فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

( قَولُهُ بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ إِذَا قحطوا)
قَالَ بن رَشِيدٍ لَوْ أُدْخِلَ تَحْتَ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ الَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ مِمَّا ذُكِرَ انْتَهَى وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَنْ سَأَلَ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ يَكُونُ مُشْرِكًا وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُود الْمَذْكُور أَن الَّذِي سَأَلَ كَانَ مُشْرِكًا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الطَّلَبُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ لَفْظَ التَّرْجَمَةِ عَامًّا لِقَوْلِهِ سُؤَالِ النَّاسِ وَذَلِكَ أَنَّ المُصَنّف أورد فِي هَذَا الْبَاب تمثل بن عُمَرَ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ وَقَوْلِ أَنَسٍ إِنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَدِ اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ حَدِيث بن عُمَرَ خَارِجٌ عَنِ التَّرْجَمَةِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا سَأَلَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُ وَلَا فِي قِصَّةِ الْعَبَّاسِ الَّتِي أَوْرَدَهَا أَيْضًا وَأَجَابَ بن الْمُنِير عَن حَدِيث بن عُمَرَ بِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ لِأَنَّ فَاعِلَهُ مَحْذُوفٌ وَهُمُ النَّاسُ وَعَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِأَنَّ فِي قَوْلِ عُمَرَ كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ مَدْخَلًا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ فَاعِلِ يُسْتَسْقَى هُوَ النَّاسُ أَنْ يَكُونُوا سَأَلُوا الْإِمَامَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ وَكَذَا لَيْسَ فِي قَوْلِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا فِي الْحَالَيْنِ طَلَبُوا السُّقْيَا مِنَ اللَّهِ مُسْتَشْفِعِينَ بِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالتَّرْجَمَةِ الِاسْتِدْلَالَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ بِهِ فَيَسْقِيهِمْ فَأَحْرَى أَنْ يُقَدِّمُوهُ لِلسُّؤَالِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ سِيَاقَ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى مُخْتَصَرَةٌ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الثَّانِيَةِ رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الطَّلَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَن بن عُمَرَ أَشَارَ إِلَى قِصَّةٍ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ حَضَرَهَا هُوَ لَا مُجَرَّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ شِعْرُ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اسْتَسْقَى إِجَابَةً لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْمَاضِي وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ وَمَا لَنَا بَعِيرٌ يَئِطُّ وَلَا صَبِيٌّ يَغِطُّ ثُمَّ أَنْشَدَهُ شِعْرًا يَقُولُ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا إِلَيْكَ فِرَارُنَا وَأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسُلِ فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيًّا لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ مَنْ يَنْشُدُنَا قَوْلَهُ فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ أَرَدْتَ قَوْلَهُ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ الْأَبْيَاتَ فَظَهَرَتْ بِذَلِكَ مُنَاسَبَةُ حَدِيث بن عُمَرَ لِلتَّرْجَمَةِ وَإِسْنَادُ حَدِيثِ أَنَسٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُتَابَعَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بن هِشَامٍ فِي زَوَائِدِهِ فِي السِّيرَةِ تَعْلِيقًا عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَقَولُهُ يَئِطُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَكَذَا يَغِطُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْأَطِيطُ صَوْتُ الْبَعِيرِ الْمُثْقَلِ وَالْغَطِيطُ صَوْتُ النَّائِمِ كَذَلِكَ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ شِدَّةِ الْجُوعِ لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يَقَعَانِ غَالِبًا عِنْدَ الشِّبَعِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ فَأَشَارَ بِهِ أَيْضًا إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنِ الْأَنْصَارِيِّ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ إِلَى أَنَسٍ قَالَ كَانُوا إِذَا قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَوْا بِهِ فَيَسْتَسْقِي لَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَلَمَّا كَانَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ هَذَا الَّذِي رَوَيْتُهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الَّذِي تَرْجَمَهُ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ هُوَ.

قُلْتُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُبْتَدَعٍ لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَقد روى عبد الرَّزَّاق من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى بِالْمُصَلَّى فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ قُمْ فَاسْتَسْقِ فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ مَسْئُولًا وَأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ إِذَا أمره الإِمَام بذلك وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ مَالِكٍ الدَّارِيِّ وَكَانَ خَازِنُ عُمَرَ قَالَ أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ ائْتِ عُمَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ رَوَى سَيْفٌ فِي الْفُتُوحِ أَنَّ الَّذِي رَأَى الْمَنَامَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَحَدُ الصَّحَابَةِ وَظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ مُنَاسَبَةُ التَّرْجَمَةِ لِأَصْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  يَتَمَثَّلُ أَيْ يَنْشُدُ شِعْرَ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَبْيَضَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَهُوَ مَجْرُورٌ بِرُبَّ مُقَدَّرَةٍ أَوْ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ أَخُصُّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ سَيِّدًا فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  ثِمَالُ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ هُوَ الْعِمَادُ وَالْمَلْجَأُ وَالْمُطْعِمُ وَالْمُغِيثُ وَالْمُعِينُ وَالْكَافِي قَدْ أُطْلِقَ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ وَقَولُهُ عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ وَالْأَرَامِلُ جَمْعُ أَرْمَلَةٍ وَهِيَ الْفَقِيرَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّجُلِ أَيْضًا مَجَازًا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ خُصَّ النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ أَبْيَاتٍ فِي قَصِيدَةٍ لأبي طَالب ذكرهَا بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِطُولِهَا وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ بَيْتًا قَالَهَا لَمَّا تَمَالَأَتْ قُرَيْشٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَفَّرُوا عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ أَوَّلُهَا وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا ود فيهم وَقد قطعُوا كل العرا وَالْوَسَائِلِ وَقَدْ جَاهَرُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ يَقُولُ فِيهَا أَعَبْدَ مَنَافٍ أَنْتُمُ خَيْرُ قَوْمِكُمُ فَلَا تُشْرِكُوا فِي أَمْرِكُمْ كُلَّ وَاغِلِ فَقَدْ خِفْتُ إِنْ لَمْ يُصْلِحِ اللَّهُ أَمْرَكُمْ تَكُونُوا كَمَا كَانَتْ أَحَادِيثُ وَائِلِ يَقُولُ فِيهَا أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ وَثَوْرٌ وَمَنْ أَرْسَى ثُبَيْرًا مَكَانَهُ وَرَاقٍ لِبِرٍّ فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ وَبِالْبَيْتِ حَقُّ الْبَيْتِ مِنْ بَطْنِ مَكَّةَ وَبِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِغَافِلِ يَقُولُ فِيهَا كَذَبْتُمْ وَبَيْتُ اللَّهِ نَبْزِي مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُطَاعِنْ حَوْلَهُ وَنُنَاضِلِ وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ وَنُذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ يَقُولُ فِيهَا وَمَا تَرْكُ قَوْمٍ لَا أَبَا لَكَ سَيِّدًا يَحُوطُ الذِّمَارَ بَيْنَ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَوَاضِلِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ أَبُو طَالِبٍ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَرَهُ قَطُّ اسْتَسْقَى إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَيْثُ اسْتَسْقَى لِقُرَيْشٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ غُلَامٌ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو طَالِبٍ مَدَحَهُ بِذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ مَخَايِلِ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ وُقُوعَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سُؤَالَ أَبِي سُفْيَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَقع بِمَكَّة وَذكر بن التِّينِ أَنَّ فِي شِعْرِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ نُبُوَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ لما أخبرهُ بِهِ بحيرا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تقدم عَن بن إِسْحَاقَ أَنَّ إِنْشَاءَ أَبِي طَالِبٍ لِهَذَا الشِّعْرِ كَانَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَمَعْرِفَةُ أَبِي طَالِبٍ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ وَتَمَسَّكَ بِهَا الشِّيعَةُ فِي أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَرَأَيْتُ لِعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ الْبَصْرِيِّ جُزْءًا جَمَعَ فِيهِ شِعْرَ أَبِي طَالِبٍ وَزَعَمَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَأَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْحَشَوِيَّةَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَأَنَّهُمْ لِذَلِكَ يَسْتَجِيزُونَ لَعْنَهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي سَبِّهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ لِدَعْوَاهُ بِمَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنْتُ فَسَادَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ كِتَابِ الْإِصَابَةِ وَسَيَأْتِي بَعْضُهُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ كِتَابِ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



[ قــ :977 ... غــ :1008] .

