فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته، وكذلك أمره

(بابُُ نَهْي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على التَّحْرِيمِ إلاّ مَا تُعْرَفُ إباحَتُهُ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان نهي النَّبِي، وَاقع على التَّحْرِيم، وَهُوَ حَقِيقَة فِيهِ إلاَّ مَا تعرف إِبَاحَته بِقَرِينَة الْحَال أَو بِقِيَام الدَّلِيل عَلَيْهِ أَو بِدلَالَة السِّيَاق.
فَقَوله: نهي النَّبِي كَلَام إضافي مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ.
وَقَوله: على التَّحْرِيم خَبره، ومتعلقه: حَاصِل أَو وَاقع أَو نَحْو ذَلِك.

وكَذَلِكَ أمرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أحَلُّوا: أصِيبُوا مِنَ النِّساءِ
أَي: كَحكم النَّهْي حكم أمره يَعْنِي تَحْرِيم مُخَالفَته لوُجُوب امتثاله مَا لم يقم الدَّلِيل على إِرَادَة النّدب أَو غَيره.
قَوْله: نَحْو قَوْله أَي: قَول النَّبِي فِي حجَّة الْوَدَاع حِين أحلُّوا من الْعمرَة قَوْله: أصيبوا أَمر لَهُم بالإصابة من النِّسَاء أَي: بجماعهن.
.

     وَقَالَ  أَكثر الْأُصُولِيِّينَ: النَّهْي ورد لثمانية أوجه وَهُوَ حَقِيقَة فِي التَّحْرِيم مجَاز فِي بَاقِيهَا، وَالْأَمر لسِتَّة عشر وَجها حَقِيقَة فِي الْإِيجَاب مجَاز فِي الْبَاقِي.

وَقَالَ جابِرٌ: ولَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ ولَكِنْ أحَلّهُنَّ لَهُمْ.

أَي: قَالَ جَابر بن عبد الله: وَلم يعزم أَي: لم يُوجب النَّبِي، الْجِمَاع أَي: لم يَأْمُرهُم أَمر إِيجَاب، بل أَمرهم أَمر إحلال وَإِبَاحَة.

وقالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نهينَا عنِ اتِّباعِ الجنازَةِ ولَمْ يُعْزَمْ عَليْنا.

اسْم أم عَطِيَّة نسيبة مصغرة ومكبرة الْأَنْصَارِيَّة قَوْله: نهينَا على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمثله يحمل على أَن الناهي كَانَ رَسُول الله أَرَادَ أَن النَّهْي لم يكن للتَّحْرِيم بل للتنزيه.
لقَوْله: وَلم يعزم أَي: وَلم يُوجب علينا وَهَذَا التَّعْلِيق قد مضى مَوْصُولا فِي كتاب الْجَنَائِز.



[ قــ :6973 ... غــ :7367 ]
- حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ: قَالَ جابِرٌ: قَالَ أبُو عَبْدِ الله:.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بنُ بَكْر: حدّثنا ابنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبرنِي عَطاءٌ، سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله فِي أُناسٍ مَعَهُ، قَالَ: أهْلَلْنا أصْحابَ رسولِ الله فِي الحَجِّ خالِصاً لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، قَالَ عَطاءٌ: قَالَ جابِرٌ: فَقَدِم النبيُّ صُبحَ رابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الحَجَّةِ، فَلمَّا قَدِمْنا أمَرَنا النبيُّ أنْ نَحِل.

     وَقَالَ : أحِلُّوا وأصِيبُوا مِنَ النِّساءِ قَالَ عَطاءٌ: قَالَ جابِرٌ: ولَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، ولَكِنْ أحَلَّهُنَّ لَهُمْ، فَبَلَغَهُ أنَّا نَقُولُ: لمّا لَمْ يَكنْ بَيْنَنا وبَيْنَ عَرَفَةَ إلاَّ خَمْسٌ، أمَرَنا أنْ نَحِلَّ إِلَى نِسائِنا فَنأْتِيَ عَرَفَةَ تَقْطُر مَذَاكِيرُنا الَمَذْيَ.
قَالَ: ويَقُولُ جابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وحَرَّكَهَا، فَقامَ رسولُ الله فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي أتْقاكُمْ لله، وأصْدَقُكُمْ وأبَرُّكمْ، ولَوْلا هَدْيِي لحَلَلْتُ كَما تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، فَلَو اسْتَقْبَلْتُ منْ أمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أهْدَيْتُ فحَللْنا وسَمعْنا وأطَعْنا.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أمره بِإِصَابَة النِّسَاء لم يكن على الْوُجُوب وَلِهَذَا قَالَ: وَلم يعزم عَلَيْهِم وَلَكِن أحلهن أَي: النِّسَاء لَهُم.

وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مر فِي الْحَج.

قَوْله: أَصْحَاب مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص.
.
قَوْله: قَالَ جَابر مَعْطُوف على شَيْء مَحْذُوف، يظْهر هَذَا مِمَّا مضى فِي: بابُُ من أهل فِي زمن النَّبِي وَلَفظه أَمر النَّبِي، عليّاً أَن يُقيم على إِحْرَامه، فَذكر الحَدِيث ثمَّ قَالَ:.

     وَقَالَ  جَابر: أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ خَالِصا.
قَوْله: خَالِصا لَيْسَ مَعَه عمْرَة هُوَ مَحْمُول على مَا كَانُوا ابتدأوا بِهِ: ثمَّ يَقع الْإِذْن بِإِدْخَال الْعمرَة فِي الْحَج وبفسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة، فصاروا على ثَلَاثَة أنحاء مثل مَا قَالَت عَائِشَة: منا من أهل بِالْحَجِّ، وَمنا من أهلّ بِعُمْرَة، وَمنا من جمع.
قَالَ أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ:.

     وَقَالَ  مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى برسان بطن من الأزد، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.

قَوْله: (فِي أنَاس مَعَه فِيهِ الْتِفَات لِأَن مُقْتَضى الْكَلَام أَن يَقُول: معي، وَوَقع كَذَلِك فِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ البُخَارِيّ ذكره تَعْلِيقا عَن مُحَمَّد بن بكر لِأَنَّهُ مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ.
قَوْله: فَقدم النَّبِي أَي: مَكَّة.
قَوْله: أمرنَا بِفَتْح الرَّاء.
قَوْله: أَن نحل أَي: بالإحلال أَي: بِأَن نصير متمتعين بعد أَن نجعله عمْرَة.
قَوْله: وأصيبوا من النِّسَاء هُوَ إِذن لَهُم فِي جماع نِسَائِهِم.
قَوْله: إلاَّ خمس أَي: خمس لَيَال.
قَوْله: أمرنَا بِفَتْح الرَّاء.
قَوْله: مذاكيرنا جمع الذّكر على غير قِيَاس.
قَوْله: الْمَذْي بِفَتْح الْمِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: الْمَنِيّ، وَكَذَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: وَيَقُول جَابر بِيَدِهِ هَكَذَا وحركها أَي: أمالها، وَهَكَذَا إِشَارَة إِلَى التقطر وكيفيته، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَالَ، يَقُول جَابر كَأَنِّي، انْظُر إِلَى يَده يحركها.
قَوْله: وَلَوْلَا هَدْيِي لَحللت كَمَا تحِلُّونَ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: لأحللت، حل وَأحل لُغَتَانِ، وَالْمعْنَى: لَوْلَا أَن معي الْهَدْي لتمتعت لِأَن صَاحب الْهَدْي لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله، وَذَلِكَ فِي يَوْم الْعِيد.
قَوْله: فَلَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت أَي: لَو علمت فِي أول الْأَمر مَا علمت آخرا، وَهُوَ جَوَاز الْعمرَة فِي أشهر الْحَج مَا سقت الْهَدْي.





[ قــ :6974 ... غــ :7368 ]
- حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ، عنِ الحُسَيْنِ، عنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، حدّثني عَبْدُ الله المُزَنِيُّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرب قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شاءَ كَرَاهِيَة أنْ يَتَّخِذَها النَّاسُ سُنَّةً.

انْظُر الحَدِيث 1183
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لمن شَاءَ فَإِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْأَمر حَقِيقَة فِي الْوُجُوب إلاَّ إِذا قَامَت قرينَة تدل على التَّخْيِير بَين الْفِعْل وَالتّرْك.
وَقَوله: لمن شَاءَ إِشَارَة إِلَيْهِ فَكَانَ هَذَا صارفاً عَن الْحمل على الْوُجُوب.

وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَالْحُسَيْن بن ذكْوَان الْمعلم، وَابْن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء عبيد الله الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو، وَعبد الله الْمُزنِيّ بالزاي وَالنُّون هُوَ ابْن مُغفل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التغفيل بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بابُُ كم بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة.

قَوْله: كَرَاهِيَة أَي: لأجل كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة أَي: طَريقَة لَازِمَة لَا يجوز تَركهَا، أَو سنة راتبة يكره تَركهَا.