فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ)
هَذَا الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَرْجَمَةَ بَابٍ وَلَمْ يُخَرِّجُهُ مُسْنَدًا فِي هَذَا الْكتاب لكَونه علىغير شَرْطِهِ وَنَبَّهَ بِإِيرَادِهِ عَلَى صَلَاحِيَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنَ الْآيَةِ وَحَدِيثِ جَرِيرٍ يَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ.

قُلْتُ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِيكَ بِحَدِيثٍ وَرَجَوْتُ أَنْ تُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا أَيْ فَتُحَدِّثَنِي بِهِ عَنْ أَبِيكَ قَالَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا الْحَدِيثَ قَالَ فَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ يَقُولُ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّصِيحَةِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ النَّصِيحَةِ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ سُهَيْلٍ أَوْ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّاهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ تَمِيمٍ وَلِهَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى سُهَيْلٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ فِي صَحِيحِهِ بَلْ لَمْ يَحْتَجَّ فِيهِ بِسُهَيْلٍ أَصْلًا وَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ دُونَ هَذِهِ فِي الْقُوَّةِ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يعلى من حَدِيث بن عَبَّاس وَالْبَزَّار من حَدِيث بن عُمَرَ وَقَدْ بَيَّنْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ .

     قَوْلُهُ  الدِّينُ النَّصِيحَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَيْ مُعْظَمُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ كَمَا قِيلَ فِي حَدِيثِ الْحَجُّ عَرَفَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ عَامِلُهُ الْإِخْلَاصَ فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ النَّصِيحَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ نَصَحْتُ الْعَسَلَ إِذَا صَفَّيْتُهُ يُقَالُ نَصَحَ الشَّيْءَ إِذَا خَلُصَ وَنَصَحَ لَهُ الْقَوْلَ إِذَا أَخْلَصَهُ لَهُ أَوْ مُشْتَقَّة من النصح وَهِي الْخياطَة المنصحة وَهِيَ الْإِبْرَةُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَلُمُّ شَعَثَ أَخِيهِ بِالنُّصْحِ كَمَا تَلُمُّ الْمِنْصَحَةَ وَمِنْهُ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ كَأَنَّ الذَّنْبَ يُمَزِّقُ الدِّينَ وَالتَّوْبَةُ تَخِيطُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّصِيحَةُ كِلْمَةٌ جَامِعَةٌ مَعْنَاهَا حِيَازَةُ الْحَظِّ للنصوح لَهُ وَهِيَ مِنْ وَجِيزِ الْكَلَامِ بَلْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ كِلْمَةٌ مُفْرَدَةٌ تُسْتَوْفَى بِهَا الْعِبَارَةَ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا أَحَدُ أَرْبَاعِ الدِّينِ وَمِمَّنْ عَدَّهُ فِيهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ بَلْ هُوَ وَحْدَهُ مُحَصِّلٌ لِغَرَضِ الدِّينِ كُلِّهِ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَصْفُهُ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَالْخُضُوعُ لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالرَّغْبَةُ فِي مَحَابِّهِ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَالرَّهْبَةُ مِنْ مَسَاخِطِهِ بِتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ وَالْجِهَادُ فِي رَدِّ الْعَاصِينَ إِلَيْهِ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي ثُمَامَةَ صَاحِبِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا رُوحَ اللَّهِ مَنِ النَّاصِحِ لِلَّهِ قَالَ الَّذِي يُقَدِّمُ حَقَّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ النَّاسِ وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَتَحْرِيُرُهَا فِي الْكِتَابَةِ وَتَفَهُّمُ مَعَانِيهِ وَحِفْظُ حُدُودِهِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَذَبُّ تَحْرِيفِ الْمُبْطِلِينَ عَنْهُ وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ تَعْظِيمُهُ وَنَصْرُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِتَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَحَبَّتُهُ وَمَحَبَّةُ أَتْبَاعِهِ وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَتُهُمْ عَلَى مَا حَمَلُوا الْقِيَامِ بِهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عِنْدَ الْغَفْلَةِ وَسَدُّ خُلَّتِهِمْ عِنْدَ الْهَفْوَةِ وَجَمْعُ الْكَلِمَةِ عَلَيْهِمْ وَرَدُّ الْقُلُوبِ النَّافِرَةِ إِلَيْهِمْ وَمِنْ أَعْظَمِ نَصِيحَتِهِمْ دَفْعُهُمْ عَنِ الظُّلْمِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَمِنْ جُمْلَةِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَئِمَّةُ الِاجْتِهَادِ وَتَقَعُ النَّصِيحَةُ لَهُمْ بِبَثِّ عُلُومِهِمْ وَنَشْرِ مَنَاقِبِهِمْ وَتَحْسِينِ الظَّنِّ بِهِمْ وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالسَّعْيُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيمُهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَكَفُّ وُجُوهِ الْأَذَى عَنْهُمْ وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ الدِّينَ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ لِكَوْنِهِ سَمَّى النَّصِيحَةَ دِينًا وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى بَنَى الْمُصَنِّفُ أَكْثَرَ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمِنْهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ مِنْ قَوْلِهِ قُلْنَا لِمَنْ وَمِنْهَا رَغْبَةُ السَّلَفِ فِي طَلَبِ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قِصَّةِ سُفْيَانَ مَعَ سُهَيْلٍ



