فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدهن للجمعة

( قَولُهُ بَابُ الدَّهْنِ لِلْجُمُعَةِ)
أَيِ اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الدَّالِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِير



[ قــ :857 ... غــ :883] قَوْله عَن بن وَدِيعَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ سَمَّاهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيّ عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ تَابِعِيّ جليل وَقد ذكره بن سعد فِي الصَّحَابَة وَكَذَا بن مَنْدَهْ وَعَزَاهُ لِأَبِي حَاتِمٍ وَمُسْتَنَدُهُمْ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدًا لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ الْوَاسِطَةِ وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَتَبَّعَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سَعِيدٍ المَقْبُري فَرَوَاهُ بن أبي ذِئْب عَنهُ هَكَذَا وَرَوَاهُ بن عَجْلَانَ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بَدَلُ سَلْمَانَ وَأَرْسَلَهُ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ سَلْمَانَ وَلَا أَبَا ذَرٍّ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اه وَرِوَايَة بن عجلَان الْمَذْكُور عِنْد بن مَاجَهْ وَرِوَايَةُ أَبِي مَعْشَرٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَرِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فَأَمَّا بن عجلَان فَهُوَ دون بن أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحِفْظِ فَرِوَايَتُهُ مَرْجُوحَةٌ مَعَ أَنه يحْتَمل أَن يكون بن وَدِيعَةَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ جَمِيعًا وَيُرَجِّحُ كَوْنَهُ عَنْ سَلْمَانَ وُرُودُهُ مِنْ وَجْهٍ آخر عَنهُ أخرجه النَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ قَرْثَعٍ الضَّبِّيِّ وَهُوَ بِقَافٍ مَفْتُوحَةِ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ قَالَ وَكَانَ مِنَ الْقُرَّاءِ الْأَوَّلِينَ وَعَنْ سَلْمَانَ نَحْوُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَأَمَّا أَبُو مَعْشَرٍ فَضَعِيفٌ وَقَدْ قَصَّرَ فِيهِ بِإِسْقَاطِ الصَّحَابِيِّ.
وَأَمَّا الْعُمَرِيُّ فَحَافِظٌ وَقَدْ تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ كيسَان عَن سعيد عِنْد بن خُزَيْمَة وَكَذَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن بن جريج عَن رجل عَن سعيد وَأخرجه بن السَّكَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَزَادَ فِيهِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عُمَارَةَ بْنَ عَامر الْأنْصَارِيّ أه وَقَوله بن عَامر خطأ فقد رَوَاهُ اللَّيْث عَن بن عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ عَمْرِو بن حزم أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَبَيَّنَ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَارَةَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ سَلْمَانَ ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَفَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ سَعِيدًا حَضَرَ أَبَاهُ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِ بن وَدِيعَةَ وَسَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ وَقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ الْجَرْمِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ بن أبي ذِئْب عَن سعيد عَن بن وَدِيعَةَ لَيْسَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ فَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مَعَ أَبِيه من بن وَدِيعَةَ ثُمَّ اسْتَثْبَتَ أَبَاهُ فِيهِ فَكَانَ يَرْوِيهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْبُخَارِيُّ أَتْقَنُ الرِّوَايَاتِ وَبَقِيَّتُهَا إِمَّا مُوَافِقَةٌ لَهَا أَوْ قَاصِرَةٌ عَنْهَا أَوْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَمَا وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ لِابْنِ وَدِيعَةَ صُحْبَةً فَفِيهِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الطُّهْرِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ طُهْرٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ وَيُؤْخَذُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الْغُسْلِ أَنَّ إِفَاضَةَ الْمَاءِ تَكْفِي فِي حُصُولِ الْغُسْلِ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ التَّنْظِيفُ بِأَخْذِ الشَّارِبِ وَالظُّفْرِ وَالْعَانَةِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْغُسْلِ غَسْلُ الْجَسَدِ وَبِالتَّطْهِيرِ غَسْلُ الرَّأْسِ .

     قَوْلُهُ  وَيَدَّهِنُ الْمُرَادُ بِهِ إِزَالَةُ شَعَثَ الشَّعْرِ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّزَيُّنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ أَيْ إِنْ لَمْ يَجِدْ دُهْنًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْبَيْتِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَّخِذَ الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ طِيبًا وَيَجْعَلُ اسْتِعْمَالَهُ لَهُ عَادَةً فَيَدَّخِرُهُ فِي الْبَيْتِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ حَقِيقَتُهُ لَكِنْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى إِنْ لَمْ يَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ طِيبًا فَلْيَسْتَعْمِلْ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي ذِكْرُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ أَنَّ بَيْتَ الرَّجُلِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ امْرَأَتُهُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَيَلْبَسُ مِنْ صَالِحِ ثِيَابِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَخْرُجُ زَادَ فِي حَدِيث أبي أَيُّوب عِنْد بن خُزَيْمَةَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثُمَّ يَمْشِي وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَحَدًا وَلَمْ يُؤْذِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ثُمَّ يَرْكَعُ مَا قُضِيَ لَهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فَيَرْكَعُ إِنْ بَدَا لَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ زَادَ فِي رِوَايَةِ قَرْثَعٍ الضَّبِّيِّ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتُهُ وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ .

