فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: ذات عرق لأهل العراق

( قَولُهُ بَابُ مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ تَكْمِيلٌ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ فِي أَيِّ سَنَةٍ وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوَاقِيتَ فَقَالَ عَامَ حَجَّ انْتَهَى وَقَدْ سَبَقَ حَدِيث بن عُمَرَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْن تَأْمُرنَا أَن نهل قَولُهُ بَابُ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ هِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ عِرْقًا وَهُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ تُنْبِتُ الطَّرْفَاءَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَالْمَسَافَةُ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَهُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ



[ قــ :1470 ... غــ :1531] .

     قَوْلُهُ  لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ فُتِحَ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَمَّا فَتَحَ هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالتَّاءِ عَلَى حَذْفِ الْفَاعِلِ وَالتَّقْدِيرُ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ وَكَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ.
وَأَمَّا بن مَالك فَقَالَ تنَازع فتح وَأتوا وَهُوَ عَلَى إِعْمَالِ الثَّانِي وَإِسْنَادِ الْأَوَّلِ إِلَى ضَمِيرِ عُمَرَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُخْتَصَرًا وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَالْمِصْرَانِ تَثْنِيَةُ مِصْرَ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْكُوفَةُ وَالْبَصْرَةُ وَهُمَا سُرَّتَا الْعِرَاقِ وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهِمَا غَلَبَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَكَانِ أَرْضِهِمَا وَإِلَّا فَهُمَا مِنْ تَمْصِيرِ الْمُسْلِمِينَ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ جَوْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ مَيْلٌ وَالْجَوْرُ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَمِنْهَا جَائِر .

     قَوْلُهُ  فَانْظُرُوا حَذْوَهَا أَيِ اعْتَبِرُوا مَا يُقَابِلُ الْمِيقَاتَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي تَسْلُكُونَهَا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ فَاجْعَلُوهُ مِيقَاتًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ عُمَرَ حَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ لَمْ يُوَقِّتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ شَيْئًا فَاتَّخَذَ النَّاسُ بِحِيَالِ قَرْنٍ ذَاتَ عِرْقٍ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ وَزَادَ فِيهِ قَالَ بن عُمَرَ فَآثَرَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ عَلَى قَرْنٍ وَله عَن سُفْيَان عَن صَدَقَة عَن بن عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْمَوَاقِيتِ قَالَ فَقَالَ لَهُ قَائِل فَأَيْنَ الْعرَاق فَقَالَ بن عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ عِرَاقٌ وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ وَوَقَعَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاق عَن مَالك عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ قَالَ وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَرْنًا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ لِي بَعْضُهُمْ إِنَّ مَالِكًا مَحَاهُ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

قُلْتُ وَالْإِسْنَادُ إِلَيْهِ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ قَالَ لَمْ يُوَقِّتْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أَهْلُ الْمَشْرِقِ.

     وَقَالَ  فِي الْأُمِّ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَدَّ ذَاتَ عِرْقٍ وَإِنَّمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ ذَاتِ عِرْقٍ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ وَصَحَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوك فِي رَفعه أخرجه من طَرِيق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسِبُهُ رُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ بِلَفْظِ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمد من رِوَايَة بن لَهِيعَة وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَشُكَّا فِي رَفْعِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ كِلَاهُمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ رَأَى ضَعْفَ الْحَدِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ وَلِهَذَا قَالَ بن خُزَيْمَةَ رُوِيَتْ فِي ذَاتِ عِرْقٍ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ لَمْ نَجِدْ فِي ذَاتِ عِرْقٍ حَدِيثًا ثَابِتًا انْتَهَى لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِمَجْمُوعِ الطُّرُقِ يَقْوَى كَمَا ذَكَرْنَا.
وَأَمَّا إِعْلَالُ مَنْ أَعَلَّهُ بِأَنَّ الْعرَاق لم تكن فتحت يَوْمئِذٍ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هِيَ غَفْلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ النَّوَاحِي قَبْلَ الْفُتُوحِ لَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا سَتُفْتَحُ فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ انْتَهَى وَبِهَذَا أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ لَكِنْ يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ مِنْ قَالَ لَمْ يَكُنِ الْعِرَاقُ يَوْمَئِذٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ نَاس مُسلمُونَ وَالسَّبَب فِي قَول بن عُمَرَ ذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَأَجَابَهُ وَكُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ كَانَ مِنْ قِبَلِهَا نَاسٌ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْمَشْرِقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْوُجُوبِ وَالْعَقِيقَ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقِيقَ مِيقَاتٌ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ وَالْآخَرُ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ لِأَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ الْآنَ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقُرِّبَتْ إِلَى مَكَّةَ فَعَلَى هَذَا فَذَاتُ عِرْقٍ وَالْعَقِيقُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَيَتَعَيَّنُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْعَقِيقِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا قَالُوا يسْتَحبّ إحتياطا وَحكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ يُحْرِمُ مِنَ الرَّبَذَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ عبد الرَّحْمَن وخصيف الْجَزرِي قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَشْبَهُ فِي النَّظَرِ إِنْ كَانَتْ ذَاتُ عِرْقٍ غَيْرَ مَنْصُوصَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهَا تُحَاذِي ذَا الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ بَعْدَهَا وَالْحُكْمُ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ مِيقَاتٍ يُحَاذِيهِ لَكِنْ لَمَّا سَنَّ عُمَرُ ذَاتَ عِرْقٍ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إِذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْحَرَمِ فَذُو الْحُلَيْفَةِ شَامِيَّةٌ وَيَلَمْلَمُ يَمَانِيَةٌ فَهِيَ مُقَابِلُهَا وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَقْرَبَ إِلَى مَكَّةَ مِنَ الْأُخْرَى وَقَرْنٌ شَرْقِيَّةٌ وَالْجُحْفَةُ غَرْبِيَّةٌ فَهِيَ مُقَابِلُهَا وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا كَذَلِكَ وَذَاتُ عِرْقٍ تُحَاذِي قَرْنًا فَعَلَى هَذَا فَلَا تَخْلُو بُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ تُحَاذِيَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ وَلَا يُحَاذِي مِيقَاتًا هَلْ يُحْرِمُ مِنْ مِقْدَارٍ أَبْعَدَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ أَقْرَبَهَا ثُمَّ حَكَى فِيهِ خِلَافًا وَالْفَرْضُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ لِمَا قُلْتُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ فَرَضَهُ فِيمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُحَاذَاةِ كَمَنْ يَجْهَلُهَا وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِ عُمَرَ هَذَا فِي تَوْقِيتِهِ ذَاتَ عِرْقِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا حَدَّهَا لِأَنَّهَا تُحَاذِي قَرْنًا وَهَذِهِ الصُّورَةُ إِنَّمَا هِيَ حَيْثُ يَجْهَلُ الْمُحَاذَاةَ فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالْمَرْحَلَتَيْنِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَكِنَّ مُقْتَضَى الْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَكْثَرُ الْأَبْعَدُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ مَنْ عَنْ شِمَالِهَا لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا أَقْرَبُ مِنَ الَّتِي عَنْ شِمَالِهَا فَيُقَدَّرُ لِلْيَمِينِ الْأَقْرَبُ وَلِلشِّمَالِ الْأَبْعَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْمُحَاذَاةِ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ فَأَمَّا مَنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ كَالْمِصْرِيِّ مَثَلًا يَمُرُّ بِبَدْرٍ وَهِيَ تُحَاذِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ الْعَقِيقُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَادٍ يَتَدَفَّقُ مَاؤُهُ فِي غَوْرَيْ تِهَامَةَ وَهُوَ غَيْرُ الْعَقِيقِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ بَابَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