فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم} [إبراهيم: 4]، {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} [الصافات: 180]، {ولله العزة ولرسوله} [المنافقون: 8]، ومن حلف بعزة الله وصفاته

(بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} وَغَيرهَا { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} الصافات: 180 { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَْعَزُّ مِنْهَا الاَْذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَاكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} ومَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ الله وصِفاتِهِ
أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله عز وَجل: آأؤ ذكر فِيهِ ثَلَاث قطع من ثَلَاث آيَات: الأولى: قَوْله تَعَالَى: { وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} ، وَغَيرهَا فالعزيز مُتَضَمّن للعزة وَيجوز أَن يكون صفة ذَات يَعْنِي الْقُدْرَة وَالْعَظَمَة، وَأَن يكون صفة فعل بِمَعْنى الْقَهْر لمخلوقاته وَالْغَلَبَة لَهُم.
.

     وَقَالَ  الْحَلِيمِيّ مَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يُوصل إِلَيْهِ وَلَا يُمكن إِدْخَال مَكْرُوه عَلَيْهِ، فَإِن الْعَزِيز فِي لِسَان الْعَرَب من الْعِزَّة وَهِي الصلابة.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: الْعَزِيز المنيع الَّذِي لَا يغلب، والعز قد يكون من الْغَلَبَة، يُقَال مِنْهُ: عز يعز، بِفَتْح الْعين وَقد يكون بِمَعْنى نفاسة الْقدر، يُقَال مِنْهُ: عز يعز، بِكَسْر الْعين فيؤول معنى الْعِزّ على هَذَا وَأَنه لَا يعازه شَيْء.
قَوْله: الْحَكِيم، مُتَضَمّن لِمَعْنى الْحِكْمَة وَهُوَ إِمَّا صفة ذَات يكون بِمَعْنى الْعلم وَالْعلم من صِفَات الذَّات، وَإِمَّا صفة فعل بِمَعْنى الْأَحْكَام.
الْآيَة الثَّانِيَة: { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ} فَفِي إِضَافَة الْعِزَّة إِلَى الربوبية إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد هَاهُنَا الْقَهْر وَالْغَلَبَة، وَيحْتَمل أَن يكون الْإِضَافَة للاختصاص كَأَنَّهُ قيل: ذُو الْعِزَّة وَأَنَّهَا من صِفَات الذَّات، والتعريف فِي الْعِزَّة للْجِنْس، فَإِذا كَانَت الْعِزَّة كلهَا لله تَعَالَى فَلَا يَصح أَن يكون أحد معتزاً إلاَّ بِهِ، وَلَا عزة لأحد إلاَّ وَهُوَ مَالِكهَا.
وَالْآيَة الثَّالِثَة: يعرف حكمهَا من الثَّانِيَة، وَهِي بِمَعْنى الْغَلَبَة لِأَنَّهَا جَوَاب لمن ادّعى أَنه الْأَعَز، وَأَن ضِدّه الْأَذَل فَرد عَلَيْهِ أَن الْعِزَّة لله وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ، فَهُوَ كَقَوْلِه: { كَتَبَ اللَّهُ لاََغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} قَوْله: وَمن حلف بعزة الله وَصِفَاته كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: وسلطانه، بدل.
وَصِفَاته، وَالْأول أولى، وَقد تقدم فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور: بابُُ الْحلف بعزة الله وَصِفَاته، وَكَلَامه، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال مَا ملخصه: الْحَالِف بعزة الله الَّتِي هِيَ صفة ذَات يَحْنَث، والحالف بعزة الله الَّتِي هِيَ صفة فعل لَا يَحْنَث، بل هُوَ مَنْهِيّ عَن الْحلف بهَا كَمَا نهى عَن الْحلف بِحَق السَّمَاء وَحقّ زيد.
انْتهى.
لَكِن إِذا أطلق الْحَالِف انْصَرف إِلَى صفة الذَّات وانعقد الْيَمين إلاَّ إِن قصد خلاف ذَلِك.

وَقَالَ أنَسٌ: قَالَ النبيُّ تقُولُ جَهَنَّمُ قَطِ قَطِ وعِزَّتِكَ
هَذَا طرف من حَدِيث مطول مضى فِي تَفْسِير سُورَة ق وَالْمرَاد بِهِ أَن النَّبِي نقل عَن جَهَنَّم أَنَّهَا تحلف بعزة الله وأقرها على ذَلِك، فَيحصل المُرَاد سَوَاء كَانَت هِيَ الناطقة حَقِيقَة أم النَّاطِق غَيرهَا كالموكلين بهَا.

وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ يَبْقَى رجلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ آخِرُ أهْلِ النَّارِ دُخُولاً الجَنَّةَ، فَيقُولُ: رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ، لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَها.
قَالَ أَبُو سَعِيد: إنَّ رسولَ الله قَالَ: قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ: لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ
مُطَابقَة هَذَا وَالَّذِي قبله للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
هَذَا طرف حَدِيث طَوِيل تقدم مَعَ شَرحه فِي آخر كتاب الرقَاق.
قَوْله: يبْقى رجل يروي: أَن اسْمه جهنية، بِالْجِيم وَالنُّون، قيل: لَيْسَ كَلَام هَذَا حجَّة.
وَأجِيب: بِأَن حِكَايَة رَسُول الله على سَبِيل التَّقْرِير والتصديق حجَّة.
قَوْله:.

     وَقَالَ  أَبُو سعيد من تَتِمَّة حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل المُرَاد أَن أَبَا سعيد وَافق أَبَا هُرَيْرَة على رِوَايَة الحَدِيث الْمَذْكُور إلاَّ مَا ذكره من الزِّيَادَة فِي قَوْله: عشرَة أَمْثَاله
وَقَالَ أيُّوب: وعِزَّتِكَ لَا غِنَى بِي عَن بَرَكَتِكَ.

هَذَا أَيْضا طرف من حَدِيث لأبي هُرَيْرَة مضى فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَتقدم أَيْضا مَوْصُولا فِي كتاب الطَّهَارَة فِي الْغسْل، وأوله: بَينا أَيُّوب يغْتَسل ... وَتقدم أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، مَعَ شَرحه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحَاكِم: لما عافى الله أَيُّوب أمطرعليه جَرَادًا من ذهب.
.
الحَدِيث.
قَوْله: لَا غنى بِي، بِالْقصرِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَا غناء، ممدوداً وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر للسرخسي.

[ قــ :6989 ... غــ :7383 ]
- حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ، حَدثنَا حُسَيْنٌ المُعلِّمُ، حدّثني عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ، عنْ يَحْياى بنِ يَعْمَرَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقُولُ أعُوذُ بِعِزَّتِكَ الّذِي لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ الّذِي لَا يَمُوتُ والجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وحسين هُوَ ابْن ذكْوَان، وَعبد الله بن بُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن حصيب الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو مَاتَ بمرو، وَيحيى بن يعمر بِلَفْظ الْمُضَارع بِفَتْح الْمِيم وَبِضَمِّهَا أَيْضا وَالْفَتْح أشهر وَهُوَ القَاضِي بمرو أَيْضا.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدُّعَاء عَن حجاج بن المسارع.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن عُثْمَان بن عبد الله.

قَوْله: الَّذِي لَا إلاه إِلَّا أَنْت قيل: مَا، الْعَائِد للموصول.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمُخَاطب نفس المرجوع إِلَيْهِ يحصل الارتباط، وَكَذَلِكَ الْمُتَكَلّم نَحْو:
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة)

قَوْله: لَا يَمُوت بِلَفْظ الْغَائِب، ويروى بِالْخِطَابِ.
قَوْله: الْجِنّ وَالْإِنْس يموتون استدلت بِهِ طَائِفَة على أَن الْمَلَائِكَة لَا تَمُوت.
وَلَا يَصح هَذَا الِاسْتِدْلَال لِأَنَّهُ مَفْهُوم لقب وَلَا اعْتِبَار بِهِ فيعارضه مَا هُوَ أقوى مِنْهُ، وَهُوَ عُمُوم قَوْله تَعَالَى: { وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاًءَاخَرَ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

     وَقَالَ  بَعضهم: لَا مَانع من دُخُول الْمَلَائِكَة فِي مُسَمّى الْجِنّ لجامع مَا بَينهم من الاستتار.
قلت: هَذَا كَلَام واهٍ لِأَن مُسَمّى الْجِنّ غير مُسَمّى الْمَلَائِكَة، وَلَا يلْزم من استتارهم عَن أعين النَّاس صِحَة دُخُول الْمَلَائِكَة الَّذين هم من النُّور فِي الْجِنّ الَّذين خلقُوا من مارج من نَار.





