فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآله

( قَولُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنَ الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ)
لَمْ يُعَيِّنِ الْحُكْمَ لِشُهْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا الْمُرَادُ بِالْآلِ هُنَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ عَلَى الْأَرْجَحِ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ فِي أَبْوَابِ الْخُمُسِ فِي آخِرِ الْجِهَادِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَشْرَكَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ غَيْرَهُمْ وَتِلْكَ الْعَطِيَّةُ عِوَضٌ عُوِّضُوهُ بَدَلًا عَمَّا حُرِمُوهُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ رِوَايَتَانِ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا بَيْنَ هَاشِمٍ وَغَالِبِ بْنِ فِهْرٍ قَوْلَانِ فَعَنْ أَصْبَغَ مِنْهُمْ هُمْ بَنُو قُصَيٍّ وَعَنْ غَيْرِهِ بَنُو غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ثَانِيهَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ كَمَا نَقَلَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْخَطَّابِيُّ الْإِجْمَاعَ لَكِنْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّطَوُّعِ قَوْلًا وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ لَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ وَالصَّدَقَةُ يَصْرِفُهَا الرَّجُلُ عَلَى مُحْتَاجٍ يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا أَلَيْسَ يُقَالُ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ قَالَ بن قُدَامَةَ لَيْسَ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِوَاضِحِ الدَّلَالَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ كَالْقَرْضِ وَالْهَدِيَّةِ وَفِعْلِ الْمَعْرُوفِ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ مُتَقَوِّمًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْعَامَّةُ كَمِيَاهِ الْآبَارِ وَكَالْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي دَلِيلُ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا فِي اللُّقَطَةِ وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ثَالِثُهَا هَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ آلُهُ فِي ذَلِك أم لَا قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ كَذَا قَالَ وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْجَوَازَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ عَنْهُ يَجُوزُ لَهُمْ إِذَا حَرَّمُوا سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَنَقَلَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْهُمْ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ الْجَوَازُ الْمَنْعُ جَوَازُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ عَكْسُهُ وَأَدِلَّةُ الْمَنْعِ ظَاهِرَةٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَلَوْ أَحَلَّهَا لِآلِهِ لَأَوْشَكَ أَنْ يَطْعَنُوا فِيهِ وَلِقَوْلِهِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ النَّاسِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُصَحَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَأَمَّا عَكْسُهُ فَقَالُوا إِنَّ الْوَاجِبَ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَلْحَقُ بِآخِذِهِ ذِلَّةٌ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مُوجِبَ الْمَنْعِ رَفْعُ يَدِ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَأَمَّا الْأَعْلَى عَلَى مِثْلِهِ فَلَا وَلَمْ أَرَ لِمَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا دَلِيلًا إِلَّا مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :1432 ... غــ :1491] سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ تَمْرًا مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ وَالْحَسَنُ فِي حِجْرِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ زَادَ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ فَلَمْ يَفْطِنْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ وَلُعَابُهُ يَسِيلُ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِدْقَهُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَلَمَّا فَرَغَ حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَسَالَ لُعَابُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا تَمْرَةٌ فِي فِيهِ .

     قَوْلُهُ  كَخْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مُثَقَّلًا وَمُخَفَّفًا وَبِكَسْرِ الْخَاءِ مُنَوَّنَةٌ وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ فَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّ لُغَاتٍ وَالثَّانِيَةُ تَوْكِيدٌ لِلْأُولَى وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِرَدْعِ الصَّبِيِّ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ مَا يُسْتَقْذَرُ قِيلَ عَرَبِيَّةٌ وَقِيلَ أَعْجَمِيَّةٌ وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهَا مُعَرَّبَةٌ وَقَدْ أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  لِيَطْرَحْهَا زَادَ مُسْلِمٌ ارْمِ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ يَلُوكُ تَمْرَةً فَحَرَّكَ خَدَّهُ.

     وَقَالَ  أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ أَلْقِهَا يَا بُنَيَّ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَخْ كَخْ بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ أَوَّلًا بِهَذَا فَلَمَّا تَمَادَى قَالَ لَهُ كَخْ كَخْ إِشَارَةً إِلَى اسْتِقْذَارِ ذَلِكَ لَهُ وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسُ بِأَنْ يَكُونَ كَلَّمَهُ أَوَّلًا بِذَلِكَ فَلَمَّا تَمَادَى نَزَعَهَا مِنْ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَفْسِهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى جَرِينٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذْتُ مِنْهُ تَمْرَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي فِيَّ فَأَخَذَهَا بِلُعَابِهَا فَقَالَ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيِّ نَحْوُهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَى الْإِمَامِ وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَسْجِدِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَجَوَازُ إِدْخَالِ الْأَطْفَالِ الْمَسَاجِدَ وَتَأْدِيبِهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ وَمَنْعِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ وَمِنْ تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُكَلَّفِينَ لِيَتَدَرَّبُوا بِذَلِكَ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ مَنْعَ وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ إِذَا اعْتَدَّتْ مِنَ الزِّينَةِ وَفِيهِ الْإِعْلَامُ بِسَبَبِ النَّهْيِ وَمُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ لِقَصْدِ إِسْمَاعِ مَنْ يُمَيِّزُ لِأَنَّ الْحَسَنَ إِذْ ذَاكَ كَانَ طِفْلًا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  أَمَا شَعَرْتَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ أَمَا تَعْرِفُ وَلِمُسْلِمٍ أَمَا عَلِمْتَ فَهُوَ شَيْءٌ يُقَالُ عِنْدَ الْأَمْرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ عَالِمًا أَيْ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْكَ هَذَا مَعَ ظُهُورِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَفْعَلْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ فَوَائِدِهِ قَبْلَ بَابَيْنِ