فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء

قَوْله بَاب سَجْدَة النَّجْم)
قَالَه بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَوْصُولًا فِي الَّذِي يَلِيهِ وَالْكَلَامُ عَلَى حَدِيث بن مَسْعُودٍ يَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى كَفِّهِ وَنَحْوِهِ لَا يُعَدُّ سَاجِدًا حَتَّى يَضَعهَا بِالْأَرْضِ وَفِيه نظر قَولُهُ بَابُ سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نجس لَيْسَ لَهُ وضوء قَالَ بن التِّينِ رُوِّينَا قَوْلَهُ نَجَسٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ تُسَكَّنُ الْجِيمُ إِذَا ذُكِرَتِ اتِّبَاعًا فِي قَوْلِهِمْ رِجْسٌ نَجَسٌ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ بن عُمَرَ يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِحَذْفِ غَيْرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ كَنَفْسِهِ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير قَالَ كَانَ بن عُمَرَ يَنْزِلُ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَيُهْرِيقُ الْمَاءَ ثُمَّ يَرْكَبُ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَمَا يَتَوَضَّأُ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَن اللَّيْث عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ لَا يَسْجُدُ الرَّجُلُ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ طَاهِرٌ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى أَوِ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَالْأول على الضَّرُورَة وَقد اعْترض بن بَطَّالٍ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ إِنْ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ الِاحْتِجَاجَ لِابْنِ عُمَرَ بِسُجُودِ الْمُشْرِكِينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ سُجُودَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا كَانَ لَمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ وَإِنْ أَرَادَ الرَّدَّ على بن عُمَرَ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَأجَاب بن رَشِيدٍ بِأَنَّ مَقْصُودَ الْبُخَارِيِّ تَأْكِيدُ مَشْرُوعِيَّةِ السُّجُودِ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ أَقَرَّ عَلَى السُّجُودِ وَسَمَّى الصَّحَابِيُّ فِعْلَهُ سُجُودًا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَالْمُتَأَهِّلُ لِذَلِكَ أَحْرَى بِأَنْ يَسْجُدَ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ الَّذِي مَا سَجَدَ عُوقِبَ بِأَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَعَلَّ جَمِيعَ مَنْ وُفِّقَ لِلسُّجُودِ يَوْمَئِذٍ خُتِمَ لَهُ بِالْحُسْنَى فَأَسْلَمَ لِبَرَكَةِ السُّجُودِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّرْجَمَةِ وَأَثَرِ بن عُمَرَ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ عَلَى وُضُوءٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ إِلَى السُّجُودِ خَوْفَ الْفَوَاتِ بِلَا وُضُوءٍ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ اسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وُضُوءٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ بِالْوُضُوءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ لَفْظَ الْمَتْنِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ فسوى بن عَبَّاسٍ فِي نِسْبَةِ السُّجُودِ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَصِحَّ السُّجُودُ مِمَّنْ كَانَ بِوُضُوءٍ وَمِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِوُضُوءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْقِصَّةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا سَيَحْصُلُ لَنَا إِلْمَامٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَائِدَة لم يُوَافق بن عُمَرَ أَحَدٌ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وُضُوءٍ إِلَّا الشّعبِيّ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يقْرَأ السَّجْدَة ثمَّ يسلم وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَمْشِي يُومِئُ إِيمَاءً



[ قــ :1035 ... غــ :1071] .

     قَوْلُهُ  سَجَدَ بِالنَّجْمِ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَكَّة فَأفَاد اتِّحَاد قصَّة بن عَبَّاس وبن مَسْعُود قَوْله وَالْجِنّ كَأَن بن عَبَّاسٍ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى إِخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا مُشَافَهَةً لَهُ وَإِمَّا بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرِ الْقِصَّةَ لِصِغَرِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا إِلَّا بِتَوْقِيفٍ وَتَجْوِيزُ أَنَّهُ كَشَفَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهَا قَطْعًا .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْم