فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة

( قَولُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ)
وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا حَرْفَانِ وَهُمَا أَقَلُّ مَا يَتَأَلَّفُ مِنْهُ الْكَلَامُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ يَجُوزُ وَبَعْضُهُ لَا يَجُوزُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَرَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا إِذَا حَصَلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامٌ مَفْهُومٌ أَمْ لَا أَوِ الْفَرْقُ مَا إِذَا كَانَ حُصُولُ ذَلِكَ مُحَقَّقًا فَفِعْلُهُ يَضُرُّ وَإِلَّا فَلَا .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيِ بن الْعَاصِ نَفَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيث أخرجه أَحْمد وَصَححهُ بن خُزَيْمَة والطبري وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ وَجَعَلَ يَنْفُخُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْكِي وَهُوَ سَاجِدٌ وَذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدِ اخْتَلَطَ فِي آخر عمره لَكِن أخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَهُوَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ وَأَبُوهُ وَثَّقَهُ الْعجلِيّ وبن حِبَّانَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أورد البُخَارِيّ فِي الْبَاب حَدِيث بن عُمَرَ وَحَدِيثَ أَنَسٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبُزَاقِ فِي الْقبْلَة فَأَما حَدِيث بن عُمَرَ فَ.

     قَوْلُهُ  فِيهِ إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ أَحَدِكُمْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُوَاجِهُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَزَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَفِيهِ جَوَازُ مُعَاتَبَةِ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي يُنْكَرُ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ صَدَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِأَجْلِ التَّحْذِيرِ مِنْ مُعَاوَدَةِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَبْزُقَنَّ أَوْ قَالَ لَا يَتَنَخَّمَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَوْله فِيهِ.

     وَقَالَ  بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا بَزَقَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْزُقْ عَلَى يَسَارِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ يَسَارِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا وَلَمْ تَتَقَدَّمْ هَذِهِ الزِّيَادَة من حَدِيث بن عُمَرَ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ بِلَفْظِ لَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنْ لِيَبْزُقْ خَلْفَهُ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَسَاقَهُ كُلَّهُ مَعْطُوفًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَقَدْ بَيَّنَتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ انْتهى إِلَى



[ قــ :1170 ... غــ :1214] قَوْله لَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْبَاقِي مَوْقُوفٌ وَقَدِ اقْتَصَرَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَلَى الْمَرْفُوعِ مِنْهُ مَعَ أَن هَذَا الْمَوْقُوف عَن بن عُمَرَ قَدْ ثَبَتَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَفِيمَا بعده قَالَ بن بَطَّالٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَقْطَعُهَا كَمَا يَقْطَعُهَا الْكَلَامُ وهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَشْهَبَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ النَّفْخُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَيْسَ فِي النَّفْخِ مِنَ النُّطْقِ بِالْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْبُصَاقِ مِنَ النُّطْقِ بِالتَّاءِ وَالْفَاءِ قَالَ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْبُصَاقِ فِي الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّفْخِ فِيهَا إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَالْمُصَحَّحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنَ النَّفْخِ أَوِ التَّنَخُّمِ أَوِ الْبُكَاءِ أَوِ الْأَنِينِ أَوِ التَّأَوُّهِ أَوِ التَّنَفُّسِ أَوِ الضَّحِكِ أَوِ التَّنَحْنُحِ حَرْفَانِ بطلت الصَّلَاة وَإِلَّا فَلَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْحَرْفَيْنِ يَتَأَلَّفُ مِنْهُمَا الْكَلَامُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَرْفَيْنِ كَلَامًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْإِبْطَالُ بِهِ لَا يَكُونُ بِالنَّصِّ بَلْ بِالْقِيَاسِ فَلْيُرَاعَ شَرْطُهُ فِي مُسَاوَاةِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُنْظُرَ إِلَى مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ حَيْثُ لَا يُسَمَّى الْمَلْفُوظُ بِهِ كَلَامًا فَمَا أُجْمِعَ عَلَى إِلْحَاقِهِ بِالْكَلَامِ أُلْحِقَ بِهِ وَمَا لَا فَلَا قَالَ وَمِنْ ضَعِيفِ التَّعْلِيلِ .

     قَوْلُهُ مْ إِبْطَالُ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَلَامَ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَخَ فِي الْكُسُوفِ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ نَفْخَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُرُوفِ وَرُدَّ بِمَا ثَبَتَ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّ فِيهِ ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ أُفْ أُفْ فَصَرَّحَ بِظُهُورِ الْحَرْفَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَجَعَلْتُ أَنْفُخُ خَشْيَةَ أَنْ يَغْشَاكُمْ حَرُّهَا وَالنَّفْخُ لِهَذَا الْغَرَضِ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ فَانْتَفَى قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ سُمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فِي قَوْلِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بأَنَّ أُفْ لَا تَكُونُ كَلَامًا حَتَّى يُشَدَّدَ الْفَاءُ قَالَ وَالنَّافِخُ فِي نَفْخِةٍ لَا يُخْرِجُ الْفَاء صَادِقَة من مخرجها وَتعقبه بن الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَرْفَيْنِ كَلَامٌ مُبْطِلٌ أَفْهَمَا أَوْ لَمْ يُفْهِمَا وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ تَنْبِيهَانِ الأول نقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الضَّحِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَرْفٍ وَلَا حَرْفَيْنِ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ أَنَّ الضَّحِكَ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْبُكَاءِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إِنْ كَانَ الْبُكَاءُ مِنْ أَجْلِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا الثَّانِي وَرَدَ فِي كَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا لَنَا يُقَالُ لَهُ أَفْلَحُ إِذَا سَجَدَ نَفَخَ فَقَالَ يَا أَفْلَحُ تَرِّبْ وَجْهَكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ.

قُلْتُ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَرِّبْ وَجْهَكَ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ نَحْوُ النَّهْيِ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ وَبُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَثَبَتَ كَرَاهَة النفخ عَن بن عَبَّاس كَمَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَالرُّخْصَةُ فِيهِ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عبد الله أخرجه الْبَيْهَقِيّ