فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من أين تؤتى الجمعة، وعلى من تجب

( قَولُهُ بَابُ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى)
ذِكْرِ الله يَعْنِي أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي وُجُوبِ بَيَانِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ أَتَى فِي التَّرْجَمَةِ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالَّذِيِ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ كَانَ فِي قُوَّةِ السَّامِعِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ وَمَحَلُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَا إِذَا كَانَ الْمُنَادِي صَيِّتًا وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةً وَالرَّجُلُ سَمِيعًا وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا إِنَّمَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ذِكْرُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِهَا فَيَكُونُ فِي الْجُمُعَةِ أَوْلَى لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِالسَّعْيِ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا.

     وَقَالَ  لمن ذكره لَهُ اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلُ بِبَابٍ مِنْ قَول بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ قَبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ إِلَخْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْهُ وَقَولُهُ سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ يَعْنِي إِذَا كُنْتَ دَاخِلَ الْبَلَدِ وَبِهَذَا صَرَّحَ أَحْمَدُ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي هَذَا الْأَثَرِ عَن بن جُرَيْجٍ أَيْضًا.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ مَا الْقَرْيَةُ الْجَامِعَةُ قَالَ ذَاتُ الْجَمَاعَةِ وَالْأَمِيرِ وَالْقَاضِي وَالدُّورُ الْمُجْتَمِعَةِ الْآخِذُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مِثْلُ جَدَّةَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ أَنَسٌ إِلَى قَوْلِهِ لَا يُجَمِّعُ وَصَلَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بِهَذَا وَقَولُهُ يُجَمِّعُ أَيْ يُصَلِّي بِمَنْ مَعَهُ الْجُمُعَةَ أَوْ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ بِجَامِعِ الْبَصْرَةِ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ أَيِ الْقَصْرُ وَالزَّاوِيَةُ مَوْضِعٌ ظَاهِرُ الْبَصْرَةِ مَعْرُوفٌ كَانَتْ فِيهِ وَقْعَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ الْحجَّاج وبن الْأَشْعَثِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ مَوْضِعٌ دَانٍ مِنْ الْبَصْرَةِ وَقَولُهُ عَلَى فرسخين أَي من الْبَصْرَة وَهَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ مِنَ الزَّاوِيَةَ وَهِيَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الْبَصْرَةِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الزَّاوِيَةَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ كَانَ فِيهِ قَصْرٌ لِأَنَسٍ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْهَا وَيُرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَذْكُورَ مُلَفَّقٌ مِنْ أَثَرَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الْجُمُعَةَ بِالْبَصْرَةِ لِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَرْسَخًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ غَيْرُ الْقَصْرِ وَبِأَنَّ أَنَسًا كَانَ يَرَى التَّجْمِيعَ حَتْمًا إِنْ كَانَ عَلَى فَرْسَخٍ وَلَا يَرَاهُ حَتْمًا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَة ثَابت التَّخْيِير الَّذِي فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ



[ قــ :875 ... غــ :902] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَوَافَقَهُ بن السكن وَعند غَيْرِهِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِأَنَّهُ بن عِيسَى وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ لَطِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَةً دُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَثَلَاثَةً فَوْقَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ أَيْ يَحْضُرُونَهَا نَوْبًا وَالِانْتِيَابُ افْتِعَالٌ مِنَ النَّوْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَتَنَاوَبُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالْعَوَالِيَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي الْمَوَاقِيتِ وَأَنَّهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ فَصَاعِدًا مِنَ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ فَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ كَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الْقَابِسِيِّ فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ أَصْوَبُ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيق بن وهب قَوْله إِنْسَان مِنْهُم لم أَقف علىاسمه وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ نَاسٌ مِنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ أَوْ لِلشَّرْطِ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ حسنا وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ هَذَا كَانَ مَبْدَأَ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ لِلْجُمُعَةِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَصَرَّحَ فِي آخِرِهِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَئِذٍ مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَقَدِ اسْتَدَلَّتْ بِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ لِلتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَوْمِكُمْ هَذَا أَيْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا رِفْقُ الْعَالِمِ بِالْمُتَعَلِّمِ وَاسْتِحْبَابُ التَّنْظِيفِ لِمُجَالَسَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَاجْتِنَابُ أَذَى الْمُسْلِمِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِمْ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ حَيْثُ لَمْ يُوجِبُوا الْجُمُعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى أَهْلِ الْعَوَالِي مَا تَنَاوَبُوا وَلَكَانُوا يَحْضُرُونَ جَمِيعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