فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ الْآيَةَ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُطْعِمُهُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَقِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ فَانْتَشِرُوا وَابْتَغُوا لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ انْصِرَافَهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِلْغَدَاءِ ثُمَّ لِلْقَائِلَةِ عِوَضًا مِمَّا فَاتَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالتَّأَهُّبِ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ بِحُضُورِهَا وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الصَّارِفَ لِلْأَمْرِ عَنِ الْوُجُوبِ هُنَا كَوْنُهُ وَرَدَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْوُجُوبِ بَلِ الْإِجْمَاعُ هُوَ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ لِلْإِبَاحَةِ وَقَدْ جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ إِلَى أَنَّهُ عَلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ وَقِيلَ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَأُمِرَ بِالطَّلَبِ بِأَيِّ صُورَةٍ اتَّفَقَتْ لِيَفْرَحَ عِيَالُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ انْتَشِرُوا وَابْتَغُوا إِشَارَةً إِلَى اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَكُمْ مِنَ الَّذِي انْفَضَضْتُمْ إِلَيْهِ فَتَنْحَلُّ إِلَى أَنَّهَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ أَيْ مَنْ وَقَعَ لَهُ فِي حَالِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا زَمَانَ يَحْصُلُ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَعَاشِهِ فَلَا يَقْطَعِ الْعِبَادَةَ لِأَجْلِهِ بَلْ يَفْرَغُ مِنْهَا وَيَذْهَبُ حِينَئِذٍ لِتَحْصِيلَ حَاجَتِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ



[ قــ :910 ... غــ :938] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّةَ صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا .

     قَوْلُهُ  تَجْعَلُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تُحْقَلُ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ تُزْرَعُ وَالْأَرْبِعَاءُ جَمْعُ رَبِيعٍ كَأَنْصِبَاءٍ وَنَصِيبٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ وَقِيلَ الصَّغِيرُ وَقِيلَ السَّاقِيَةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ حَافَاتُ الْأَحْوَاضِ وَالْمَزْرَعَةُ بِفَتْح الرَّاء وَحكى بن مَالِكٍ جَوَازَ تَثْلِيثِهَا وَالسِّلْقُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَعْرُوفٌ وَحَكَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا سِلْقٌ بِالرَّفْعِ وَتَكَلَّفَ فِي تَوْجِيهِهِ .

     قَوْلُهُ  تَطْحَنُهَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي تَطْبُخُهَا بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرَقَهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ ثُمَّ هَاءُ ضَمِيرٍ أَيْ عَرَقُ الطَّعَامِ وَالْعَرَقُ اللَّحْمُ الَّذِي عَلَى الْعَظْمِ وَالْمُرَادُ أَنَّ السِّلْقَ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَهُمْ وَسَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَرِقَةً بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَ الْقَافِ هَاءُ التَّأْنِيثِ وَالْمُرَادُ أَنَّ السِّلْقَ يَغْرَقُ فِي الْمَرْقَةِ لِشِدَّةِ نُضْجِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ السَّلَامِ عَلَى النِّسْوَةِ الْأَجَانِبِ وَاسْتِحْبَابُ التَّقَرُّبِ بِالْخَيْرِ وَلَوْ بِالشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَبَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَنَاعَةِ وَشِدَّةِ الْعَيْشِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا أَيْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا غَسَّانَ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي حَازِمٍ اشْتَرَكَا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَزَادَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نتغدى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو غَسَّانَ مُفْرَدَةً كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْغَدَاءِ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ تَفَاوُتٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَحْمَدَ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَال وَترْجم عَلَيْهِ بن أَبِي شَيْبَةَ بَابُ مَنْ كَانَ يَقُولُ الْجُمُعَةُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ سَهْلٍ هَذَا وَحَدِيث أنس الَّذِي بعده وَعَن بن عمر مثله وَعَن عمر وَعُثْمَان وَسعد وبن مَسْعُودٍ مِثْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاغَلُونَ عَنِ الْغَدَاءِ وَالْقَائِلَةِ بِالتَّهَيُّؤِ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَتَدَارَكُونَ ذَلِكَ بَلِ ادَّعَى الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْقَائِلَةِ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَخْبَرَ الصَّحَابِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِالتَّهَيُّؤِ لِلْجُمُعَةِ عَنِ الْقَائِلَةِ وَيُؤَخِّرُونَ القائلة حَتَّى تكون بعد صَلَاة الْجُمُعَةِ