فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب احتساب الآثار

( قَولُهُ بَابُ احْتِسَابِ الْآثَارِ)
أَيْ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهَا لِتَشْمَلَ كُلَّ مَشْيٍ إِلَى كُلِّ طَاعَةٍ



[ قــ :636 ... غــ :655] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الثَّقَفِيُّ .

     قَوْلُهُ  يَا بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُمْ بَطْنٌ كَبِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنَ الْخَزْرَجِ وَقَدْ غَفَلَ الْقَزَّازُ وَتَبِعَهُ الْجَوْهَرِيُّ حَيْثُ قَالَ لَيْسَ فِي الْعَرَبِ سَلِمَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ غَيْرَ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ ذَكَرُوا عَدَدًا مِنَ الْأَسْمَاءِ كَذَلِكَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَيْدِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الْبَطْنِ فَلَهُ بَعْضُ اتِّجَاهٍ .

     قَوْلُهُ  أَلَا تَحْتَسِبُونَ كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِحَذْفِهَا وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ النُّحَاةَ أَجَازُوا ذَلِكَ يَعْنِي تَخْفِيفًا قَالَ وَالْمَعْنَى أَلَا تَعُدُّونَ خُطَاكُمْ عِنْدَ مَشْيِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّ لِكُلِّ خُطْوَةٍ ثَوَابًا اه وَالِاحْتِسَابُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْعَدُّ لَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي مَعْنَى طَلَبِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ قَوْله وَحدثنَا بن أَبِي مَرْيَمَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ.

     وَقَالَ  بن أَبِي مَرْيَمَ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ بِلَفْظِ وَزَادَ بن أَبِي مَرْيَمَ.

     وَقَالَ  أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَا رِوَايَةٍ يَعْنِي مُعَلَّقًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْكِتَابِ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فِي الْأُصُولِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ أَيْضًا وَلِلْبَاقِينَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا وَكَذَا سَمِعْنَاهُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ فَوَائِدِ الْمُخْلِصِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمد بن مَنْصُور عَن بن أَبِي مَرْيَمَ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ أَنَسًا وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَقِبَ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِيُبَيِّنَ الْأَمْنَ مِنْ تَدْلِيسِ حُمَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ وَسَاقَ الْمَتْنَ كَامِلًا .

     قَوْلُهُ  فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا يَعْنِي لِأَنَّ دِيَارَهُمْ كَانَتْ بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كَانَتْ دِيَارُنَا بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَبْتَاعَ بُيُوتًا فَنَقْرُبُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَنَهَانَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً وَلِلسَّرَّاجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ أَرَادُوا أَنْ يَقْرُبُوا مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ مَنَازِلُنَا بِسَلْعٍ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ دَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ دِيَارُهُمْ كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ سَلْعٍ وَبَيْنَ سَلْعٍ وَالْمَسْجِدِ قَدْرُ مِيلٍ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَعْرُوا الْمَدِينَةَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَنْ يُعْرُوا مَنَازِلَهُمْ وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يَتْرُكُونَهَا خَالِيَةً يُقَالُ أَعْرَاهُ إِذَا أَخْلَاهُ وَالْعَرَاءُ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ وَقِيلَ الْوَاسِعَةُ وَقِيلَ الْمَكَانُ الَّذِي لَا يُسْتَتَرُ فِيهِ بِشَيْءٍ وَنَبَّهَ بِهَذِهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى السَّبَبِ فِي مَنْعِهِمْ مِنَ الْقُرْبِ مِنَ الْمَسْجِدِ لِتَبْقَى جِهَاتُ الْمَدِينَةِ عَامِرَةً بِسَاكِنِهَا وَاسْتَفَادُوا بِذَلِكَ كَثْرَةَ الْأَجْرِ لِكَثْرَةِ الْخُطَا فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْفَزَارِيِّ الَّتِي فِي الْحَجِّ فَأَقَامُوا وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْمُخْلِصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَلَمْ يَنْتَقِلُوا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ فَقَالُوا مَا يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ خُطَاهُمْ آثَارُهُمْ وَالْمَشْيُ فِي الْأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وللباقين.

     وَقَالَ  مُجَاهِد ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم قَالَ خُطَاهُمْ وَكَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ من طَرِيق بن أَبِي نُجَيْحٍ عَنْهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ونكتب مَا قدمُوا قَالَ أَعْمَالُهُمْ وَفِي قَوْلِهِ وَآثَارَهُمْ قَالَ خُطَاهُمْ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا التَّعْلِيقِ إِلَى أَنَّ قِصَّةَ بَنِي سَلِمَةَ كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ إِذَا كَانَتْ خَالِصَةً تُكْتَبُ آثَارُهَا حَسَنَاتٍ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السُّكْنَى بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِمَنْ حَصَلَتْ بِهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى أَوْ أَرَادَ تَكْثِيرَ الْأَجْرِ بِكَثْرَةِ الْمَشْيِ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَى نَفْسِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا السُّكْنَى بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ لِلْفَضْلِ الَّذِي عَلِمُوهُ مِنْهُ فَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَلْ رَجَّحَ دَرْءَ الْمَفْسَدَةِ بِإِخْلَائِهِمْ جَوَانِبَ الْمَدِينَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ فِي التَّرَدُّدِ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنَ الْفَضْلِ مَا يَقُومُ مَقَامَ السُّكْنَى بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَتْ دَارُهُ قَرِيبَةً مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَارَبَ الْخُطَا بِحَيْثُ تُسَاوِي خُطًا مِنْ دَارِهِ بَعِيدَةً هَلْ يُسَاوِيهِ فِي الْفَضْلِ أَوْ لَا وَإِلَى الْمُسَاوَاة جنح الطَّبَرِيّ وروى بن أبي شييبة مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ قَالَ مَشَيْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَارَبَ بَيْنَ الْخُطَا.

     وَقَالَ  أَرَدْتُ أَنْ تَكْثُرَ خُطَانَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كَثْرَةِ الْخَطَّا فَضِيلَةً لِأَنَّ ثَوَابَ الْخُطَا الشَّاقَّةِ لَيْسَ كَثَوَابِ الْخُطَا السَّهْلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَاضِي قَبْلَ بَابٍ حَيْثُ جَعَلَ أَبْعَدَهُمْ مَمْشًى أَعْظَمَهُمْ أَجْرًا وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُهُمُ اسْتِحْبَابَ قَصْدِ الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ وَلَوْ كَانَ بِجَنْبِهِ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَعِيدِ هَجْرُ الْقَرِيبِ وَإِلَّا فَإِحْيَاؤُهُ بِذِكْرِ اللَّهِ أَوْلَى وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الْبَعِيدِ مَانِعٌ مِنَ الْكَمَالِ كَأَنْ يَكُونَ إِمَامُهُ مبتدعا