فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني

( قَولُهُ بَابُ السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ)
أَيْ بَعْدَ أَنْ تُحْمَلَ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَنَسٌ أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ فَامْشِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَامْشُوا وَأَثَرُ أَنَسٍ هَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَشْيِ فِي الْجِنَازَةِ فَقَالَ أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا إِنَّمَا أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ وَرَوَيْنَاهُ عَالِيًا فِي رُبَاعِيَّاتِ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُون عَن حميد كَذَلِك وبنحوه أخرجه بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعَتُ الْعَيْزَارَ يَعْنِي بن حُرَيْثٍ سألَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَعْنِي عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ فَقَالَ إِنَّمَا أَنْتَ مُشَيِّعٌ فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَاشْتَمَلَ عَلَى فَائِدَتَيْنِ تَسْمِيَةِ السَّائِلِ وَالتَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ حُمَيْدٍ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مُطَابَقَةُ هَذَا الْأَثَرِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْأَثَرَ يَتَضَمَّنُ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْمُشَيِّعِينَ وَعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ جِهَةً مُعَيَّنَةً وَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَفَاوُتِ أَحْوَالِهِمْ فِي الْمَشْيِ وَقَضِيَّةُ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ أَنْ لَا يُلْزَمُوا بِمَكَانٍ وَاحِدٍ يَمْشُونَ فِيهِ لِئَلَّا يَشُقُّ عَلَى بَعْضِهِمْ مِمَّنْ يَضْعُفُ فِي الْمَشْيِ عَمَّنْ يَقْوَى عَلَيْهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ السُّرْعَةَ لَا تَتَّفِقُ غَالِبًا إِلَّا مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِ الْمَشْيِ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَتَنَاسَبَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ فَقَالَ قَوْلُ أَنَسٍ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى التَّرْجَمَةِ إِلَّا مِنْ وَجْهِ أَنَّ النَّاسَ فِي مَشْيِهِمْ مُتَفَاوِتُونَ.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْمَشْيِ وَالتَّشْيِيعِ فِي أَثَرِ أَنَسٍ أَعَمُّ مِنَ الْإِسْرَاعِ وَالْبُطْءِ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يُفَسِّرَ أَثَرَ أَنَسٍ بِالْحَدِيثِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بِقَوْلِ أَنَسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْرَاعِ مَا لَا يَخْرُجُ عَنِ الْوَقَارِ لِمُتَّبِعِهَا بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِهِ الْمُصَاحَبَةُ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ قَرِيبًا مِنْهَا أَيْ قَالَ غَيْرُ أَنَسٍ مِثْلَ قَوْلِ أَنَسٍ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَشَى أَمَامَهَا وَخَلْفَهَا مَثَلًا وَالْغَيْرُ الْمَذْكُورُ أَظُنُّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ قَالَ شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قُرْطٍ جِنَازَةً فَرَأَى نَاسًا تَقَدَّمُوا وَآخَرِينَ اسْتَأْخَرُوا فَأَمَرَ بِالْجِنَازَةِ فَوُضِعَتْ ثُمَّ رَمَاهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُمِلَتْ ثُمَّ قَالَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورُ صَحَابِيٌّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَكَانَ وَالِيًا عَلَى حِمْصَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَدَلَّ إِيرَادُ الْبُخَارِيِّ لِأَثَرِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ عَلَى اخْتِيَارِ هَذَا الْمَذْهَبِ هُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ بن حَزْمٍ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِالْمَاشِي اتِّبَاعًا لِمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي الْجِنَازَةِ نِسَاءٌ مَشَى أَمَامَهَا وَإِلَّا فَخَلْفَهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَانِ آخَرَانِ مَشْهُورَانِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ أَمَامَهَا أَفْضَلُ وَفِيهِ حَدِيثٌ لِابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لَكِنْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُمَا .

