]
- حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ سُفْيانَ، حدّثني قَيْسُ بنُ مُسْلِمٍ، عنْ طارِقِ بنِ شِهابٍ، عَن أبي بَكْرٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لِوَفْدِ بُزاخَةَ: تَتْبَعُونَ أذْنابَ الْإِبِل حتَّى يُرِيَ الله خَليفَةَ نَبِيِّهِ والمُهاجِرِين أمْراً يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: حَتَّى يرى الله خَليفَة نبيه إِلَى آخِره.

وَيحيى هُوَ الْقطَّان وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده وَلكنه أخرجه مُخْتَصرا.

قَوْله: لوفد بزاخة الْوَفْد بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْفَاء هم الْقَوْم يَجْتَمعُونَ ويردون الْبِلَاد واحدهم وَافد، وَكَذَلِكَ الَّذين يقصدون الْأُمَرَاء لزيارة واسترفاد وانتجاع وَغير ذَلِك، وبزاخة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الزَّاي وبالخاء الْمُعْجَمَة مَوضِع بِالْبَحْرَيْنِ أَو مَاء لبني أَسد وغَطَفَان كَانَ فِيهَا حَرْب للْمُسلمين فِي أَيَّام الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ووفد بزاخة ارْتَدُّوا ثمَّ تَابُوا وَأَرْسلُوا وفدهم إِلَى الصّديق يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، فَأحب أَبُو بكر أَن لَا يقْضِي فيهم إلاَّ بعد الْمُشَاورَة فِي أَمرهم، فَقَالَ لَهُم: ارْجعُوا وَاتبعُوا أَذْنَاب الْإِبِل فِي الصحارى حَتَّى يري الله خَليفَة نبيه إِلَى آخِره، وَذكر يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ قَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن سعد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: قدم وَفد أهل بزاخة وهم من طيىء يسألونه الصُّلْح، فَقَالَ أَبُو بكر: اخْتَارُوا إِمَّا الْحَرْب المجلية وَإِمَّا السّلم المخزية، فَقَالُوا: قد عرفنَا الْحَرْب فَمَا السّلم المخزية؟ قَالَ: ينْزع مِنْكُم الكراع وَالْحَلقَة وتدون قَتْلَانَا، وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار، ويغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم وتردون إِلَيْنَا مَا أصبْتُم منا وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يرى الله خَليفَة نبيه والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ، فَخَطب أَبُو بكر النَّاس فَذكر مَا قَالَ وَقَالُوا، فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قد رَأَيْت وسنشير عَلَيْك، أما مَا ذكرت من أَن ينْزع مِنْهُم الكراع وَالْحَلقَة فَنعم مَا رَأَيْت، وَأما ذكرت من أَن تدون قَتْلَانَا وَيكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار فَإِن قَتْلَانَا قَاتَلت على أَمر الله وأجورها على الله فَلَيْسَ لَهَا ديات، فتتابع النَّاس على قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: الكراع اسْم لجَمِيع الْخَيل، وَالْحَلقَة بِسُكُون اللَّام السِّلَاح عَاما.
قيل: هِيَ الدروع خَاصَّة.
قَوْله من أَن تدوا بِالدَّال الْمُهْملَة أَي: تعطوا الدِّيَة.
<

( بابٌُ)

أَي هَذَا بابُُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْجَمَة، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَنه كالفصل لما قبله وَلَيْسَ لفظ بابُُ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني والسرخسي.



[ قــ :6834 ... غــ :7 ]
- حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَبْدِ المَلِكِ سَمِعْتُ جابرَ بن سَمرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ يَكُونُ اثْنا عَشَرَ أمِيراً فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أسْمَعْها، فَقَالَ أبي: إنّهُ قَالَ: كُلهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ
مطابقته لما قبله ظَاهِرَة.
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: لَا يزَال هَذَا الدّين عَزِيزًا إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: لم ألق أحدا يقطع فِي هَذَا الحَدِيث بِمَعْنى، فقوم يَقُولُونَ: يكون اثْنَا عشر أَمِيرا بعد الْخلَافَة الْمَعْلُومَة مرضيين، وَقوم يَقُولُونَ: يكونُونَ متواليين إمارتهم، وَقوم يَقُولُونَ: يكونُونَ فِي زمن وَاحِد كلهم من قُرَيْش يَدعِي الْإِمَارَة، فَالَّذِي يغلب عَلَيْهِ الظَّن أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يخبر بأعاجيب مَا يكون بعده من الْفِتَن حَتَّى يفْتَرق النَّاس فِي وَقت وَاحِد على اثْنَي عشر أَمِيرا وَمَا زَاد على الاثْنَي عشر فَهُوَ زِيَادَة فِي التَّعَجُّب، كَأَنَّهُ أنذر بِشَرْط من الشُّرُوط وَبَعضه يَقع، وَلَو أَرَادَ، غير هَذَا لقَالَ يكون اثْنَا عشر أَمِيرا يَفْعَلُونَ كَذَا ويصنعون كَذَا، فَلَمَّا أعراهم من الْخَبَر علمنَا أَنه أَرَادَ أَن يخبر بكونهم فِي زمن وَاحِد.

