فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

( قَولُهُ بَابُ الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَمَعَ فِي التَّرْجَمَةِ بَيْنَ الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَاكِثِ فِي مُصَلَّاهُ إِذَا انْفَتَلَ لِاسْتِقْبَالِ الْمَأْمُومِينَ وَبَيْنَ الْمُتَوَجِّهِ لِحَاجَتِهِ إِذَا انْصَرَفَ إِلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَخْ وَصَلَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كَانَ أَنَسٌ فَذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى ذَلِكَ أَنْ لَا يَنْفَتِلَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ وَيَقُولُ يَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ وَقَولُهُ يَتَوَخَّى بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ يَقْصِدُ وَقَولُهُ أَوْ يَعْمِدُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي.

قُلْتُ وَظَاهِرُ هَذَا الْأَثَرِ عَنْ أَنَسٍ يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ عَنْ يَمِينِي أَوْ عَنْ يَسَارِي قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَنَسًا عَابَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحَتُّمَ ذَلِكَ وَوُجُوبَهُ.
وَأَمَّا إِذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَجِهَةُ الْيَمِينِ أَوْلَى



[ قــ :827 ... غــ :852] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُمَارَةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ عُمَيْرٍ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كُوفِيُّونَ فِي نسق آخِرهم الْأسود وَهُوَ بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا يَجْعَلْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَجْعَلَنَّ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّأْكِيدِ .

     قَوْلُهُ  شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ .

     قَوْلُهُ  يَرَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَعْتَقِدُ وَيَجُوزُ الضَّمُّ أَيْ يُظَنُّ وَقَولُهُ أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ هُوَ بَيَانٌ لِلْجَعْلِ فِي قَوْلِهِ لَا يَجْعَلْ .

     قَوْلُهُ  أَنْ لَا يَنْصَرِفَ أَيْ يَرَى أَنَّ عَدَمَ الِانْصِرَافِ حَقٌّ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنِ ابْتِدَائِهِ بِالنَّكِرَةِ قَالَ أَوْ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَخْصُوصَةَ كَالْمَعْرُوفَةِ .

     قَوْلُهُ  كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فَلَا تُعَارِضُ حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فَظَاهِرَةُ التَّعَارُضِ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي كُلِّ مِنْهُمَا بِصِيغَةِ أَفْعَلَ قَالَ النَّوَوِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا فَأَخْبَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا اعْتقد أَنه الْأَكْثَر وَإِنَّمَا كره بن مَسْعُودٍ أَنْ يُعْتَقَدَ وُجُوبُ الِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ.

قُلْتُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَثَرِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا عَنْ أَنَسٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَن يحمل حَدِيث بن مَسْعُودٍ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ وَيُحْمَلَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ كَحَالِ السَّفَرِ ثُمَّ إِذَا تعَارض اعْتِقَاد بن مَسْعُود وَأنس رجح بن مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ وَأَسَنُّ وَأَجَلُّ وَأَكْثَرُ مُلَازَمَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبُ إِلَى مَوْقِفِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَسٍ وَبَانَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَنَسٍ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَهُوَ السُّدِّيُّ وَبِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَنَسٍ فى الْأَمريْنِ وَبِأَن رِوَايَة بن مَسْعُودٍ تُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَى جِهَةِ يَسَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ نَظَرَ إِلَى هَيْئَتِهِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قَالَ كَانَ أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَمِينِهِ نَظَرَ إِلَى هَيْئَتِهِ فِي حَالَةِ اسْتِقْبَالِهِ الْقَوْمَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ الِانْصِرَافُ بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ الِانْصِرَافُ إِلَى جِهَةِ حَاجَتِهِ لَكِنْ قَالُوا إِذَا اسْتَوَتِ الْجِهَتَانِ فِي حَقِّهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ التَّيَامُنِ كَحَدِيثِ عَائِشَة الْمُتَقَدّم فِي كتاب الطَّهَارَة قَالَ بن الْمُنِير فِيهِ أَن المندوبات قد تقلب مَكْرُوهَاتٍ إِذَا رُفِعَتْ عَنْ رُتْبَتِهَا لِأَنَّ التَّيَامُنَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَيْ مِنْ أُمُورِ الْعِبَادَة لَكِن لما خشِي بن مَسْعُودٍ أَنْ يَعْتَقِدُوا وُجُوبَهُ أَشَارَ إِلَى كَرَاهَتِهِ وَالله أعلم