[ قــ :6990 ... غــ :7384 ]
- حدّثنا ابنُ أبي الأسْوَد، حَدثنَا حَرَمِيٌّ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُلْقَى فِي النَّار.

     وَقَالَ  لي خَليفَةُ: حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حدّثنا سَعيدٌ عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ وعنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أبي عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ قَالَ: لَا يَزَالُ يُلْقَى فِيها، وتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ فِيها رَبُّ العالمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوي بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وكَرَمِكَ، وَلَا تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ حتَّى يُنْشِىءَ الله لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بعزتك وَشَيخ البُخَارِيّ ابْن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود، وحرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وياء النِّسْبَة هُوَ ابْن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم.

وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين.
الأول: عَن ابْن أبي الْأسود بِالتَّحْدِيثِ.
وَالثَّانِي: بالْقَوْل، حَيْثُ قَالَ:.

     وَقَالَ  لي خَليفَة هُوَ ابْن خياط عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِنَّه قَالَ: أخرجه من ثَلَاث طرق وَذكر الطَّرِيقَيْنِ.

     وَقَالَ : الطَّرِيق الثَّالِث، تَعْلِيق وَهُوَ قَوْله: وَعَن مُعْتَمر سَمِعت أبي وَهُوَ سُلَيْمَان بن طرخان عَن قَتَادَة، وَأنكر عَلَيْهِم بَعضهم بِأَن هَذَا لَيْسَ بتعليق، لِأَن قَوْله: وَعَن مُعْتَمر، مَعْطُوف على قَوْله: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، مَوْصُول فالتقدير:.

     وَقَالَ  لي خَليفَة عَن مُعْتَمر، وَبِهَذَا جزم أَصْحَاب الْأَطْرَاف.
قلت: كَونه مَعْطُوفًا مَوْصُولا لَا يُنَافِي كَونه طَرِيقا آخر على مَا لَا يخفى لاخْتِلَاف شَيْخي خَليفَة.

قَوْله: وَتقول هَل من مزِيد؟ أَي: تَقول النَّار، وَإسْنَاد القَوْل إِلَيْهَا مجَاز أَو حَقِيقَة بِأَن يخلق الله القَوْل فِيهَا ومزيد بِمَعْنى الزِّيَادَة مصدر ميمي.
قَوْله: قدمه قيل: المُرَاد بهَا الْمُتَقَدّم أَي: يضع الله فِيهَا من قدمه لَهَا من أهل الْعَذَاب، أَو ثمَّة مَخْلُوق اسْمه الْقدَم أَو أَرَادَ بِوَضْع الْقدَم الزّجر عَلَيْهَا والتسكين لَهَا، كَمَا تَقول لشَيْء تُرِيدُ محوه وإبطاله: جعلته تَحت قدمي، أَو: هُوَ مفوض إِلَى الله،.

     وَقَالَ  النَّضر بن شُمَيْل: الْقدَم هَاهُنَا الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله أَنهم من أهل النَّار وَأَنَّهُمْ يمْلَأ بهم النَّار حَتَّى ينزوي بَعْضهَا إِلَى بعض من الْمَلأ، ولتضايق أَهلهَا، فَتَقول: قطّ قطّ، أَي: امتلات حسبي حسبي.
قَوْله: ينزوي مضارع من الانزواء، ويروى: تزوى على صِيغَة الْمَجْهُول من زوى سره عَنهُ إِذا طواه، أَو من زوى الشَّيْء إِذا جمعه وَقَبضه.
قَوْله: قد قد رُوِيَ بِسُكُون الدَّال وَكسرهَا وَهُوَ اسْم مرادف: لقط، أَي: حسب.
قَوْله: تفضل أَي: عَن الداخلين فِيهَا.
قَوْله: حَتَّى ينشىء من الْإِنْشَاء، أَي: حَتَّى ينشىء الله خلقا فيسكنهم من الإسكان فضل الْجنَّة أَي: الْموضع الَّذِي فضل مِنْهَا وَبَقِي عَنْهُم، ويروى: أفضل بِصِيغَة.
أفعل التَّفْضِيل.
فَقيل: هُوَ مثل: النَّاقِص والأشج أعد لِابْني مَرْوَان، يَعْنِي: عَاد لِابْني مَرْوَان.
وَفِيه: أَن دُخُول الْجنَّة لَيْسَ بِالْعَمَلِ.

<