فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟

( قَولُهُ بَابُ هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَتَى بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ إِشْعَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ.

قُلْتُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا تَقُولُوا كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُولُوا خَسَفَتْ وَهَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْهُ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تُخَالِفُهُ لِثُبُوتِهَا بِلَفْظِ الْكُسُوفِ فِي الشَّمْسِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَالْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ أَفْصَحُ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ عَكْسَهُ وَغَلَّطَهُ لِثُبُوتِهِ بِالْخَاءِ فِي الْقَمَرِ فِي الْقُرْآنِ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي اسْتِشْهَادِ الْمُؤَلِّفِ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَقِيلَ يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدْلُولَ الْكُسُوفِ لُغَةً غَيْرُ مَدْلُولِ الْخُسُوفِ لِأَن الْكُسُوف التَّغَيُّر إِلَى سَواد وَالْخُسُوفَ النُّقْصَانُ أَوِ الذُّلُّ فَإِذَا قِيلَ فِي الشَّمْسِ كَسَفَتْ أَوْ خَسَفَتْ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَيَلْحَقُهَا النَّقْصُ سَاغَ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ بِالْكَافِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِالْخَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ وَقِيلَ بِالْكَافِ لِذَهَابِ جَمِيعِ الضَّوْءِ وَبِالْخَاءِ لِبَعْضِهِ وَقِيلَ بِالْخَاءِ لذهاب كل اللَّوْن وَبِالْكَافِ لِتَغَيُّرِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَخسف الْقَمَر فِي إِيرَادِهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ احْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُقَالَ خَسَفَ الْقَمَرُ كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا يُقَالُ كَسَفَ وَإِذَا اخْتَصَّ الْقَمَرُ بِالْخُسُوفِ أَشْعَرَ بِاخْتِصَاصِ الشَّمْسِ بِالْكُسُوفِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ الَّذِي يَتَّفِقُ لِلشَّمْسِ كَالَّذِي يَتَّفِقُ لِلْقَمَرِ وَقَدْ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ بِالْخَاءِ فِي الْقَمَرِ فَلْيَكُنِ الَّذِي لِلشَّمْسِ كَذَلِكَ ثُمَّ سَاقَ الْمُؤَلِّفُ حَدِيثَ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَ عُرْوَةُ لَكِنْ رِوَايَاتُ غَيْرِهِ بِلَفْظِ كَسَفَتْ كَثِيرَةٌ جِدًّا



[ قــ :1014 ... غــ :1047] .

     قَوْلُهُ  فِيهِ ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَطْوِيلُ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي بَابٍ مُفْرد