فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به، إنه عليم بذات الصدور، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14]

( بابُُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} يَتَخَافَتُونَ يَتسارُّونَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي قَول الله عز وَجل: { وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ} يَعْنِي: أَن الله عَالم بالسر من أقوالكم والجهر بِهِ فَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: مُرَاده بِهَذَا الْبابُُ إِثْبَات الْعلم لله تَعَالَى صفة ذاتية لِاسْتِوَاء علمه بالجهر من القَوْل والسر، وَقد بَينه فِي آيَة أُخْرَى: { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} وَأَن اكْتِسَاب العَبْد من القَوْل وَالْفِعْل لله تَعَالَى لقَوْله: { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ثمَّ قَالَ عقيب ذَلِك: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَدلَّ على أَنه عَالم بِمَا أسروه وَمَا جهروا بِهِ وَأَنه خَالق لذَلِك فيهم.
.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنِير: ظن الشَّارِح أَنه قصد بالترجمة إِثْبَات الْعلم وَلَيْسَ كَمَا ظن وإلاَّ لتعاطفت الْمَقَاصِد مِمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة بَين الْعلم وَبَين حَدِيث: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى النُّكْتَة الَّتِي كَانَت سَبَب محنته بِمَسْأَلَة اللَّفْظ، فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى أَن تلاوات الْخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أَن تكون مخلوقة، وَسِيَاق الْكَلَام يَأْبَى ذَلِك، فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد بعد أَن ذكر عدَّة أَحَادِيث دَالَّة على ذَلِك: فَبين النَّبِي، أَن أصوات الْخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مُخْتَلفَة بَعْضهَا أحسن وأزين وَأحلى وأصوت وأرتل وألحن وَأَعْلَى وأخفض وأغض وأخشع وأجهر وأخفى وأمهر وأمد وألين من بعض.
قَوْله: يتخافتون أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} ثمَّ فسره بقوله: يتسارون بتَشْديد الرَّاء أَي: يتساررون فِيمَا بَينهم بِكَلَام خَفِي.
وَقيل فِي بعض النّسخ بشين مُعْجمَة وَزِيَادَة وَاو بِغَيْر تثقيل أَي: يتراجعون.



[ قــ :7127 ... غــ :7525 ]
- حدّثني عَمْرُو بنُ زُرارَةَ، عنْ هُشَيْمٍ، أخبرنَا أبُو بِشْرٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} قَالَ: نَزَلَتْ ورسولُ الله مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ فَكانَ إِذا صَلَى بِأصْحابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرآنِ، فَإِذا سَمَعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرآنَ ومَنْ أنْزَلَهُ ومَنّ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ الله لِنَبِيِّهِ { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً} أيْ بِقِراءَتِكَ فَيَسْمَعَ المُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا القُرْآنَ { وَلَا تخَافت بهَا} عنْ أصْحابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُم { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً}

مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى.

وَعَمْرو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن وَاقد الْكلابِي النَّيْسَابُورِي، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وهشيم بن بشير وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس.

والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: فَيسمع بِالنّصب وَالرَّفْع قيل: إِذا كَانَ النَّبِي، مختفياً عَن الْكفَّار فَكيف يرفع الصَّوْت؟ وَهُوَ يُنَافِي الاختفاء؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ الْإِتْيَان بشبه الْجَهْر أَو إِنَّه مَا كَانَ يبْقى لَهُ عِنْد الصَّلَاة ومناجاة الرب اخْتِيَار لاستغراقه فِي ذَلِك.





[ قــ :718 ... غــ :756 ]
- حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماَعيلَ، حدَّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً} فِي الدُّعاء.

انْظُر الحَدِيث 473 وطرفه
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى وَجه آخر فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، أخرجه عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي الأَصْل عبد الله الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ.





[ قــ :719 ... غــ :757 ]
- حدّثنا إسْحَاقُ، حدّثنا أبُو عاصِمٍ، أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ، أخبرنَا ابنُ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ وزادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قَوْله: من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ إِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يدل على أَن أَفعَال الْعباد مخلوقة لله تَعَالَى.

وَإِسْحَاق قَالَ الْحَاكِم: هُوَ ابْن نصر،.

     وَقَالَ  الغساني: هُوَ ابْن مَنْصُور أشبه، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ روى عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن.

قَوْله: لَيْسَ منا أَي: لَيْسَ من أهل سنتنا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لَيْسَ من أهل ديننَا.
قَوْله: من لم يَتَغَنَّ أَي: من لم يجْهر بِقِرَاءَة الْقُرْآن.
قَوْله: غَيره هُوَ صَاحب لأبي هُرَيْرَة، زَاد فِي آخر الحَدِيث يجْهر بِهِ أَي: بِالْقُرْآنِ.