فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ترك القيام للمريض

( قَولُهُ بَابُ تَرْكِ الْقِيَامِ)
أَيْ قِيَامُ الْمَرِيضِ



[ قــ :1085 ... غــ :1124] قَوْله عَن الْأسود هُوَ بن قيس وجندب هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجْلِيُّ كَمَا فِي الْإِسْنَادِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ فِيهِمَا وَوَهِمَ مَنْ زعم أَنه بن عُيَيْنَةَ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ الْأَسْوَدِ لَهُ مِنْ جُنْدُبٍ فِي طَرِيقِ زُهَيْرٍ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ .

     قَوْلُهُ  اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَرِضَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ الَّتِي سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بِلَفْظِ مَرِضَ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الشِّكَايَةِ لَكِنْ وَقَعَ فِي التِّرْمِذِيّ منطريق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ هَلْ أَنْتَ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتَ قَالَ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ فَأَنْزَلَ الله مَا وَدعك رَبك انْتَهَى فَظَنَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلشِّكَايَةِ الْمُجْمَلَةِ فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ فِي طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ الَّتِي يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ السُّورَةِ كَانَ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ وَجُنْدُبٌ لَمْ يَصْحَبِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُتَأَخِّرًا كَمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَعَلَى هَذَا هُمَا قَضِيَّتَانِ حَكَاهُمَا جُنْدُبٌ إِحْدَاهُمَا مُرْسَلَةٌ وَالْأُخْرَى مَوْصُولَةٌ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يَحْضُرْهَا فَرِوَايَتُهُ لَهَا مُرْسَلَةٌ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةُ شَهِدَهَا كَمَا ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَطْفِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ اتِّحَادُهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ هَكَذَا اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَاقَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ تَامًّا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِهِ فِيهِ هُنَا بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فَزَادَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ فَأنْزل الله تَعَالَى وَالضُّحَى إِلَى





[ قــ :1086 ... غــ :115] قَوْله وَمَا قلى ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا نُعَيْمٍ أَبُو أُسَامَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَوَافَقَ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ وَكِيعٌ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَرِوَايَةُ زُهَيْرٍ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ كَرِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ لَكِنْ قَالَ فِيهَا فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَرِوَايَةُ بن عُيَيْنَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَسْوَدَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَحَمَلَ عَنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَحْمِلْهُ الْآخَرُ وَحَمَلَ عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْأَمْرَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَسْوَدِ عَلَى لَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ قَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَ عَنْكَ وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي أَوَّلِهِ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ فِيمَا ظَهَرَ لِي غَيْرُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا صَاحِبَكَ وَتِلْكَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا شَيْطَانَكَ وَهَذِهِ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَتِلْكَ عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا يَا مُحَمَّدُ وَسِيَاقُ الْأُولَى يُشْعِرُ بِأَنَّهَا قَالَتْهُ تَأَسُّفًا وَتَوَجُّعًا وَسِيَاقُ الثَّانِيَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا قَالَتْهُ تَهَكُّمًا وشماته وَقد حكى بن بَطَّالٍ عَنْ تَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ قَالَتْ خَدِيجَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَبْطَأَ عَنْهُ الْوَحْيُ إِنَّ رَبَّكَ قَدْ قلاك فَنزلت وَالضُّحَى وَقد تعقبه بن الْمُنِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْإِنْكَارِ لِأَنَّ خَدِيجَةَ قَوِيَّةُ الْإِيمَانِ لَا يَلِيقُ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَيْهَا لَكِنَّ إِسْنَادَ ذَلِكَ قَوِيٌّ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لَهُ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ لَكِنْ لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهَا عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا شَيْطَانَكَ وَهَذِهِ هِيَ اللَّفْظَةُ الْمُسْتَنْكَرَةُ فِي الْخَبَرِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ مَا أَرَى صَاحِبَكَ بَدَلَ رَبَّكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَنَتْ بِذَلِكَ جِبْرِيلَ وَأَغْرَبَ سنيد بن دَاوُد فِيمَا حَكَاهُ بن بَشْكُوَالَ فَرَوَى فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَغَلِطَ سُنَيْدٌ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ وَكِيعٍ فَقَالَ فِيهِ قَالَت خَدِيجَة وَكَذَلِكَ أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ الَّتِي عَبَّرَتْ بِقَوْلِهَا شَيْطَانَكَ فَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَامْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ كَمَا رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَتِ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ لَمَّا مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامًا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ فَنَزَلَتْ وَالضُّحَى رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْأَسْوَدِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَمِنْ قَوْمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أُمَّ جَمِيلٍ مِنْ قَوْمِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَنِي عبد منَاف وَعند بن عَسَاكِرَ أَنَّهَا إِحْدَى عَمَّاتِهِ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ رَاوِيهِ وَأَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ فَأَتَتْهُ إِحْدَى عَمَّاتِهِ أَوْ بَنَاتُ عَمِّهِ فَقَالَتْ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ وَدَّعَكَ تَنْبِيهٌ اسْتَشْكَلَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْوَرْدِ مُطَابَقَةَ حَدِيثِ جُنْدُبٍ لِلتَّرْجَمَةِ وَتَبِعَهُ بن التِّينِ فَقَالَ احْتِبَاسُ جِبْرِيلَ لَيْسَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَوْضِعِهِ انْتَهَى وَقَدْ ظَهَرَ بِسِيَاقِ تَكْمِلَةِ الْمَتْنِ وَجْهُ الْمُطَابَقَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ مَخْرَجِهِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مُخْتَلِفًا لَكِنَّهُ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جُنْدُبٍ فِي التَّفْسِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فَلَمْ يُطِقِ الْقيام وَكَانَ يحب التَّهَجُّد