قيل: هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق غير الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ مختصرة.
وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أَبِيه عَن جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ: لَا يزَال هَذَا الدّين قَائِما حَتَّى يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة كلهم تَجْتَمِع عَلَيْهِ الْأمة.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن الْأسود بن سعيد عَن جَابر بن سَمُرَة بِلَفْظ: لَا يضرهم عَدَاوَة من عاداهم.

وَقيل: فِي هَذَا الْعدَد سؤالان.
أَحدهمَا: أَنه يُعَارضهُ ظَاهر قَوْله فِي حَدِيث سفينة الَّذِي أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَصَححهُ ابْن حبَان وَغَيره: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تكون ملكا، لِأَن الثَّلَاثِينَ لم يكن فِيهَا إلاَّ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، وَأَيَّام الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَالثَّانِي: أَنه ولي الْخلَافَة أَكثر من هَذَا الْعدَد.

وَأجِيب عَن الأول: أَنه أَرَادَ فِي حَدِيث سفينة خلَافَة النُّبُوَّة وَلم يُقَيِّدهُ فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة بذلك.
وَعَن الثَّانِي: أَنه لم يقل: لَا، بلَى إلاَّ اثْنَا عشر، وَإِنَّمَا قَالَ: يكون اثْنَا عشر فَلَا يمْنَع الزِّيَادَة عَلَيْهِ.
وَقيل: المُرَاد من اثْنَي عشر هم عدد الْخُلَفَاء من بني أُميَّة ثمَّ عِنْد خُرُوج الْخلَافَة من بني أُميَّة وَقعت الْفِتَن الْعَظِيمَة والملاحم الْكَثِيرَة حَتَّى اسْتَقَرَّتْ دولة بني الْعَبَّاس فتغيرت الْأَحْوَال عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ تغييراً بَينا.
وَقيل: يحْتَمل أَن يكون اثْنَا عشر بعد الْمهْدي الَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان، وَقيل: وجد فِي كتاب دانيال: إِذا مَاتَ الْمهْدي ملك بعده خَمْسَة رجال من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ خَمْسَة من ولد السبط الْأَصْغَر، ثمَّ يُوصي آخِرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الْأَكْبَر، ثمَّ يملك بعده وَلَده، فَيتم بذلك اثْنَا عشر ملكا كل وَاحِد مِنْهُم إِمَام مهْدي.
وَعَن كَعْب الْأَحْبَار: يكون اثْنَا عشر مهدياً ثمَّ ينزل روح الله فَيقْتل الدَّجَّال وَقيل: المُرَاد من وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعْملُونَ بِالْحَقِّ وَأَن تتوالى أيامهم، وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخرجه مُسَدّد فِي مُسْنده الْكَبِير من طَرِيق أبي بحران أَبَا الْجلد حَدثهُ أَنه لَا يهْلك هَذِه الْأمة حَتَّى يكون مِنْهَا اثْنَا عشر خَليفَة كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق، مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت مُحَمَّد، يعِيش أَحدهمَا أَرْبَعِينَ سنة، وَالْآخر ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: جَمِيع من ولي الْخلَافَة من الصّديق إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز أَرْبَعَة عشر نفسا مِنْهُم اثْنَان لم تصح ولايتهما وَلم تطل مدتهما وهما: مُعَاوِيَة بن يزِيد، ومروان بن الحكم، وَالْبَاقُونَ اثْنَا عشر نفسا على الْوَلَاء كَمَا أخبر وَكَانَت وَفَاة عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سنة إِحْدَى وَمِائَة، وتغيرت الْأَحْوَال بعده وانقضى الْقرن الأول الَّذِي هُوَ خير الْقُرُون.

قَوْله: فَقَالَ أبي يَعْنِي: سَمُرَة، وَالْوَالِد وَالْولد كِلَاهُمَا صحابيان.
قَوْله: وَإنَّهُ أَي: وَإِن رَسُول الله.