فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت

( قَولُهُ بَابُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ)
لَمْ يَذْكُرِ الْمُنْفَرِدُ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ وَذَكَرَ السَّفَرَ لِئَلَّا يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ يُتَرَخَّصُ فِيهِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ كَمَا رُخِّصَ فِيهِ بِحَذْفِ بَعْضِ الرَّكَعَاتِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ هُوَ بِضَمِّ أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَمَا يُجْهَرُ بِهِ وَمَا يُخَافَتُ لِأَنَّهُ لَازم فَلَا يَبْنِي مِنْهُ قَالَ بن رَشِيدٍ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُجْهَرُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّلَوَاتِ لَا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْمَعْنَى وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَيُخَافَتُ أَيْ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَخْتَصُّ بِالسِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ فِي الْمَأْمُومِ انْتَهَى وَقَدِ اعْتَنَى الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصَنَّفَ فِيهَا جُزْءًا مُفْرَدًا سَنَذْكُرُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ فَوَائِدِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :734 ... غــ :755] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ هُوَ الصَّحَابِيُّ وَلِأَبِيهِ سَمُرَةَ بْنِ جُنَادَةَ صُحْبَةٌ أَيْضًا وَقد صرح بن عُيَيْنَةَ بِسَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ مِنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدا هُوَ بن أبي وَقاص وَهُوَ خَال بن سَمُرَةَ الرَّاوِي عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ إِذْ جَاءَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَشْكُونَ إِلَيْهِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ حَتَّى قَالُوا إِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ انْتَهَى وَفِي قَوْلِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ مَجَازٌ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ الَّذِينَ شَكَوْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا كُلُّهُمْ فَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ جَعَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَنَحْوُهُ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسُمِّيَ مِنْهُمْ عِنْدَ سَيْفٍ والطَّبَرَانِيِّ الْجَرَّاحِ بْنِ سِنَانٍ وَقَبِيصَةَ وَأَرْبَدَ الْأَسَدِيُّونَ وَذَكَرَ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَوَائِلِ أَنَّ مِنْهُمُ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  فَعَزَلَهُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَّرَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى قِتَالِ الْفُرْسِ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ الْعِرَاقَ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ اخْتَطَّ الْكُوفَةَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا أَمِيرًا إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ فِي قَوْلِ خَلِيفَةَ بْنِ خَيَّاطٍ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ سَنَةَ عِشْرِينَ فَوَقَعَ لَهُ مَعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَا ذُكِرَ قَوْله وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عمارا هُوَ بن يَاسِرٍ قَالَ خَلِيفَةُ اسْتَعْمَلَ عَمَّارًا عَلَى الصَّلَاةِ وبن مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ انْتَهَى وَكَأَنَّ تَخْصِيصَ عَمَّارٍ بِالذِّكْرِ لِوُقُوعِ التَّصْرِيحِ بِالصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا وَقَعَتْ فِيهِ الشَّكْوَى .

     قَوْلُهُ  فَشَكَوْا لَيْسَتْ هَذِهِ الْفَاءُ عَاطِفَةً عَلَى قَوْلِهِ فَعَزَلَهُ بَلْ هِيَ تَفْسِيرِيَّةٌ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ شَكَا عَطْفَ تَفْسِيرٍ وَقَولُهُ فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ اعْتِرَاضٌ إِذِ الشَّكْوَى كَانَتْ سَابِقَةً عَلَى الْعَزْلِ وَبَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ الْمَاضِيَةُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي ظَاهِرُهُ أَنَّ جِهَاتِ الشَّكْوَى كَانَتْ مُتَعَدِّدَةٌ وَمِنْهَا قِصَّةُ الصَّلَاةِ وَصُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوْنٍ الْآتِيَةِ قَرِيبًا فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرَ بن سَعْدٍ وَسَيْفٌ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ حَابَى فِي بَيْعِ خُمُسٍ بَاعَهُ وَأَنَّهُ صَنَعَ عَلَى دَارِهِ بَابًا مُبَوَّبًا مِنْ خَشَبٍ وَكَانَ السُّوقُ مُجَاوِرًا لَهُ فَكَانَ يَتَأَذَّى بِأَصْوَاتِهِمْ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ انْقَطَعَ التَّصْوِيتُ وَذَكَرَ سَيْفٌ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ يُلْهِيهِ الصَّيْدُ عَنِ الْخُرُوجِ فِي السَّرَايَا.

