فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق «

( بابُُ مَا جاءَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ والأرْضِ وغَيْرِهما مِنَ الخَلاَئِقِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ إِلَى آخِره قَوْله: فِي خلق السَّمَوَات، كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فِي تخليق السَّمَوَات وَالْأول أولى وَعَلِيهِ شرح ابْن بطال، وغرضه فِي هَذَا الْبابُُ أَن يعرفك أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا كل ذَلِك مَخْلُوق لقِيَام دَلَائِل الْحُدُوث بهَا من الْآيَات الشاهدات من انتظام الْحِكْمَة وإيصال الْمَعيشَة فيهمَا، وَقَامَ برهَان الْعقل على أَن لَا خَالق غير الله، وَبَطل قَول من يَقُول: إِن الطبائع خالقة للْعَالم، وَإِن الأفلاك السَّبْعَة هِيَ الفاعلة وَإِن الظلمَة والنور خالقان، وَقَول من زعم: إِن الْعَرْش هُوَ الْخَالِق.
وفسدت جَمِيع هَذِه الْأَقْوَال بِقِيَام الدَّلِيل على حُدُوث ذَلِك كُله وافتقاره إِلَى مُحدث لِاسْتِحَالَة وجود مُحدث لَا مُحدث لَهُ، كاستحالة وجود مَضْرُوب لَا ضَارب لَهُ، وَكتاب الله عز وَجل شَاهد بِصِحَّة هَذَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: { ياأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} فنفى كل خَالق سواهُ والآيات فِيهِ كَثِيرَة.

وهْوَ فِعْلُ الرَّبِّ تبارَكَ وَتَعَالَى وأمْرُهُ، فالرَّبُّ بِصِفاتِهِ وفِعْلِهِ وأمْرِهِ وكَلاَمِهِ وهْوَ الخالِقُ هُوَ المُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا كانَ بِفِعْلِهِ وأمرِهِ وتَخْليقِهِ وتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ ومَخْلُوقٌ ومُكَوَّنٌ.

وَهُوَ أَي الْخَالِق أَو التخليق بِاعْتِبَار الرِّوَايَتَيْنِ فعل الرب وَأمره أَي بقول: كن.
قَوْله: بصفاته كالقدرة وَفعله أَي: خلقه.
قَوْله: وَكَلَامه من عطف الْعَام على الْخَاص لِأَن المُرَاد بِالْأَمر هُنَا هُوَ قَوْله: كن، وَهُوَ من جملَة كَلَامه، وَسقط فِي بعض النّسخ قَوْله: وَفعله.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ أولى ليَصِح لفظ غير مَخْلُوق.
قَوْله: هُوَ المكون بِكَسْر الْوَاو، وَاخْتلف فِي التكوين هَل هِيَ صفة فعل قديمَة أَو حَادِثَة؟ فَقَالَ جمع من السّلف مِنْهُم أَبُو حنيفَة.
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هِيَ قديمَة،.

     وَقَالَ  آخَرُونَ مِنْهُم ابْن كلاب والأشعري: هِيَ حَادِثَة لِئَلَّا يلْزم أَن يكون الْمَخْلُوق قَدِيما، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ يُوجد فِي الْأَزَل صفة الْخلق وَلَا مَخْلُوق.
قَوْله: وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأمره الخ فَائِدَة تكْرَار هَذِه الْأَلْفَاظ بَيَان اتِّحَاد مَعَانِيهَا وَجَوَاز الْإِطْلَاق عَلَيْهِ.
قَوْله: مكون بِفَتْح الْوَاو الْمُشَدّدَة.



[ قــ :7054 ... غــ :7452 ]
- حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ، أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جعْفَرٍ، أَخْبرنِي شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله ابنِ أبي نَمِرٍ، عنْ كُرَيْبٍ، عنِ ابنِ عَبَّاس قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً والنبيُّ عِنْدَها لأنْظُرَ كَيْفَ صَلاَةُ رسولِ الله باللَّيْلِ فَتَحَدَّثَ رسولُ الله مَعَ أهْلِهِ ساعَةً ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّماءِ، فَقَرَأ: { إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله { لأولي الْأَلْبابُُ} ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأ واسْتَنَّ ثُمَّ صَلّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أذَّنَ بِلاَلٌ بالصَّلاَةِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ.

ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْآيَة ظَاهِرَة.

وَقد مضى هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السَّنَد والمتن فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان، وكرره لأجل التَّرْجَمَة.

قَوْله: أَو بعضه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَو نصفه.
قَوْله: واستن أَي: استاك.