     قَوْلُهُ  وقَال عمر بن حَمْزَة أَي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَالِمٌ شَيْخُهُ هُوَ عَمُّهُ وَعُمْرُ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَكَذَلِكَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرِيقِ الْمَوْصُولَةِ فَاعْتَضَدَتْ إِحْدَى الطَّرِيقَيْنِ بِالْأُخْرَى وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ أَحَدِ قِسْمَيِ الصَّحِيحِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَطَرِيقُ عُمَرَ الْمُعَلقَة وَصلهَا أَحْمد وبن مَاجَهْ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَقِيلٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ وَعَقِيلٌ فِيهِمَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  يَسْتَسْقِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ زَادَ بن مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا فِي الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  يَجِيشُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ يُقَالُ جَاشَ الْوَادِي إِذَا زَخَرَ بِالْمَاءِ وَجَاشَتِ الْقِدْرُ إِذَا غَلَتْ وَجَاشَ الشَّيْءُ إِذَا تَحَرَّكَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ .

     قَوْلُهُ  كُلُّ مِيزَابٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالزَّايِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ حَتَّى يَجِيشَ لَكَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْكَافِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ





[ قــ :978 ... غــ :1010] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ وَالْأَنْصَارِيُّ شَيْخُهُ يَرْوِي عَنْهُ الْبُخَارِيُّ كَثِيرًا وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً كَهَذَا الْمَوْضِعِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قُحِطُوا بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ وَقَدْ بَيَّنَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْأَنْسَابِ صِفَةَ مَا دَعَا بِهِ الْعَبَّاسُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَالْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمَّا اسْتَسْقَى بِهِ عُمَرُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَمْ يُكْشَفْ إِلَّا بِتَوْبَةٍ وَقَدْ تَوَجَّهَ الْقَوْمُ بِي إِلَيْكَ لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّكَ وَهَذِهِ أَيْدِينَا إِلَيْكَ بِالذُّنُوبِ وَنَوَاصِينَا إِلَيْكَ بِالتَّوْبَةِ فَاسْقِنَا الْغَيْثَ فَأَرْخَتِ السَّمَاءُ مِثْلَ الْجِبَالِ حَتَّى أَخْصَبَتِ الْأَرْضَ وَعَاشَ النَّاسُ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَامَ الرَّمَادَةِ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَخَطَبَ النَّاسَ عُمَرُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِلْوَالِدِ فَاقْتَدُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَاتَّخِذُوهُ وَسِيلَةً إِلَى اللَّهِ وَفِيهِ فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَاهُمُ اللَّهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَلَاذُرِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ بَدَلَ بن عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ فِيهِ شَيْخَانِ وَذكر بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عَامَ الرَّمَادَةِ كَانَ سَنَةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ وَكَانَ ابْتِدَاؤُهُ مَصْدَرَ الْحَاجِّ مِنْهَا وَدَامَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَالرَّمَادَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ سُمِّيَ الْعَامُ بِهَا لِمَا حَصَلَ مِنْ شِدَّةِ الْجَدْبِ فَاغْبَرَّتِ الْأَرْضُ جِدًّا مِنْ عَدَمِ الْمَطَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ رَفْعُ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي قِصَّةِ عُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَكَذَلِكَ أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ الْعَبَّاسِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِشْفَاعِ بِأَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَفِيهِ فَضْلُ الْعَبَّاسِ وَفَضْلُ عُمَرَ لِتَوَاضُعِهِ للْعَبَّاس ومعرفته بِحقِّهِ