فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب سنة الجلوس في التشهد

( قَولُهُ بَابُ سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ)
أَيِ السُّنَّةُ فِي الْجُلُوسِ الْهَيْئَةُ الْآتِي ذِكْرُهَا وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ نَفْسَ الْجُلُوسِ سُنَّةٌ وَيَحْتَمِلُ إِرَادَتَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ أَعم مِنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ضَمَّنَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ سِتَّةَ أَحْكَامٍ وَهِيَ أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ غَيْرُ مُطْلَقِ الْجُلُوسِ وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سُنَّةٌ وَأَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَأَنَّ ذَا الْعِلْمِ يُحْتَجُّ بِعَمَلِهِ اه وَهَذَا الْأَخِيرُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا ضُمَّ أَثَرُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ إِلَى التَّرْجَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَأَثَرُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُول بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُ قَوْلُ مَكْحُولٍ فِي آخِرِهِ وَكَانَتْ فَقِيهَةً فَجَزَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ لَا مِنْ كَلَامِ مَكْحُولٍ فَقَالَ مُغَلْطَايْ الْقَائِلُ وَكَانَتْ فَقِيهَةً هُوَ الْبُخَارِيُّ فِيمَا أرى وَتَبعهُ شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فَقَالَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ اه وَلَيْسَ كَمَا قَالَا فَقَدْ رَوَيْنَاهُ تَامًّا فِي مُسْنَدِ الْفِرْيَابِيِّ أَيْضًا بِسَنَدِهِ إِلَى مَكْحُولٍ وَمِنْ طَرِيقَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الدَّلِيلَ إِذَا كَانَ عَامًّا وَعَمِلَ بِعُمُومِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رُجِّحَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَعُرِفَ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُمِّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى التَّابِعِيَّةُ لَا الْكُبْرَى الصَّحَابِيَّةُ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الصُّغْرَى وَلَمْ يُدْرِكِ الْكُبْرَى وَعَمَلُ التَّابِعِيِّ بِمُفْرَدِهِ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كَذَلِكَ وَلَمْ يُورِدِ الْبُخَارِيُّ أَثَرَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ لِيَحْتَجَّ بِهِ بَلْ لِلتَّقْوِيَةِ



[ قــ :805 ... غــ :827] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَي بن عُمَرَ وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ سُمِّيَ بِاسْمِ أَبِيهِ وَكُنِّيَ بِكُنْيَتِهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ أَخْبَرَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَمَلَهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فَأَدْخَلَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِيهِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَالِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَيَّنَ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ فَكَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْهُ ثُمَّ لَقِيَهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ مَعَهُ وَثَبَّتَهُ فِيهِ أَبُوهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَثْنِي الْيُسْرَى لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا يَصْنَعُ بَعْدَ ثَنْيِهَا هَلْ يَجْلِسُ فَوْقَهَا أَوْ يَتَوَرَّكُ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ مَا أُجْمِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِتَصْرِيحِهِ فِيهَا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الرَّفْعِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ وَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ قَدْ يُقَالُ إِنَّهَا لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ لِأَنَّ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ جُلُوس بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى فَإِذَا حُمِلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ انْتَفَى عَنْهُمَا التَّعَارُضُ وَوَافَقَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ أَي التربع قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفُوا فِي التَّرَبُّعِ فِي النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ لِلْمَرِيضِ.
وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَبُّعُ فِي الْفَرِيضَةِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ كَذَا قَالَ وروى بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَأَنْ أَقْعُدَ عَلَى رَضَفَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْعُدَ مُتَرَبِّعًا فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِهِ عِنْدَهُ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ سنة فَلَعَلَّ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرَادَ بِنَفْيِ الْجَوَازِ إِثْبَاتَ الْكَرَاهَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ رِجْلِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةٍ حَكَاهَا بن التِّينِ إِنَّ رِجْلَايَ وَوَجَّهَهَا عَلَى أَنَّ إِنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ رِجْلَايَ لَا تَحْمِلَانِي أَوْ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ وَلَهَا وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَدْ ذَكَرْتُ الْأَوْجُهَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ إِنْ هَذَانِ لساحران .

     قَوْلُهُ  لَا تَحْمِلَانِّي بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ قَوْله عَن خَالِد هُوَ بن يَزِيدَ الْجُمَحِيُّ الْمِصْرِيُّ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ





[ قــ :806 ... غــ :88] .

     قَوْلُهُ  قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمَذْكُورُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْنَ اللَّيْثِ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى اثْنَيْنِ وَبَيْنَهُمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاسِطَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ مِصْرِيٌّ مَعْرُوفٌ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفِيقُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ مَدَنِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ وَكُلُّ مَنْ فَوْقَهُمْ مَدَنِيٌّ أَيْضًا فَالْإِسْنَادُ دَائِرٌ بَيْنَ مَدَنِيٍّ وَمِصْرِيٍّ وَأَرْدَفَ الرِّوَايَةَ النَّازِلَةَ بِالرِّوَايَةِ الْعَالِيَةِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرُبَّمَا وَقع لَهُم ضِدُّ ذَلِكَ لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ مَعَ نَفَرٍ وَكَذَا اخْتُلِفَ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ فَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنْهُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ رَأَيْتُ أَبَا حُمَيْدٍ مَعَ عَشَرَةٍ وَلَفْظُ مَعَ يُرَجِّحُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي لَفْظِ فِي لِأَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِأَنْ يَكُونَ أَبُو حُمَيْدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ إِنَّ رِوَايَةَ اللَّيْثِ ظَاهِرَةٌ فِي اتِّصَالِهِ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي حُمَيْدٍ وَرِوَايَةُ عبد الحميد صَرِيحَة فِي ذَلِك وَزعم بن الْقَطَّانِ تَبَعًا لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عِيسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ ثَانِيهُمَا أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ تَسْمِيَةَ أَبِي قَتَادَةَ فِي الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ وَأَبُو قَتَادَةَ قَدِيمُ الْمَوْتِ يَصْغُرُ سِنَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ إِدْرَاكِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَضُرُّ الثِّقَةُ الْمُصَرَّحُ بِسَمَاعِهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْخِهِ وَاسِطَةٌ إِمَّا لِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَإِمَّا لِيَثْبُتَ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمَذْكُورُ بِسَمَاعِهِ فَتَكُونُ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْهُ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ التَّارِيخِ إِنَّ أَبَا قَتَادَةَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَكَانَ قَتْلُ عَلِيٍّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ مَاتَ بَعْدَ سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً فَعَلَى هَذَا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا قَتَادَةَ وَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ مَوْتِهِ فَقِيلَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَعَلَى هَذَا فَلِقَاءُ مُحَمَّدٍ لَهُ مُمْكِنٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَ مِقْدَارَ عُمْرِهِ أَوْ وَقْتَ وَفَاتِهِ وَهِمَ أَوِ الَّذِي سَمَّى أَبَا قَتَادَةَ فِي الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ وَهِمَ فِي تَسْمِيَتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ غَلَطًا لِأَنَّ غَيْرَهُ مِمَّنْ رَوَاهُ مَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَوْ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ قَدْ وَافَقَهُ فَائِدَةٌ سُمِّيَ مِنَ النَّفَرِ الْمَذْكُورِينَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ مَعَ أَبِي حُمَيْدٍ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَسُمِّيَ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُونَ سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَذُكِرَ بَدَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد وَغَيره وَسمي مِنْهُم فِي رِوَايَة بن إِسْحَاق عَن عَبَّاس عِنْد بن خُزَيْمَةَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَبُو قَتَادَةَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَةً كَمَا تقدم وَلم أَقف على تَسْمِيَة الباقيين وَقَدِ اشْتَمَلَ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا عَلَى جُمْلَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَأُبَيِّنُ مَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ اللَّيْثِ مِنَ الزِّيَادَةِ نَاسِبًا كُلَّ زِيَادَةٍ إِلَى مُخَرِّجِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَشَرْتُ قَبْلُ إِلَى مَخَارِجِ الْحَدِيثِ لَكِنَّ سِيَاقَ اللَّيْثِ فِيهِ حِكَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ لِصِفَةِ الصَّلَاةِ بِالْقَوْلِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ وَنَحْوُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَوَافَقَهُمَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ وَخَالَفَ الْجَمِيعَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبَّاسٍ فَحَكَى أَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ وَصَفَهَا بِالْفِعْلِ وَلَفْظُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وبن حِبَّانَ قَالُوا فَأَرِنَا فَقَامَ يُصَلِّي وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَبَدَأَ فَكَبَّرَ الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ وَصَفَهَا مَرَّةً بِالْقَوْلِ وَمَرَّةً بِالْفِعْلِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا جَمَعْنَا بِهِ أَوَّلًا فَإِنَّ عِيسَى الْمَذْكُورَ هُوَ الَّذِي زَادَ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ فَكَأَنَّ مُحَمَّدًا شَهِدَ هُوَ وَعَبَّاسٌ حِكَايَةَ أَبِي حُمَيْدٍ بِالْقَوْلِ فَحَمَلَهَا عَنْهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَكَأَنَّ عَبَّاسًا شَهِدَهَا وَحْدَهُ بِالْفِعْلِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَطَاءٍ فَحَدَّثَ بِهَا كَذَلِكَ وَقَدْ وَافَقَ عِيسَى أَيْضًا عَنْهُ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ لَكِنَّهُ أَبْهَمَ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ بن خُزَيْمَة أخرج من طَرِيق بن إِسْحَاقَ أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ سَهْلٍ حَدَّثَهُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِصِفَةِ الْفِعْلِ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ زَادَ عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالُوا فَلِمَ فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ بِأَكْثَرِنَا لَهُ اتِّبَاعًا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ إِتْيَانًا وَلَا أَقْدَمَنَا لَهُ صُحْبَةً وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالُوا فَكَيْفَ قَالَ اتَّبَعْتُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى حَفِظْتُهُ زَادَ عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالُوا فَأَعْرض وَفِي رِوَايَته عِنْد بن حِبَّانَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَزَاد فليح عِنْد بن خُزَيْمَةَ فِيهِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ .

     قَوْلُهُ  جَعَلَ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه زَاد بن إِسْحَاقَ ثُمَّ قَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ بِالْهَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ ثَنَاهُ فِي اسْتِوَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيسٍ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى غَيْرَ مُقْنِعٍ رَأْسَهُ وَلَا مُصَوِّبَهُ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأنَهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَتَجَافَى عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَهُ فِي رِوَايَة بن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى زَادَ عِيسَى عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ وَزَادَ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ الْفَقَارُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَافِ جَمْعُ فَقَارَةٍ وَهِيَ عِظَامُ الظَّهْرِ وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا خَرَزُ الظَّهْرِ قَالَهُ الْقَزَّازُ.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ هِيَ مِنَ الْكَاهِلِ إِلَى الْعَجْبِ وَحَكَى ثَعْلَب عَن نَوَادِر بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ عِدَّتَهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَفِي أَمَالِي الزَّجَّاجِ أُصُولُهَا سَبْعٌ غَيْرُ التَّوَابِعِ وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ هِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَبْعٌ فِي الْعُنُقِ وَخَمْسٌ فِي الصُّلْبِ وَبَقِيَّتُهَا فِي أَطْرَافِ الْأَضْلَاعِ وَحَكَى فِي الْمَطَالِعِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْح الْفَاء وَلَا بن السَّكَنِ بِكَسْرِهَا وَالصَّوَابُ بِفَتْحِهَا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فِي آخِرَ الْحَدِيثِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ كَمَالُ الِاعْتِدَالِ وَفِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ ثُمَّ يَمْكُثُ قَائِمًا حَتَّى يَقَعَ كُلُّ عَظْمٍ مَوْقِعَهُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ أَيْ لَهُمَا وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ ذِرَاعَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا قَابِضَهُمَا أَيْ بِأَنْ يَضُمَّهُمَا إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى فَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ عُتْبَةَ الْمَذْكُورَةِ وَلَا حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ جَافَى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ فَاعْلَوْلَى عَلَى جَنْبَيْهِ وَرَاحَتَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ مَا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ ثَبَتَ حَتَّى اطْمَأَنَّ كُلُّ عَظْمٍ مِنْهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَاعْتَدَلَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بِلَفْظِ ثُمَّ كَبَّرَ فَجَلَسَ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْأُخْرَى ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ وَهَذَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ وَيُقَوِّي رِوَايَةَ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَرِوَايَةَ فُلَيْحٍ عِنْدَ بن حِبَّانَ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا هَكَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ خِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَفْظُهُ فَاعْتَدَلَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّعَدُّدِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَرْجَحُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَيِ الْأُولَيَيْنِ لِيَتَشَهَّدَ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ وَوَضَعَ كَفَّهُ اليمني عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ إِلَى الْقِيَامِ قَامَ بِتَكْبِيرَةٍ وَهَذَا يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ رِوَايَةَ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَيْثُ قَالَ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَاقِعٌ عَلَى صِفَةِ التَّكْبِيرِ لَا عَلَى مَحَلِّهِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِذَا قَامَ أَيْ أَرَادَ الْقِيَامَ أَوْ شَرَعَ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا التَّسْلِيم وَفِي رِوَايَته عِنْد بن حِبَّانَ الَّتِي تَكُونُ خَاتِمَةَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ زَادَ بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ سَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فَلَمَّا سَلَّمَ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ شِمَالِهِ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ قَالُوا أَيِ الصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ صَدَقْتَ هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ يَتَوَرَّكُ فِيهِمَا كَمَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَعَكَسَهُ الْآخَرُونَ وَقَدْ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا رَآهُ عَلِمَ قَدْرَ مَا سُبِقَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّدَ الصُّبْحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ اخْتِصَاصُ التَّوَرُّكِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا جَوَازُ وَصْفِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ إِذَا أَمِنَ الْإِعْجَابَ وَأَرَادَ تَأْكِيدَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ لِمَا فِي التَّعْلِيمِ وَالْأَخْذِ عَنِ الْأَعْلَمِ مِنَ الْفَضْلِ وَفِيهِ أَنَّ كَانَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا يَأْتِي لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ وَأَرَادَ استمراره على ذَلِك أَشَارَ إِلَيْهِ بن التِّينِ وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الْمُتَلَقَّاةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُبَّمَا تَذَكَّرَهُ بَعْضُهُمْ إِذَا ذُكِرَ وَفِي الطُّرُقِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَى زِيَادَتِهَا جُمْلَةٌ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ ظَاهِرَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ وَتَفَهَّمَهُ .

