فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب سقاية الحاج

( قَولُهُ بَابُ سِقَايَةِ الْحَاجِّ)
قَالَ الْفَاكِهِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبيد الله حَدثنَا بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سِقَايَةُ الْحَاجِّ زَمْزَمُ.

     وَقَالَ  الْأَزْرَقِيُّ كَانَ عَبْدُ مَنَافٍ يَحْمِلُ الْمَاءَ فِي الرَّوَايَا وَالْقِرَبِ إِلَى مَكَّةَ وَيَسْكُبُهُ فِي حِيَاضٍ مِنْ أَدَمٍ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ لِلْحُجَّاجِ ثُمَّ فَعَلَهُ ابْنُهُ هَاشِمٌ بَعْدَهُ ثُمَّ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا حُفِرَ زَمْزَمُ كَانَ يَشْتَرِي الزَّبِيبَ فَيَنْبِذُهُ فِي مَاء زَمْزَم ويسقي النَّاس قَالَ بن إِسْحَاقَ لَمَّا وَلِيَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ أَمْرَ الْكَعْبَةِ كَانَ إِلَيْهِ الْحِجَابَةُ وَالسِّقَايَةُ وَاللِّوَاءُ وَالرِّفَادَةُ وَدَارُ النَّدْوَةِ ثُمَّ تَصَالَحَ بَنُوهُ عَلَى أَنَّ لِعَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ وَالْبَقِيَّةَ لِلْأَخَوَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ ثُمَّ وَلِيَ السِّقَايَةَ مِنْ بَعْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَدُهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ إِخْوَتِهِ سِنًّا فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فَهِيَ الْيَوْمَ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ تَكَلَّمَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَشَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ فِي السِّقَايَةِ وَالْحِجَابَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ قَالَ حَتَّى تفتح مَكَّة وَمن طَرِيق بن أبي مليكَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمَّا مَاتَ أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يَأْخُذَ السِّقَايَةَ فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ أَشْهَدُ لَرَأَيْتُ أَبَاهُ يَقُومُ عَلَيْهَا وَأَنَّ أَبَاكَ أَبَا طَالِبٍ لَنَازِلٌ فِي إِبِلِهِ بِالْأَرَاكِ بِعَرَفَةَ قَالَ فَكف عَليّ عَن السِّقَايَة وَمن طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ لَنَا الْحِجَابَةَ وَالسِّقَايَةَ فَقَالَ إِنَّمَا أَعطيتكُم مَا ترزءون وَلم أعطكم مَا ترزءون الْأَوَّلُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الزَّايِ أَيْ أَعْطَيْتُكُمْ مَا يَنْقُصُكُمْ لَا مَا تَنْقُصُونَ بِهِ النَّاسَ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْفَاكِهِيُّ حَدِيثَ السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ اشْرَبُوا مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْإِذْنِ لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ صفة الْحَج ثَانِيهمَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شُرْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرَابِ السِّقَايَةِ



[ قــ :1566 ... غــ :1635] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ الْوَاسِطِيُّ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْإِسْنَادُ بِعَيْنِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَسْقَى أَي طلب الشّرْب وَالْفضل هُوَ بن الْعَبَّاسِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُمُّهُ هِيَ أُمُّ الْفَضْلِ لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وَهِيَ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَهُ إِنَّ هَذَا قَدْ مُرِثَ أَفَلَا أَسْقِيكَ مِنْ بُيُوتِنَا قَالَ لَا وَلَكِنِ اسْقِنِي مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ اسْقِنِي زَادَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي رِوَايَتِهِ فَنَاوَلَهُ الْعَبَّاسُ الدَّلْوَ .

     قَوْلُهُ  فَشَرِبَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ الْمَذْكُورَةِ فَأُتِيَ بِهِ فَذَاقَهُ فَقَطَّبَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَكَسَرَهُ قَالَ وَتَقْطِيبُهُ إِنَّمَا كَانَ لِحُمُوضَتِهِ وَكَسَرَهُ بِالْمَاءِ لِيَهُونَ عَلَيْهِ شُرْبُهُ وَعُرِفَ بِهَذَا جِنْسُ الْمَطْلُوبِ شربه إِذْ ذَاكَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ من نَبِيذ فَشرب وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ.

     وَقَالَ  أَحْسَنْتُمْ كَذَا فَاصْنَعُوا .

     قَوْلُهُ  لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَيْ إِنَّكُمْ لَا تَتْرُكُونِي أَسْتَقِي وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَتُغْلَبُوا كَذَا قَالَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنْ تَقَعَ لَكُمُ الْغَلَبَةُ بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ بِسَبَبِ فِعْلِي وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ الْوُلَاةُ عَلَيْهَا حِرْصًا عَلَى حِيَازَةِ هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ إِذَا رَأَوْنِي قَدْ عَمِلْتُهُ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِي فَيَغْلِبُوكُمْ بِالْمُكَاثَرَةِ لَفَعَلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ سِقَايَةَ الْحَاجِّ خَاصَّةٌ بِبَنِي الْعَبَّاسِ.
وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فِي الْمَبِيتِ فَفِيهَا أقوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ هِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ وَلَا بِسِقَايَتِهِمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ لِلْوُجُوبِ وَفِيه نظر.

     وَقَالَ  بن بَزِيزَةَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا قَصْرَ السِّقَايَةِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يُشَارِكُوا فِيهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِي أُرْصِدَ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا يَحْرُمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى آلِهِ تَنَاوُلُهُ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ أَرْصَدَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِذَلِكَ وَقَدْ شَرِبَ مِنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ يُحْمَلُ الْأَمْرُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّهَا مُرْصَدَةٌ لِلنَّفْعِ الْعَامِ فَتَكُونُ لِلْغَنِيِّ فِي مَعْنَى الْهَدِيَّةِ وَلِلْفَقِيرِ صَدَقَةً وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ طَلَبُ السَّقْيِ مِنَ الْغَيْرِ وَلَا رَدُّ مَا يَعْرِضُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ الْإِكْرَامِ إِذَا عَارَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّ رَدَّهُ لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ مِمَّا يُؤْتَى بِهِ مِنْ نَبِيذٍ لِمَصْلَحَةِ التَّوَاضُعِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ شُرْبِهِ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ خُصُوصًا مَاءَ زَمْزَمَ وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِرْصُ أَصْحَابِهِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَكَرَاهَةُ التَّقَذُّرِ والتكره للمأكولات والمشروبات قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الطَّهَارَةُ لِتَنَاوُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشَّرَاب الَّذِي غمست فِيهِ الْأَيْدِي