فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب زكاة الورق

( قَولُهُ بَابُ زَكَاةِ الْوَرِقِ)
أَيْ الْفِضَّةِ يُقَالُ وَرِقَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمَّا كَانَتِ الْفِضَّةُ هِيَ الْمَالُ الَّذِي يَكْثُرُ دَوَرَانُهُ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُوجُ بِكُلِّ مَكَانٍ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى ذِكْرِ تَفَاصِيلِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ



[ قــ :1390 ... غــ :1447] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمْرِو بْنِ يحيى الْمَازِني فِي موطأ بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَازِنِيَّ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذَا الْإِسْنَادِ التَّصْرِيح بِسَمَاع عَمْرو وَهُوَ بن يَحْيَى الْمَذْكُورُ لَهُ مِنْ أَبِيهِ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَادِهِ لِلْإِسْنَادِ خَاصَّةً وَقَدْ حَكَى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَمْ يَأْتِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ إِلَّا أَنَّنِي وَجَدْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ سُهَيْلٍ فِي الْأَمْوَالِ لِأَبِي عبيد وَرِوَايَة مُسلم فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ وَجَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ الْأَرْبَعَةِ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْ حَدِيثِ بن عمر أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  خَمْسِ ذَوْدٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ .

     قَوْلُهُ  خَمْسِ أَوَاقٍ زَادَ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بِالتَّرْجَمَةِ مَا أُبْهِمَ فِي لفظ الحَدِيث إعتمادا على الطَّرِيق الْأُخْرَى وأواق بِالتَّنْوِينِ وَبِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ وَقِيَّةً بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَمِقْدَارُ الْأُوقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُرَادُ بِالدِّرْهَمِ الْخَالِصُ مِنَ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مَضْرُوبًا أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ قَالَ عِيَاضٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّ الدِّرْهَمَ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَتَّى جَاءَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَجَمَعَ الْعُلَمَاءَ فَجَعَلُوا كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ قَالَ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَالَ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ عَلَى أَمْرٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَى مَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَدَدِ فَعَشَرَةٌ مَثَلًا وَزْنُ عَشَرَةٍ وَعَشَرَةٌ وَزْنُ ثَمَانِيَةٍ فَاتَّفَقَ الرَّأْيُ عَلَى أَنْ تُنْقَشَ بِكِتَابَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَيَصِيرُ وَزْنُهَا وَزْنًا وَاحِدًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمِثْقَالُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ.
وَأَمَّا الدِّرْهَمُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي أَنَّ نِصَابَ الزَّكَاةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ يَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا من الْفضة الْخَالِصَة إِلَّا بن حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيَّ فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِقَوْلِهِ إِنَّ كُلَّ أهل بلد يتعاملون بدراهمهم وَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتِلَافًا فِي الْوَزْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَرَاهِمِ الْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهَا مِنْ دَرَاهِمِ الْبِلَادِ وَكَذَا خَرَقَ الْمَرِّيسِيُّ الْإِجْمَاعَ فَاعْتَبَرَ النِّصَابَ بِالْعَدَدِ لَا الْوَزْنِ وَانْفَرَدَ السَّرْخَسِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ إِذَا بَلَغَتْ قَدْرًا لَوْ ضُمَّ إِلَيْهِ قِيمَةُ الْغِشِّ مِنْ نُحَاسٍ مَثَلًا لَبَلَغَ نِصَابًا فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا إِذَا نَقَصَ مِنَ النِّصَابِ وَلَوْ حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ خِلَافًا لِمَنْ سَامَحَ بِنَقْصٍ يَسِيرٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  أَوْسُقٍ جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَجَمْعُهُ حِينَئِذٍ أَوْسَاقٌ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا بالإتفاق وَوَقع فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَأَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ سِتُّونَ مَخْتُومًا وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الْمَكِيلِ بِالْأَوْسُقِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَفَظُ دُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنَى أَقَلَّ لَا أَنَّهُ نَفَى عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ الصَّدَقَةَ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزُّرُوعَ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَدِيثُ لِلْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَحْدُودِ وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي الْأَوْسَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَقَصَ فِيهَا.
وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ كَذَلِكَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَبْلُغَ النِّصَابَ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَجَعَلَ لَهَا وَقَصًا كَالْمَاشِيَةِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الطَّبَرَانِيُّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْجَامِعُ كَوْنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُسْتَخْرَجَيْنِ مِنَ الْأَرْضِ بِكُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَمَا زَادَ فَائِدَةٌ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ دُونَ الْمُعَشَّرَاتِ وَاللَّهُ أعلم