     قَوْلُهُ  وَسَمِعَ اللَّيْثُ إِلَخْ إِعْلَامٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْعَنْعَنَةَ الْوَاقِعَةَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ وَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَوَهِمَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ كَلَامُ يَحْيَى بْنِ بكير وَقد وَقع التَّصْرِيح بتحديث بن حلحلة ليزِيد فِي رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ الثَّانِي عَنِ الْيَزِيدَيْنِ كَذَلِكَ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مُطَّلِبِ بْنِ شُعَيْبٍ وبن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَوَهِمَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ أَبَا صَالح هُنَا هُوَ بن عَبْدِ الْغَفَّارِ الْحَرَّانِيُّ .

     قَوْلُهُ  كُلُّ قَفَارٍ ضُبِطَ فِي رِوَايَتِنَا بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ وَكَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَعِنْدَ الْبَاقِينَ بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ كَرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَنَّهُمْ كَسَرُوا الْفَاءَ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ تَقْدِيم الْقَاف تَصْحِيف.

     وَقَالَ  بن التِّينِ لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن الْمُبَارَكِ إِلَخْ وَصَلَهُ الْجَوْزَقِيُّ فِي جَمْعِهِ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِهِ وَجَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاة كلهم من طَرِيق بن الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَوَقَعَ عِنْدَهُمْ بِلَفْظِ حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ وَهِيَ نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ كُلُّ فَقَارِهِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَقِيلَ بِهَاءِ الضَّمِيرِ وَقِيلَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ حَتَّى تَعُودَ كُلُّ عَظْمَةٍ مِنْ عِظَامِ الظَّهْرِ مَكَانَهَا وَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ حَتَّى يَعُودَ جَمِيعُ عِظَامِ ظَهْرِهِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَفِيهَا إِشْكَالٌ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ عَلَى لَفْظِ الْفَقَارِ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ عِظَامٍ مَكَانَهَا أَو اسْتعْمل الفقار للْوَاحِد تجوزا