فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يقال إذا مطرت

( قَولُهُ بَابُ مَا يُقَالُ)
يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةً .

     قَوْلُهُ  إِذَا مُطِرَتْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وللباقين أمْطرت من الرباعي وَهُمَا بِمَعْنًى عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ يُقَالُ مُطِرَ فِي الْخَيْرِ وَأُمْطِرَ فِي الشَّرِّ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن عَبَّاسٍ كَصَيِّبِ الْمَطَرِ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ الصَّيِّبُ السَّحَابُ وَلَعَلَّهُ أطلق ذَلِك مجَازًا قَالَ بن الْمُنِير مُنَاسبَة أثر بن عَبَّاسٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمَرْفُوعِ .

     قَوْلُهُ  صَيِّبًا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَهَذَا يَقَعُ لَهُ كَثِيرًا.

     وَقَالَ  أَخُوهُ الزَّيْنُ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الصَّيِّبَ لَمَّا جَرَى ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ قُرِنَ بِأَحْوَالٍ مَكْرُوهَةٍ وَلَمَّا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وُصِفَ بِالنَّفْعِ فَأَرَادَ أَن يبين بقول بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ الْمَطَرُ وَأَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى نَافِعٍ وَضَارٍّ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ صَابَ وَأَصَابَ يَصُوبُ كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ يَصُوبُ مُضَارِعُ صَابَ.
وَأَمَّا أَصَابَ فَمُضَارِعُهُ يُصِيبُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الصَّيِّبُ تَقْدِيرُهُ مِنَ الْفِعْلِ سَيَّدَ وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ وَانْصَابَ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ فَسَقَطَتِ النُّونُ كَمَا سَقَطَتْ يَنْصَابُ بَعْدَ يَصُوبُ أَوِ الْمُرَادُ مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ صَابَ الْمَطَرُ يَصُوبُ إِذَا نَزَلَ فَأَصَابَ الْأَرْضَ فَوَقَعَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ



[ قــ :998 ... غــ :1032] .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا مُحَمَّد هُوَ بن مقَاتل وَعبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَعبيد الله هُوَ بن عمر الْعمريّ وَنَافِع مولى بن عمر وَالقَاسِم بن مُحَمَّد أَي بن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَدْ سَمِعَ نَافِعٌ مِنْ عَائِشَةَ وَنَزَلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهَا وَكَذَا سَمِعَ عُبَيْدُ اللَّهِ مِنَ الْقَاسِمِ وَنَزَلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ مَعْمَرًا قَدْ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ نَفْسِهِ بِإِسْقَاطِ نَافِعٍ مِنَ السَّنَدِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا كَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَسَقَطَ اللَّهُمَّ لِغَيْرِهِمَا وَصَيِّبًا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيِ اجْعَلْهُ وَنَافِعًا صِفَةٌ لِلصَّيِّبِ وَكَأَنَّهُ احْتُرِزَ بِهَا عَنِ الصَّيِّبِ الضَّارِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ تَامًّا وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ رَحْمَةٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَائِشَةَ أَوْضَحَ مِنْهُ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ الْعَمَلَ فَإِنْ كُشِفَ حَمِدَ اللَّهَ فَإِنْ أَمْطَرَتْ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَعْنَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَفِيهِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَفِيهِ وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ هَذَا عَارض الْآيَةَ وَعُرِفَ بِرِوَايَةِ شُرَيْحٍ أَنَّ الدُّعَاءَ الْمَذْكُورَ يُسْتَحَبُّ بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ لِلِازْدِيَادِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مُقَيَّدًا بِدَفْعِ مَا يُحْذَرُ مِنْ ضَرَرٍ قَوْله تَابعه الْقَاسِم بن يحيى أَي بن عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ الْمُقَدَّمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ بِإِسْنَادِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَوْصُولَةً وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ عَنْ مُقَدَّمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمِّهِ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا وَزَعَمَ مُغَلْطَايْ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَصَلَ هَذِهِ الْمُتَابَعَةَ فِي غَرَائِبِ الْأَفْرَادِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ.

قُلْتُ لَيْسَ ذَلِكَ مُطَابِقًا إِلَّا إِنْ كَانَ نُسْخَتُهُ سَقَطَ مِنْهَا مِنْ مَتْنِ الْبُخَارِيِّ لَفْظُ الْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ نَافِعٍ يَعْنِي كَذَلِكَ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فَأَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهَذَا وَلَفْظُهُ هَنِيئًا بَدَلَ نَافِعًا وَرُوِّينَاهَا فِي الْغِيلَانِيَّاتِ مِنْ طَرِيق دُحَيْم عَن الْوَلِيد وَشُعَيْب هُوَ بن إِسْحَاقَ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَهُ وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي الْعِشْرِينَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَزَالَ بِهَذَا مَا كَانَ يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِ الْوَلِيدِ وَتَسْوِيَتِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَأَرْجَحُهَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةِ دُحَيْمٍ صِحَّةُ سَمَاعِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ خِلَافًا لِمَنْ نَفَاهُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عُقَيْلٍ فَذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ أَوَّلًا تَابَعَهُ الْقَاسِمُ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ تَغَيُّرُ الْأُسْلُوبِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الرِّوَايَةَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ أَمْ لَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا رَوَيَاهُ عَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا رَوَيَاهُ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى انْتَهَى وَمَا أَدْرِي لِمَ تَرَكَ احْتِمَالَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ لِلتَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمِيعِ مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى إِدْخَالِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ الْأَوْزَاعِيِّ وَنَافِعٍ أَوْ لَا وَالْبُخَارِيُّ قَدْ قَيَّدَ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ بِكَوْنِهَا عَنْ نَافِعٍ وَالرُّوَاةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ نَافِعًا رَوَاهُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ فَظَهَرَ بِهَذَا كَوْنُهَا مُتَابَعَةً لَا مُخَالَفَةً وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مُتَابَعَةُ الْقَاسِمِ أَقْرَبَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمَا لِأَنَّهُ تَابَعَ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُمَا تَابَعَا فِي شَيْخِهِ حَسُنَ أَنْ يُفْرِدَهَا مِنْهُمَا وَلما أفردها تفنن فِي الْعبارَة