     قَوْلُهُ  حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي عَنْ بَدَلَ مِنْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَقْتَضِي سَمَاعَهُ مِنْهُ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَقَدْ صَرَّحَ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَمَاعِ سُفْيَانَ لَهُ مِنَ الزُّهْرِيّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ كَذَا قَالَ سُفْيَان وَتَابعه معمر وبن أَبِي حَفْصَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَخَالَفَهُمْ يُونُسُ فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لِلزهْرِيِّ فِيهِ شيخين قَوْله اسرعوا نقل بن قُدَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ بِلَا خِلَافٍ بَين الْعلمَاء وشذ بن حَزْمٍ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ شِدَّةُ الْمَشْيِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَجَلَةَ أَحَبُّ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الشَّدِيدُ وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فَقَالَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يسْتَحبّ الْإِسْرَاع لَكِن بِحَيْثُ لاينتهى إِلَى شِدَّةٍ يُخَافُ مَعَهَا حُدُوثُ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ أَوْ مَشَقَّةٍ عَلَى الْحَامِلِ أَوِ الْمُشَيِّعِ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يُتَبَاطَأَ بِالْمَيِّتِ عَنِ الدَّفْنِ وَلِأَنَّ التَّبَاطُؤَ رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّبَاهِي وَالِاخْتِيَالِ .

     قَوْلُهُ  بِالْجِنَازَةِ أَيْ بِحَمْلِهَا إِلَى قَبْرِهَا وَقِيلَ الْمَعْنَى بِتَجْهِيزِهَا فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الثَّانِي بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ.
وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهِيُّ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الرِّقَابِ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعَانِي كَمَا تَقُولُ حَمَلَ فُلَانٌ عَلَى رَقَبَتِهِ ذُنُوبًا فَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتَرِيحُوا مِنْ نَظَرِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يحملونه انْتهى وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث بْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحَ مَرْفُوعًا لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تَبْقَى بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً أَيِ الْجُثَّةُ الْمَحْمُولَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ جُعِلَتِ الْجِنَازَةُ عَيْنَ الْمَيِّتِ وَجُعِلْتِ الْجِنَازَةُ الَّتِي هِيَ مَكَانَ الْمَيِّتِ مُقَدَّمَةً إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي كُنِّيَ بِهِ عَنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ .

     قَوْلُهُ  فَخَيْرٌ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ خَيْرٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَلَهَا خَيْرٌ أَوْ فَهُنَاكَ خَيْرٌ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قَرَّبْتُمُوهَا إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَشَرٌّ نَظِيرُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْخَيْرِ بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ قَالَ بن مَالِكٍ رُوِيَ تُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهَا فَأَنَّثَ الضَّمِيرَ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَيْرِ بِالرَّحْمَةِ أَوِ الْحُسْنَى .

     قَوْلُهُ  تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْجِنَازَةِ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِضَمِيرِ الْمُذَكَّرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَاتَ أَمَّا مَثَلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْبُوتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرَعَ بِدَفْنِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيَتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بن بَزِيزَةَ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ تَرْكُ صُحْبَةِ أَهْلِ البطالة وَغير الصَّالِحين قَولُهُ بَابُ قَوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَيِ السَّرِيرِ قَدِّمُونِي أَيْ إِنْ كَانَ صَالِحًا ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ قَبْلَ بَابٍ



[ قــ :1266 ... غــ :1316] .

     قَوْلُهُ  إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجِنَازَةِ نَفْسُ الْمَيِّتِ وَبِوَضْعِهِ جَعْلُهُ فِي السَّرِيرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ السَّرِيرَ وَالْمُرَادُ وَضْعُهَا عَلَى الْكَتِفِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَيِّتُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ إِذَا وُضِعَ الْمُؤْمِنُ عَلَى سَرِيرِهِ يَقُولُ قَدِّمُونِي الْحَدِيثَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ هُوَ الْجَسَدُ الْمَحْمُولُ على الْأَعْنَاق.

     وَقَالَ  بن بطال إِنَّمَا يَقُول ذَلِك الرّوح ورده بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ الرُّوحَ إِلَى الْجَسَدِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِيَكُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي بُشْرَى الْمُؤْمِنِ وَبُؤْسِ الْكَافِرِ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَزَادَ وَيَكُونُ ذَلِكَ مَجَازًا بِاعْتِبَار مَا يؤل إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ إِدْخَالِ الْقَبْرِ وَسُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ.

قُلْتُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ قَبْلَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ النُّطْقَ فِي الْمَيِّتِ إِذَا شَاءَ وَكَلَامُ بن بطال فِيمَا يظْهر لي أصوب.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِلِسَانِ القال لَا بِلِسَانِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ صَالِحَةٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ لِأَهْلِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لِأَجْلِ أَهْلِهَا إِظْهَارًا لِوُقُوعِهِ فِي الْهَلَكَةِ وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَكَةِ دَعَا بِالْوَيْلِ وَمَعْنَى النِّدَاءِ يَا حُزْنِي وَأَضَافَ الْوَيْلَ إِلَى ضَمِيرِ الْغَائِبِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى كَرَاهِيَةَ أَنْ يُضِيفَ الْوَيْلَ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ كَأَنَّهُ لَمَّا أَبْصَرَ نَفْسَهُ غَيْرَ صَالِحَةٍ نَفَرَ عَنْهَا وَجَعَلَهَا كَأَنَّهَا غَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ قَالَ يَا وَيْلَتَاهُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ .

     قَوْلُهُ  لَصَعِقَ أَيْ لَغُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ مَا يَسْمَعُهُ وَرُبَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الْمَوْتِ وَالضَّمِيرُ فِي يَسْمَعُهُ رَاجِعٌ إِلَى دُعَائِهِ بِالْوَيْلِ أَيْ يَصِيحُ بِصَوْتٍ مُنْكَرٍ لَوْ سَمِعَهُ الْإِنْسَانُ لَغُشِيَ عَلَيْهِ قَالَ بن بَزِيزَةَ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ صَالِحٍ.
وَأَمَّا الصَّالِحُ فَمِنْ شَأْنِهِ اللُّطْفُ وَالرِّفْقُ فِي كَلَامِهِ فَلَا يُنَاسِبُ الصَّعْقُ مِنْ سَمَاعِ كَلَامِهِ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ الصَّعْقُ مِنْ سَمَاعِ كَلَامِ الصَّالِحِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْلُوفٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْأَهْوَالِ بِلَفْظِ لَوْ سَمِعَهُ الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ مِنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولَ دَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّعْقِ عِنْدَ سَمَاعِ كَلَامِ الصَّالِحِ أَيْضًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا مَعَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَيُصْعَقُ صَعْقَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا الْمَيِّتُ وَالصَّعْقُ وَالْأَوَّلُ اسْتُثْنِيَ فِيهِ الْإِنْسُ فَقَطْ وَالثَّانِي اسْتُثْنِيَ فِيهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْمَيِّتِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الصَّعْقِ وَهُوَ الْفَزَعُ إِلَّا مِنَ الْآدَمِيِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَأْلَفْ سَمَاعَ كَلَامِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْجِنِّ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا الصَّيْحَةُ الَّتِي يَصِيحُهَا الْمَضْرُوبُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَأْلُوفَةٍ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا لِكَوْنِ سَبَبِهَا عَذَابَ اللَّهِ وَلَا شَيْءَ أَشَدُّ مِنْهُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فَاشْتَرَكَ فِيهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَيِّتِ يَسْمَعُهُ كُلُّ حَيَوَانٍ نَاطِقٍ وَغَيْرِ نَاطِقٍ لَكِنْ قَالَ بن بَطَّالٍ هُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَإِنَّ الْمَعْنَى يَسْمَعهُ مَنْ لَهُ عَقْلٌ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رُوحٌ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الرُّوحَ مَنْ هُوَ رُوحٌ مِثْلُهُ وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ إِذْ لَا ضَرُورَةَ إِلَى التَّخْصِيصِ بَلْ لَا يُسْتَثْنَى إِلَّا الْإِنْسَانُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَإِنَّمَا اخْتُصَّ الْإِنْسَانُ بِذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ إِنْطَاقِ اللَّهِ الْجَسَدَ بِغَيْرِ رُوحٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