[ قــ :57 ... غــ :57] .

     قَوْلُهُ  عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبَجَلِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَقَيْسٌ الرَّاوِي عَنْهُ وَإِسْمَاعِيلُ الرَّاوِي عَنْ قَيْسٍ بَجَلِيَّانِ أَيْضًا وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَكُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِشُهْرَتِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّوْمَ وَغَيْرَهُ لِدُخُولِ ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.

قُلْتُ زِيَادَةُ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَقَعَتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ وَلَهُ فِي الْأَحْكَامِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لكل مُسلم وَرَوَاهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَدِّهِ وَزَادَ فِيهِ فَكَانَ جَرِيرٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا أَوْ بَاعَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَا أَخَذْنَا مِنْكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا أَعْطَيْنَاكَهُ فَاخْتَرْ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي تَرْجَمته أَن غُلَامه اشْترى لَهُ فرسا بثلثمائة فَلَمَّا رَآهُ جَاءَ إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ إِنَّ فَرَسَكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُهُ حَتَّى أَعْطَاهُ ثَمَانَمِائَةٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَتْ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَجْدِيدِ عَهْدٍ أَوْ تَوْكِيدِ أَمْرٍ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ وَقَولُهُ فِيمَا اسْتَطَعْتُ رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا وَتَوْجِيهُهُمَا وَاضِحٌ وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ اللَّازِمَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَايَعِ عَلَيْهَا هُوَ مَا يُطَاقُ كَمَا هُوَ الْمُشْتَرَطُ فِي أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَيُشْعِرُ الْأَمْرُ بِقَوْلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَالَ الْمُبَايَعَةِ بِالْعَفْوِ عَنِ الْهَفْوَةِ وَمَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ وَسَهْوٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :58 ... غــ :58] .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْمُوعُ مِنْ جَرِيرٍ حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ سَمِعْتُ جَرِيرًا حَمِدَ اللَّهَ وَالْبَاقِي شَرْحٌ لِلْكَيْفِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ كَانَ الْمُغِيرَةُ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ خَمْسِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَنَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ ابْنَهُ عُرْوَةَ وَقِيلَ اسْتَنَابَ جرير الْمَذْكُورَ وَلِهَذَا خَطَبَ الْخُطْبَةَ الْمَذْكُورَةَ حَكَى ذَلِكَ الْعَلَائِيُّ فِي أَخْبَارِ زِيَادٍ وَالْوَقَارُ بِالْفَتْحِ الرَّزَانَةُ وَالسَّكِينَةُ السُّكُونُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مُقَدِّمًا لِتَقْوَى اللَّهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَفَاةَ الْأُمَرَاءِ تُؤَدِّي إِلَى الِاضْطِرَابِ وَالْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِذْ ذَاكَ مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ أَيْ بَدَلَ الْأَمِيرِ الَّذِي مَاتَ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ هُنَا وَهُوَ أَن الْمَأْمُور بِهِ ينتهى بمجيء مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ .

     قَوْلُهُ  الْآنَ أَرَادَ بِهِ تَقْرِيبَ الْمُدَّةِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ وَكَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ الْمُغِيرَةِ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى الْبَصْرَةِ وَهُوَ زِيَادٌ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ أَيِ اطْلُبُوا لَهُ الْعَفْوَ مِنَ اللَّهِ كَذَا فِي مُعظم الرِّوَايَات بِالْعينِ الْمُهْملَة وَفِي رِوَايَة بن عَسَاكِر اسْتَغْفرُوا بغين مُعْجمَة وَزِيَادَة رَآهُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْجَزَاءَ يَقَعُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ أُبَايِعُكَ تَرَكَ أَدَاةَ الْعَطْفِ إِمَّا لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَتَيْتُ أَوِ اسْتِئْنَافٌ .

     قَوْلُهُ  وَالنُّصْحِ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرِ أَيْ شَرَطَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّصِيحَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ شَفَقَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ .

     قَوْلُهُ  وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى جِهَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَرَفِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِيَكُونَ أَدْعَى لِلْقَبُولِ .

     قَوْلُهُ  لَنَاصِحٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَفَّى بِمَا بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَنَّ كَلَامَهُ خَالِصٌ عَنِ الْغَرَضِ .

     قَوْلُهُ  وَنَزَلَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ خَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمُرَادُ قَعَدَ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَائِدَةٌ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ لِلْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَالنُّصْحُ لِلْكَافِرِ مُعْتَبَرٌ بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُشَارُ عَلَيْهِ بِالصَّوَابِ إِذَا اسْتَشَارَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي البيع على بَيْعه وَنَحْوِ ذَلِكَ فَجَزَمَ أَحْمَدُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ أُخْرَى خَتَمَ الْبُخَارِيُّ كِتَابَ الْإِيمَانِ بِبَابِ النَّصِيحَةِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ فِي الْإِرْشَادِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ دُونَ السَّقِيمِ ثُمَّ خَتَمَهُ بِخُطْبَةِ جَرِيرٍ الْمُتَضَمِّنَةِ لِشَرْحِ حَالِهِ فِي تَصْنِيفِهِ فَأَوْمَأَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ إِلَى وُجُوبِ التَّمَسُّكِ بِالشَّرَائِعِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يُقِيمُهَا إِذْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مَنْصُورَةً وَهُمْ فُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ إِلَى طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ لِعَمَلِهِ الْفَاضِلِ ثُمَّ خَتَمَ بِقَوْلِ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ فَأَشْعَرَ بِخَتْمِ الْبَابِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِكِتَابِ الْعِلْمِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّصِيحَةِ أَنَّ مُعْظَمَهَا يَقَعُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْإِيمَانِ وَمُقَدِّمَتُهُ مِنْ بَدْءِ الْوَحْيِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ على أحد وَثَمَانِينَ حَدِيثًا بِالْمُكَرَّرِ مِنْهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي الْإِيمَانِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْهَا فِي الْمُتَابَعَاتِ بِصِيغَةِ الْمُتَابَعَةِ أَوِ التَّعْلِيقِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ ثَمَانِيَةٌ وَفِي الْإِيمَانِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَمِنَ الْمَوْصُولِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانِيَةٌ وَمِنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي لَمْ يُوصَلْ فِي مَكَانٍ آخَرَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَّةُ ذَلِكَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا مَوْصُولَةٌ بِغَيْرِ تَكْرِيرٍ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا إِلَّا سَبْعَةً وَهِيَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْمُسْلِمِ وَالْمُهَاجِرِ وَالْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبن أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْفِرَارِ مِنَ الْفِتَنِ وَأَنَسٌ عَنْ عُبَادَةَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدِّينِ يُسْرٌ وَالْأَحْنَفُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فِي الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَثَرًا معلقَة غير أثر بن النَّاطُورِ فَهُوَ مَوْصُولٌ وَكَذَا خُطْبَةُ جَرِيرٍ الَّتِي ختم بهَا كتاب الْإِيمَان وَالله أعلم.