     وَقَالَ  الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ رَفَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ كَشَفَهَا عُمَرُ فَوَجَدَهَا بَاطِلَةً اه وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ عُمَرَ فِي وَصِيَّتِهِ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَوَصَلَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ فَجَاءَ إِلَى عُمَرَ وَسَيَأْتِي تَسْمِيَةُ الرَّسُولِ .

     قَوْلُهُ  يَا أَبَا إِسْحَاقَ هِيَ كُنْيَةُ سَعْدٍ كُنِّيَ بِذَلِكَ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ وَهَذَا تَعْظِيمٌ مِنْ عُمَرَ لَهُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَقْدَحْ فِيهِ الشَّكْوَى عِنْدَهُ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ أَمَّا بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ لِلتَّقْسِيمِ وَالْقَسِيمُ هُنَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ.
وَأَمَّا هُمْ فَقَالُوا مَا قَالُوا وَفِيهِ الْقَسَمُ فِي الْخَبَرِ لِتَأْكِيدِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَجَوَابُ الْقَسَمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ .

     قَوْلُهُ  صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ أَيْ مِثْلَ صَلَاةِ .

     قَوْلُهُ  مَا أَخْرِمُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكسر الرَّاء أَي لَا أنقص وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاهُ أَنَّهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ فَفِعْلُهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ وَاسْتَضْعَفَهُ .

     قَوْلُهُ  أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ كَذَا هُنَا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ لِلْجَمِيعِ غَيْرِ الْجُرْجَانِيِّ فَقَالَ الْعَشِيِّ وَفِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ صَلَاتَيِ الْعِشِيِّ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ لَهُمْ إِلَّا الْكُشْمِيهَنِيَّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِلَفْظِ صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَكَذَا لِزَائِدَةَ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّثْنِيَةُ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَقَعَ التَّثْنِيَةُ فِي الْمَمْدُودِ وَيُرَادُ بِهِمَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ إِنَّمَا لَهَا أُخْرَى وَاحِدَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَبْدَى الْكِرْمَانِيُّ لِتَخْصِيصِ الْعِشَاءِ بِالذِّكْرِ حِكْمَةً وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَتْقَنَ فِعْلَ هَذِهِ الصَّلَاةِ الَّتِي وَقْتُهَا وَقْتُ الِاسْتِرَاحَةِ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ حَسَنٌ وَيُقَالُ مِثَلُهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُمَا وَقْتُ الِاشْتِغَالِ بِالْقَائِلَةِ وَالْمَعَاشِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ شَكْوَاهُمْ كَانَتْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ .

     قَوْلُهُ  فَأَرْكُدُ فِي الْأُولَيَيْنِ قَالَ الْقَزَّازُ أَرْكُدُ أَيْ أُقِيمُ طَوِيلًا أَيْ أُطَوِّلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّطْوِيلُ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَكِنَّ الْمَعْهُودَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْقِرَاءَةِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْأُولَيَيْنِ بِتَحْتَانِيَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ الْأُولَى وَكَذَا الْأُخْرَيَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَأُخِفُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَحْذِفُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِالْمِيمِ بَدَلَ الْفَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْحَذْفِ حَذْفُ التَّطْوِيلِ لَا حَذْفُ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحْذِفُ الرُّكُودَ .

