فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى

(بابُُ مَا جاءَ فِي اجْتِهادِ القُضاةِ بِما أنْزَلَ الله تَعَالَى لِقَوْلِهِ: { وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
أَي هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة فِي حكمهم بِمَا أنزل الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَابْن بطال وَطَائِفَة: بابُُ مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة، وَالِاجْتِهَاد لُغَة الْمُبَالغَة فِي الْجهد، وَاصْطِلَاحا استفراغ الوسع فِي دَرك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة.
قَوْله: لقَوْله { وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} وَفِي الْقُرْآن أَيْضا فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ و { فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} وَتَخْصِيص آيَة الظُّلم من حَيْثُ إِن الظُّلم عَام شَامِل للفسق وَالْكفْر لِأَنَّهُ وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وَهُوَ يشملهما.

ومَدَحَ النبيُّ صاحِبَ الحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِي بِها ويُعَلِّمُها لَا يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ ومُشاوَرَةِ الخُلَفاءِ وسُؤَالِهِمْ أهْلَ العِلْمِ.

يجوز فِي قَوْله: ومدح النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون مصدرا مجروراً عطفا على قَوْله: مَا جَاءَ فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة، وَيكون الْمصدر مُضَافا إِلَى فَاعله.
وَقَوله: صَاحب الْحِكْمَة مَنْصُوب على أَنه مَفْعُوله.
وَالثَّانِي: أَن يكون فعلا مَاضِيا من الْمَدْح وَيكون النَّبِي مَرْفُوعا على أَنه فَاعل لَهُ: وَصَاحب الْحِكْمَة مَنْصُوب على المفعولية، وَالْحكمَة الْعلم الوافي المتقن.
قَوْله: حِين يقْضِي بهَا أَي: بالحكمة.
قَوْله: من قبله بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْمُوَحدَة أَي: من جِهَته، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من قيله، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: من كَلَامه، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: من قبل نَفسه.
قَوْله: ومشاورة الْخُلَفَاء بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: فِي اجْتِهَاد الْقُضَاة أَي: وَفِيمَا جَاءَ فِي مُشَاورَة الْخُلَفَاء، أَرَادَ أَن مُشَاورَة الْخُلَفَاء وسؤالهم أهل الْعلم بِمَا أنزل الله تَعَالَى فِي الْأَحْكَام، وَذكر الْخُلَفَاء لَيْسَ بِقَيْد لِأَن سَائِر الْحُكَّام فِي ذَلِك سَوَاء.
وَقَوله: أهل الْعلم مَنْصُوب تنَازع فِيهِ العاملان أَعنِي قَوْله: مُشَاورَة وَقَوله: وسؤالهم


[ قــ :6925 ... غــ :7316 ]
- حدّثنا شِهابُ بنُ عبَّادٍ، حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حُمَيْد، عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَسَدَ إلاّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَسُلِّطَ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وآخرُ آتاهُ الله حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِها ويُعلِّمُها
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة ظَاهِرَة.
وشهاب بن عباد بِالْفَتْح وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْعَبْدي الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن حميد بِالضَّمِّ الرُّؤَاسِي، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد، وَقيس بن أبي حَازِم، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْأَحْكَام فِي: بابُُ أجر من قضى بالحكمة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن شهَاب بن عباد أَيْضا ... الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.





[ قــ :696 ... غــ :7317 ]
- حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ، حدّثنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ، عنِ المُغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَألَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عنْ إمْلاص المَرْأةِ هِيَ الّتِي يُضْرَبُ بَطْنُها فَتُلْقي جَنِيناً؟ فَقَالَ: أيُّكمْ سَمِعَ مِنَ النبيِّ فِيهِ شَيْئاً فَقُلْتُ أَنا، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقولُ فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أوْ أمَةٌ فَقَالَ: لَا تَبْرَحْ حتَّى تجِيئَنِي بالمَخْرَجِ فِيما قُلْتَ.
فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَدَ بنَ مَسْلَمَةَ فَجِئْتُ بِهِ فَشَهِدَ مَعِي أنّهُ سَمِعَ النبيَّ يَقُولُ فِيهِ غُرّةٌ عَبْدٌ أوْ أمَةٌ
انْظُر الحَدِيث 6906 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ قَالَ الكلاباذي: ابْن سَلام وَابْن الْمثنى يرويان عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْمُعْجَمَةِ.
قلت: لم يجْزم بِأَحَدِهِمَا.
وَالْمَشْهُور أَنه مُحَمَّد بن سَلام لِأَن اخْتِصَاصه بِهِ مَشْهُور.

والْحَدِيث مضى فِي آخر الدِّيات فِي: بابُُ جَنِين الْمَرْأَة.

قَوْله: عَن إملاص الْمَرْأَة الإملاص إِلْقَاء الْمَرْأَة الْجَنِين مَيتا وَهِي الَّتِي يضْرب بَطنهَا.
قَوْله: أَيّكُم سمع؟ قيل: خبر الْوَاحِد حجَّة يجب الْعَمَل بِهِ، فَلم ألزمهُ بِالشَّاهِدِ؟ وَأجِيب: للتَّأْكِيد وليطمئن قلبه بذلك مَعَ أَنه لم يخرج بانضمام آخر إِلَيْهِ عَن كَونه خبر الْوَاحِد.
قَوْله: غرَّة بِالتَّنْوِينِ، وَقَوله: عبد عطف بَيَان.

تابَعَهُ ابنُ أبي الزِّنادِ عنْ أبِيهِ عنْ عُرْوَةَ عنِ المُغِيرَةِ.

أَي: تَابع هِشَام بن عُرْوَة فِي رِوَايَته عَن أَبِيه عُرْوَة بن أبي الزِّنَاد هُوَ عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه هُوَ عبد الله بن ذكْوَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
وَأخرج الْمحَامِلِي هَذِه الْمُتَابَعَة مَوْصُولَة فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي حَدثنِي ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن عُرْوَة عَن الْمُغيرَة، فَذكره.
قيل: وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب: عَن عُرْوَة عَن الْمُغيرَة، وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة سقط فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ.


( بابُُ قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ)
أَي هَذَا بابُُ فِي ذكر قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لتتبعن بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد وَفتح التَّاءَيْنِ المدغم إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة وَأَصله تتبعون من الِاتِّبَاع قَوْله سنَن من كَانَ قبلكُمْ بِفَتْح السِّين وَالنُّون أَي طَريقَة من كَانَ قبلكُمْ يَعْنِي فِي كل شَيْء مِمَّا نهى الشَّرْع عَنهُ وذمه.

     وَقَالَ  ابْن التِّين فِي شرح هَذَا اللَّفْظ فِي الحَدِيث قرأناه بضَمهَا يَعْنِي بِضَم السِّين.

     وَقَالَ  الْمُهلب الْفَتْح أولى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يسْتَعْمل فِيهِ الذِّرَاع والشبر على مَا يَأْتِي الْآن -