     قَوْلُهُ  غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ حُطَّ عَنْهُ ذُنُوبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَالْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ بَينه اللَّيْث عَن بن عجلَان فِي رِوَايَته عِنْد بن خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ سَلْمَانَ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ مِنَ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِاخْتِصَار وَزَاد بن مَاجَهْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَمْ يَغْشَ الْكَبَائِرَ وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا كَرَاهَةُ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ التَّخَطِّيَ إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى الْمُصَلَّى إِلَّا بِذَلِكَ اه وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِمَامُ وَمَنْ يُرِيدُ وَصْلَ الصَّفِّ الْمُنْقَطِعِ إِنْ أَبَى السَّابِقُ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي قَامَ مِنْهُ لِضَرُورَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَكُونُ مُعَظَّمًا لِدِينِهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ أَلِفَ مَكَانًا يَجْلِسُ فِيهِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي إِلَّا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ فَدَلَّ عَلَى تَقَدُّمِ ذَلِكَ عَلَى الْخُطْبَةِ وَقَدْ بَيَّنَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ بِلَفْظِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْإِمَامَ خَرَجَ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّبْكِيرَ لَيْسَ مِنِ ابْتِدَاءِ الزَّوَالِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ يَعْقُبُ الزَّوَالَ فَلَا يَسَعُ وَقْتًا يَتَنَفَّلُ فِيهِ وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِيرَ الذُّنُوبِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ مَشْرُوطٌ بِوُجُود جَمِيع مَا تقدم من غسل وتنظف وَتَطَيُّبٍ أَوْ دَهْنٍ وَلُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وَالْمَشْيِ بِالسَّكِينَةِ وَتَرْكِ التَّخَطِّي وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَتَرْكِ الْأَذَى وَالتَّنَفُّلِ وَالْإِنْصَاتِ وَتَرْكِ اللَّغْوِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَمَنْ تَخَطَّى أَوْ لَغَا كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا وَدَلَّ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ غِشْيَانِ الْكَبَائِرِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُكَفَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ هُوَ الصَّغَائِرُ فَتُحْمَلُ الْمُطْلَقَاتُ كُلُّهَا عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ أَيْ فَإِنَّهَا إِذَا غُشِيَتْ لَا تُكَفَّرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ شَرْطُهُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ إِذِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ بِمُجَرَّدِهِ يُكَفِّرُهَا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُكَفِّرَهَا إِلَّا اجْتِنَاب الْكَبَائِرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ صَغَائِرُ تُكَفَّرُ رُجِيَ لَهُ أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الثَّوَابِ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ وَهُوَ جَارٍ فِي جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ذَكَرُوا لَمْ يُسَمِّ طَاوُسٌ مَنْ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ وَالَّذِي يظْهر أَنه أَبُو هُرَيْرَة فقد رَوَاهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَثَبَتَ ذِكْرُ الطِّيبِ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ





[ قــ :858 ... غــ :884] .

     قَوْلُهُ  اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا مَعْنَاهُ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا لِلْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا لِلْجُمُعَةِ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْجَنَابَةِ يُجْزِئُ عَنِ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ نَوَاهُ لِلْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ بُعْدٌ نَعَمْ روى بن حبَان من طَرِيق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا جُنُبًا وَهَذَا أَوْضَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَكِنَّ رِوَايَةَ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ أصح قَالَ بن الْمُنْذِرِ حَفِظْنَا الْإِجْزَاءَ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اه وَالْخِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْتَشِرٌ فِي الْمَذَاهِبِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَطُلُوعُ الْفَجْرِ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا .

     قَوْلُهُ  وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْغُسْلُ التَّامُّ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ إِفَاضَةَ الْمَاءِ دُونَ حَلِّ الشَّعْرِ مَثَلًا يُجْزِئُ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالثَّانِي الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ .

     قَوْلُهُ  وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ الدُّهْنِ الْمُتَرْجَمُ بِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ تَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ بَعْدَ غَسْلِ الرَّأْسِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِهِ كَذَا وَجَّهَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَوَابًا لِقَوْلِ الدَّاوُدِيِّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنَّ حَدِيثَ طَاوُسٍ عَن بن عَبَّاسٍ وَاحِدٌ ذَكَرَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ الدُّهْنَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الزُّهْرِيُّ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ الْحَافِظِ مَقْبُولَة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بإيراد حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَقِبَ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّ مَا عَدَا الْغُسْلَ مِنَ الطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالسِّوَاكِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ هُوَ فِي التَّأَكُّدِ كَالْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ التَّرْغِيبُ وَرَدَ فِي الْجَمِيعِ لَكِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ إِمَّا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ أَوْ بِتَأْكِيدِ بَعْضِ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى بَعْضِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ.
وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ بْنُ السباق عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ لَهُ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدٍ وَصَالِحٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ بِمَعْنَاهُ مُرْسَلًا فَإِنْ كَانَ صَالِحٌ حفظ فِيهِ بن عَبَّاس احْتمل أَن يكون ذكره بعد مَا نَسِيَهُ أَوْ عَكْسَ ذَلِكَ وَهِشَامٌ الْمَذْكُورُ فِي طَرِيق بن عَبَّاس الثَّانِيَة هُوَ بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