     قَوْلُهُ  ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ أَيْ هَذَا الَّذِي تَقُولُ هُوَ الَّذِي كُنَّا نَظُنُّهُ زَادَ مِسْعَرٌ عَن عبد الْملك وبن عَوْنٍ مَعًا فَقَالَ سَعْدٌ أَتُعَلِّمُنِي الْأَعْرَابُ الصَّلَاةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ شَكَوْهُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوا مَشْرُوعِيَّةَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فَأَنْكَرُوا عَلَى سَعْدٍ التَّفْرِقَةَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَمُّ الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ وَفِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَجْهُ دُخُولِ حَدِيثِ سَعْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَرْكُدُ وَأُخِفُّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ قَالَ إِنَّهَا مِثْلُ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَصَرَهُ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ رُكُودُ الْإِمَامِ يَدُلُّ عَلَى قِرَاءَتِهِ عَادَةً قَالَ بن رَشِيدٍ وَلِهَذَا أَتْبَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثَ سَعْدٍ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ كَالْمُفَسِّرِ لَهُ.

قُلْتُ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هُنَا ذِكْرُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ مِنْ حَدِيثِهِ بَعْدَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ وَإِنَّمَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوُجُوبِ إِذَا ضَمَّ إِلَى مَا ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَيَحْصُلُ التَّطَابُقُ بِهَذَا لِقَوْلِهِ الْقِرَاءَةُ لِلْإِمَامِ وَمَا ذَكَرَ مِنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ.
وَأَمَّا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ وَقِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ فَمِنْ غَيْرِ حَدِيثِ سَعْدٍ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْبَابِ وَقَدْ يُؤْخَذُ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْإِمَامِ فَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي الْبَابِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسئ صَلَاتَهُ وَهُوَ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ لَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْفِيفُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَنِ الْأُولَيَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا كَذَا لَهُمْ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَبَعَثَ عُمَرُ رَجُلَيْنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعَادَهُ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَحْصُلَ لَهُ الْكَشْفُ عَنْهُ بِحَضْرَتِهِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ التُّهْمَةِ لَكِنَّ كَلَامَ سَيْفٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن مَسْأَلَة الصَّلَاة بعد مَا عَادَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْكُوفَةِ وَذَكَرَ سَيْفٌ وَالطَّبَرِيُّ أَنَّ رَسُولَ عُمَرَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْتَصُّ آثَارَ مَنْ شُكِيَ مِنَ الْعُمَّالِ فِي زمن عمر وَحكى بن التِّينِ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ فِي ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ أَرْقَمَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَقَدْ عرف الرّجلَانِ وروى بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مَلِيحِ بْنِ عَوْفٍ السُّلَمِيِّ قَالَ بَعَثَ عُمَرُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةٍ وَأَمَرَنِي بِالْمَسِيرِ مَعَهُ وَكُنْتُ دَلِيلًا بِالْبِلَادِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا وَأَقَامَ سَعْدًا فِي مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ جَرِيرٍ فَطِيفَ بِهِ فِي مَسَاجِدِ الْكُوفَةِ .

     قَوْلُهُ  وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ مَعْرُوفا فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَكُلُّهُمْ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْرًا .

     قَوْلُهُ  لِبَنِي عَبْسٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ قَيْسٍ .

     قَوْلُهُ  أَبَا سَعْدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ زَادَ سَيْفٌ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أُنْشِدُ اللَّهَ رَجُلًا يَعْلَمُ حَقًّا إِلَّا قَالَ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَسِيمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  نَشَدْتَنَا أَيْ طَلَبْتَ مِنَّا الْقَوْلَ .

     قَوْلُهُ  لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالسَّرِيَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ أَيْ لَا يَسِيرُ بِالطَّرِيقَةِ السَّرِيَّةِ أَيِ الْعَادِلَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَعْدِلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ جَرِيرٍ وَسُفْيَانُ بِلَفْظٍ وَلَا يَنْفِرُ فِي السَّرِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  فِي الْقَضِيَّةِ أَيِ الْحُكُومَةِ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَسَيْفٍ فِي الرَّعِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سَعْدٌ فِي رِوَايَة جرير فَغَضب سعد وَحكى بن التِّين أَنه قَالَ لَهُ أَعَلَيَّ تَسْجَعُ .

