فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة

( بابُُ إخْرَاجِ الخُصُومِ وأهْلِ الرِّيَبِ مِنَ البُيُوتِ بَعْدَ المَعْرِفَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان إِخْرَاج الْخُصُوم أَي أهل المخاصمات والنزاع وَأهل الريب بِكَسْر الرَّاء جمع رِيبَة وَهِي التُّهْمَة وَالْمَعْصِيَة.
قَوْله: بعد الْمعرفَة، أَي: بعد شهرتهم بِذَاكَ، يَعْنِي لَا يتجسس عَلَيْهِم، وَذَلِكَ الْإِخْرَاج لأجل تأذي الْجِيرَان وَلأَجل مجاهرتهم بِالْمَعَاصِي، وَقد ذكر فِي الْأَشْخَاص: بابُُ إِخْرَاج أهل الْمعاصِي والخصوم من الْبيُوت بعد الْمعرفَة.
وَقد أخرج عمر أُخْت أبي بكر حِين ناحت، ثمَّ ذكر الحَدِيث الَّذِي ذكره هُنَا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِخْرَاج أهل الريب والمعاصي من دُورهمْ بعد الْمعرفَة بهم وَجب على الإِمَام لأجل تأذي من جاورهم، وَمن أجل مجاهرتهم بالعصيان، وَإِذا لم يعرفوا بأعيانهم فَلَا يلْزم الْبَحْث عَن أَمرهم لِأَنَّهُ من التَّجَسُّس الَّذِي نهى الله عَنهُ.
وَقيل: لَيْسَ بِإِخْرَاج أهل الْمعاصِي بِوَاجِب، فَمن ثَبت عَلَيْهِ مَا يُوجب الْحَد أقيم عَلَيْهِ.

وقَدْ أخْرَجَ عُمَرُ: أُخْتَ أبي بَكْرٍ حِينَ ناحَتْ.

أَي: أخرج عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أُخْت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين ناحت من النِّيَاحَة وَإِنَّمَا أخرجهَا من الْبَيْت لِأَنَّهُ نهاها فَلم تَنْتَهِ، وَقيل: إِنَّه أبعدها عَن نَفسه ثمَّ بعد ذَلِك رجعت إِلَى بَيتهَا.



[ قــ :6835 ... غــ :7224 ]
- حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَها ثُمَّ آمُرَ رجُلاً فَيَؤْمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخالِفَ إِلَى رِجالٍ فأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أحَدُكُمْ أنَّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أوْ مَرْماتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشاءَ

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أبلغ من مَعْنَاهَا فَإِن فِيهَا الْإِخْرَاج من الْبيُوت، وَفِيه إحراقها بالنَّار.

وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز، وَمضى الحَدِيث فِي الْأَشْخَاص وَقَبله فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: يحتطب ويروى يحطب بِالتَّشْدِيدِ أَي: يجمع الْحَطب.
قَوْله: ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال أَي: آتيهم أَي: أُخَالِف المشتغلين بِالصَّلَاةِ قَاصِدا إِلَى بيُوت الَّذين لم يخرجُوا عَنْهَا إِلَى الصَّلَاة وأحرقها عَلَيْهِم.
قَوْله: عرقاً بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء هُوَ الْعظم الَّذِي أَخذ عَنهُ اللَّحْم.
قَوْله: أَو مرماتين تَثْنِيَة مرماة بِكَسْر الْمِيم وَهِي مَا بَين ظلفي الشَّاة من اللَّحْم، وَقيل: هِيَ الظلْف، وَقيل: هِيَ سهم يتَعَلَّم عَلَيْهِ الرَّمْي وَهُوَ أرذل السِّهَام أَي: لَو علم أَنه لَو حضر صَلَاة الْعشَاء لوجد نفعا دنيوياً وَإِن كَانَ خسيساً حَقِيرًا لحضرها لقُصُور همته وَلَا يحضرها لما لَهَا من الأجور والمثوبات.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسَفَ: قَالَ يُونُسُ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمان: قَالَ أبُو عَبْدِ الله: مِرْماةٌ مَا بَيْنَ ظِلْفِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ مِثْلَ مِنْساةٍ ومِيضاةٍ، المِيمِ مَخْفُوضَةٌ.

هَذَا لم يثبت إلاَّ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَحده.
وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ الْفربرِي، وَيُونُس مَا وقفت عَلَيْهِ، وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان أَبُو أَحْمد الْفَارِسِي رَاوِي التَّارِيخ الْأَكْبَر عَن البُخَارِيّ.
قَوْله: مثل منساة، بِغَيْر همزَة فِي قِرَاءَة أبي عَمْرو وَنَافِع فِي قَوْله تَعَالَى: { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاَْرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ} وَقِرَاءَة البَاقِينَ بِهَمْزَة مَفْتُوحَة وَهِي الْعَصَا، وَكَذَلِكَ الْوَجْهَانِ فِي الْمِيضَاة.
قَوْله: الْمِيم مخفوضة أَي: مَكْسُورَة فِي كل من: المنساة والميضاة، وروى أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم فِي رجل فَاسد يأوي إِلَيْهِ أهل الْفسق وَالشَّر، مَا يصنع بِهِ؟ قَالَ: يخرج من منزله وَيحرق عَلَيْهِ الدَّار.
قلت: لَا يُبَاع عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا، لَعَلَّه يَتُوب فَيرجع إِلَى منزله.
وَعَن ابْن الْقَاسِم: يتَقَدَّم إِلَيْهِ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، فَإِن لم ينْتَه أخرج وأكريت عَلَيْهِ.
.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: إِذا لم ينْتَه بعد النَّهْي مرَارًا يهد بَيته، وَحَدِيث الْبابُُ من أقوى الْحجَج فِيهِ.