     قَوْلُهُ  أَمَا وَاللَّهِ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ .

     قَوْلُهُ  لَأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ أَيْ عَلَيْكَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَفَى عَنْهُ الْفَضَائِلَ الثَّلَاثَ وَهِيَ الشَّجَاعَةُ حَيْثُ قَالَ لَا يَنْفِرُ وَالْعِفَّةُ حَيْثُ قَالَ لَا يَقْسِمُ وَالْحِكْمَةُ حَيْثُ قَالَ لَا يَعْدِلُ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالدِّينِ فَقَابَلَهَا بِمِثْلِهَا فَطُولُ الْعُمْرِ يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ وَطُولُ الْفَقْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ وَالْوُقُوعُ فِي الْفِتَنِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ وَلَمَّا كَانَ فِي الثِّنْتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ عَنْهُ دُونَ الثَّالِثَةِ قَابَلَهُمَا بِأَمْرَيْنِ دُنْيَوِيَّيْنِ وَالثَّالِثَةَ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَنْفِرُ بِالسَّرِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَكِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إِقَامَتِهِ لِيُرَتِّبَ مَصَالِحَ مَنْ يَغْزُو وَمَنْ يُقِيمُ أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَمَا وَقع لَهُ فِي الْقَادِسِيَّةِ وَقَولُهُ لَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَإِنَّ لِلْإِمَامِ تَفْضِيلَ أَهْلِ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ وَقَولُهُ لَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ هُوَ أَشَدُّهَا لِأَنَّهُ سَلَبَ عَنْهُ الْعَدْلَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ قَدْحٌ فِي الدِّينِ وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنَّ سَعْدًا مَعَ كَوْنِ هَذَا الرَّجُلِ وَاجَهَهُ بِهَذَا وَأَغْضَبَهُ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِ فِي حَالِ غَضَبِهِ رَاعَى الْعَدْلَ وَالْإِنْصَافَ فِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ إِذْ عَلَّقَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا وَأَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَرَضُ الدُّنْيَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  رِيَاءً وَسُمْعَةً أَيْ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ فَيُشْهِرُوا ذَلِكَ عَنْهُ فَيَكُونَ لَهُ بِذَلِكَ ذِكْرٌ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَأَطِلْ فَقْرَهُ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَشَدِّدْ فَقْرَهُ وَفِي رِوَايَةِ سَيْفٍ وَأَكْثِرْ عِيَالَهُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي الدَّعَوَاتِ الثَّلَاثِ مُنَاسَبَةٌ لِلْحَالِ أَمَّا طُولُ عُمْرِهِ فَلِيَرَاهُ مَنْ سَمِعَ بِأَمْرِهِ فَيَعْلَمَ كَرَامَةَ سَعْدٍ.
وَأَمَّا طُولُ فَقْرِهِ فَلِنَقِيضِ مَطْلُوبِهِ لِأَنَّ حَالَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ طَلَبَ أَمْرًا دُنْيَوِيًّا.
وَأَمَّا تَعَرُّضُهُ لِلْفِتَنِ فَلِكَوْنِهِ قَامَ فِيهَا وَرَضِيَهَا دُونَ أَهْلِ بَلَدِهِ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ بَعْدُ أَيْ أَبُو سَعْدَةَ وَقَائِلُ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ بَيَّنَهُ جَرِيرٌ فِي رِوَايَتِهِ قَوْله إِذا سُئِلَ فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ إِذْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَنْتَ .

     قَوْلُهُ  شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ قِيلَ لَمْ يَذْكُرِ الدَّعْوَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ الْفَقْرُ لَكِنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قُلْتُ قَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ وَلَفْظُهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَتَعَرَّضُ لِلْإِمَاءِ فِي السِّكَكِ فَإِذَا سَأَلُوهُ قَالَ كَبِيرٌ فَقِيرٌ مَفْتُونٌ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ جَرِيرٍ فَافْتَقَرَ وَافْتُتِنَ وَفِي رِوَايَةِ سَيْفٍ فَعَمِيَ وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ عَشْرُ بَنَاتٍ وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِحِسِّ الْمَرْأَةِ تَشَبَّثَ بِهَا فَإِذَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ دَعْوَة الْمُبَارك سعد وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَلَا تَكُونُ فِتْنَةٌ إِلَّا وَهُوَ فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوُ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ وَأَدْرَكَ فِتْنَةَ الْمُخْتَارِ فَقُتِلَ فِيهَا رَوَاهُ الْمُخَلِّصُ فِي فَوَائده وَمن طَرِيقه بن عَسَاكِرَ وَفِي رِوَايَةِ سَيْفٍ أَنَّهُ عَاشَ إِلَى فِتْنَةِ الْجَمَاجِمِ وَكَانَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَكَانَتْ فِتْنَةُ الْمُخْتَارِ حِينَ غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ سبع وَسِتِّينَ قَوْله دَعْوَة سعد أفردها لارداة الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَ دَعَوَاتٍ وَكَانَ سَعْدٌ مَعْرُوفًا بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قِيلَ لِسَعْدٍ مَتَى أَصَبْتَ الدَّعْوَةَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ عَزْلِ الْإِمَامِ بَعْضَ عُمَّالِهِ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إِذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ الْمَصْلَحَةُ قَالَ مَالِكٌ قَدْ عَزَلَ عُمَرُ سَعْدًا وَهُوَ أَعْدَلُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ عُمَرَ عَزَلَهُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفِتْنَةِ فَفِي رِوَايَةِ سَيْفٍ قَالَ عُمَرُ لَوْلَا الِاحْتِيَاطُ وَأَنْ لَا يُتَّقَى مِنْ أَمِيرٍ مِثْلِ سَعْدٍ لَمَا عَزَلْتُهُ وَقِيلَ عَزَلَهُ إِيثَارًا لِقُرْبِهِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَقِيلَ لِأَنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَمِرُّ بِالْعَامِلِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفُوا هَلْ يُعْزَلُ الْقَاضِي بِشَكْوَى الْوَاحِدِ أَوِ الِاثْنَيْنِ أَوْ لَا يُعْزَلُ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْأَكْثَرُ عَلَى الشَّكْوَى مِنْهُ وَفِيهِ اسْتِفْسَارُ الْعَامِلِ عَمَّا قِيلَ فِيهِ وَالسُّؤَالُ عَمَّنْ شُكِيَ فِي مَوْضِعِ عَمَلِهِ وَالِاقْتِصَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ الْفَضْلُ وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مِمَّنْ يُجَاوِرُهُ وَأَنَّ تَعْرِيضَ الْعَدْلِ لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ لَا يُنَافِي قَبُولَ شَهَادَتِهِ فِي الْحَالِ وَفِيهِ خِطَابُ الرَّجُلِ الْجَلِيلِ بِكُنْيَتِهِ وَالِاعْتِذَارُ لِمَنْ سمع فِي حَقه كَلَام يسوؤه وَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الِافْتِرَاءِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ السَّبُّ وَالِافْتِرَاءُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ دَفْعُ الضَّرَرِ فَيُعَزَّرُ قَائِلُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ لَمْ يَطْلُبْ حَقَّهُ مِنْهُمْ أَوْ عَفَا عَنْهُمْ وَاكْتَفَى بِالدُّعَاءِ عَلَى الَّذِي كَشَفَ قِنَاعَهُ فِي الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ صَارَ كَالْمُنْفَرِدِ بِأَذِيَّتِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ فَقَدِ انْتَصَرَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِ بِأَنْ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا فَانْتَصَرَ لِنَفْسِهِ وَرَاعَى حَالَ مَنْ ظَلَمَهُ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ وُفُورِ الدِّيَانَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ إِنَّمَا دَعَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّهُ قَدِ انْتَصَرَ لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ الْمُعَيَّنِ بِمَا يَسْتَلْزِمُ النَّقْصَ فِي دِينِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ طَلَبِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى نِكَايَةِ الظَّالِمِ وَعُقُوبَتِهِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَشْرُوعِيَّةُ طَلَبِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَسْتَلْزِمُ ظُهُورَ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم الْآيَةَ وَفِيهِ سُلُوكُ الْوَرَعِ فِي الدُّعَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الطُّولِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ





[ قــ :735 ... غــ :756] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ وَلِابْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِالْإِسْنَادِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بن كيسَان عَن بن شِهَابٍ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أَخْبَرَهُ وَبِهَذَا التَّصْرِيحِ بِالْإِخْبَارِ يَنْدَفِعُ تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ لِكَوْنِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَدْخَلَ بَيْنَ مَحْمُودٍ وَعُبَادَةَ رَجُلًا وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ .

     قَوْلُهُ  لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ فِيهَا كَذَا فِي مُسْنَدِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا لِابْنِ أَبِي عُمَرَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلِقُتَيْبَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَهَذَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقِرَاءَةُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ قَالَ عِيَاضٌ قِيلَ يُحْمَلُ عَلَى نَفْيِ الذَّاتِ وَصِفَاتِهَا لَكِنَّ الذَّاتَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ فَيُخَصُّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ وَنُوزِعَ فِي تَسْلِيمِ عَدَمِ نَفْيِ الذَّاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ إِنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الشَّارِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِهِ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ لِكَوْنِهِ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ لَا لِبَيَانِ مَوْضُوعَاتِ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ اسْتَقَامَ دَعْوَى نَفْيِ الذَّاتِ فَعَلَى هَذَا لَا يُحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ الْإِجْزَاءِ وَلَا الْكَمَالِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْإِجْمَالِ كَمَا نُقِلَ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى مَالَ إِلَى التَّوَقُّفِ لِأَنَّ نَفْيَ الْكَمَالِ يُشْعِرُ بِحُصُولِ الْإِجْزَاءِ فَلَوْ قُدِّرَ الْإِجْزَاءُ مُنْتَفِيًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ قُدِّرَ ثَابِتًا لِأَجْلِ إِشْعَارِ نَفْيِ الْكَمَال بِثُبُوتِهِ فيتناقض وَلَا سَبِيل إِلَى إِضْمَار هما مَعًا لِأَنَّ الْإِضْمَارَ إِنَّمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِإِضْمَارِ فَرْدٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهُ وَدَعْوَى إِضْمَارِ أَحَدِهِمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى من الآخر قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ نَظَرٌ لِأَنَّا إِنْ سَلَّمْنَا تَعَذُّرَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازَيْنِ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنَ الْحَمْلِ عَلَى أَبْعَدِهِمَا وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ أَقْرَبُ إِلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَيَكُونُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَحَدُ الْأَثْبَاتِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ أخرجه بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْ أخرج بن خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَة فَاتِحَة الْكتاب فَلَا يمْتَنع أَنْ يُقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ لَا صَلَاةَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا تُصَلُّوا إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَنَظِيرُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ بِحَضْرَة الطَّعَام فَإِنَّهُ فِي صَحِيح بن حِبَّانَ بِلَفْظِ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنِ الْقَاسِمِ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ عَن يَعْقُوب بِهِ وَأخرج لَهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْحَنَفِيَّةُ لَكِنْ بَنَوْا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ أَنَّهَا مَعَ الْوُجُوبِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا إِنَّمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَالَّذِي لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ عِنْدَهُمْ لَا يَثْبُتُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْقُرْآنِ وَقد قَالَ تَعَالَى فاقرؤوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن فَالْفَرْضُ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ وَتَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ فَيَكُونُ وَاجِبًا يَأْثَمُ مَنْ يَتْرُكُهُ وَتُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ لَا يَنْقَضِي عَجَبِي مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ تَرْكَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مِنْهُمْ وَتَرْكَ الطُّمَأْنِينَةِ فَيُصَلِّي صَلَاةً يُرِيدُ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَتَعَمَّدُ ارْتِكَابَ الْإِثْمِ فِيهَا مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ مُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِ غَيْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ تُسَمَّى صَلَاةً لَوْ تَجَرَّدَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا يَقْتَضِي حُصُولَ اسْمِ قِرَاءَتِهَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ الظُّهْرَ مَثَلًا كُلَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ حَيْثُ سَمَّى الْمَكْتُوبَاتِ خَمْسًا وَكَذَا حَدِيثُ عُبَادَةَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الصَّلَاةِ عَلَى رَكْعَةٍ مِنْهَا يَكُونُ مَجَازًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةُ مَفْهُومٍ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ خَارِجٌ مَنْطُوقٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَانَ مُقَدَّمًا انْتَهَى.

     وَقَالَ  بِمُقْتَضَى هَذَا الْبَحْث الْحسن الْبَصْرِيّ رَوَاهُ عَنهُ بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَد وبن حِبَّانَ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ لَهُ عَقِبَ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَمْ جَهَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَلَاةُ حَقِيقَةٍ فَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقِرَاءَةِ إِلَّا إِنْ جَاءَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ فَيُقَدَّمُ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا كَالْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ وَعَلَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُنْصِتُ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ أَوْ يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ السُّكُوتُ فِي الْجَهْرِيَّةِ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ لِئَلَّا يُوقِعَهُ فِي ارْتِكَابِ النَّهْيِ حَيْثُ لَا يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَقَدْ ثَبَتَ الْإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِغَيْرِ قَيْدٍ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْفجْر فَلَمَّا فرغ قَالَ لَعَلَّكُمْ تقرؤون خَلْفَ إِمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مُخْتَصر مِنْ هَذَا وَكَانَ هَذَا سَبَبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ بن حِبَّانَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ مَنْ مَضَى كَانَ الْإِمَامُ يَسْكُتُ سَاعَةً قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَائِدَةٌ زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فَصَاعِدًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى الْفَاتِحَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدا وَادّعى بن حِبَّانَ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِثُبُوتِهِ عَنْ بعض الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فِيمَا رَوَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ الْأَمْرَ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآن أَجْزَأت وَلابْن خُزَيْمَة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ لم يقْرَأ فيهمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ بَابًا وَمَوْضِعُ الْحَاجَةِ مِنْهُ هُنَا





[ قــ :736 ... غــ :757] .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بإيراده عَقِبَ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ إِنَّمَا تَتَحَتَّمُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا يَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَنَّ إِطْلَاقَ الْقِرَاءَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدٌ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ التَّخْيِيرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِمَنْ أَحْسَنَهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ثُمَّ عَيَّنَتِ السُّنَّةُ الْمُرَادَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ .

     قَوْلُهُ  مَا تَيَسَّرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ أَوْ عَلَى مَا زَادَ مِنَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا تَيَسَّرَ لَا إِجْمَالَ فِيهِ حَتَّى يُبَيَّنَ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَاتِحَةِ يُنَافِي التَّيْسِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مُتَيَسِّرَةٌ وَهِيَ أَقْصَرُ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّيْسِيرُ فِي الْفَاتِحَةِ.
وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَا زَادَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عَجَزَ فَبَعِيدٌ وَالْجَوَابُ الْقَوِيُّ عَنْ هَذَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ تَفْسِيرُ مَا تَيَسَّرَ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رَفَعَهُ وَإِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِيهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ثُمَّ اقْرَأْ إِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ كَانَ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْأَصْلُ لِمَنْ مَعَهُ قُرْآنٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَرَأَ مَا تَيَسَّرَ وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الذِّكْرِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَمَا تيَسّر