فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب هدم الكعبة

( قَولُهُ بَابُ هَدْمِ الْكَعْبَةِ)
أَيْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَالَتْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهَا بِلَفْظِ يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ وَمُنَاسَبَتُهُ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ غَزْوَ الْكَعْبَةِ سَيَقَعُ فَمَرَّةٌ يُهْلِكُهُمُ اللَّهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَأُخْرَى يُمَكِّنُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَزْوَ الَّذِينَ يُخَرِّبُونَهُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْأَوَّلَيْنِ



[ قــ :1530 ... غــ :1595] .

     قَوْلُهُ  عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَزْنُ الْأَحْمَرِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ كُوفِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  كَأَنِّي بِهِ كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا حُذِفَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبُ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ اسْتَكْثِرُوا مِنَ الطَّوَافِ بِهَذَا الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَكَأَنِّي بِرَجُلٍ مِنَ الْحَبَشَةِ أَصْلَعَ أَوْ قَالَ أَصْمَعَ حَمْشِ السَّاقَيْنِ قَاعِدٍ عَلَيْهَا وَهِيَ تُهْدَمُ وَرَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَفْظُهُ أَصْعَلَ بَدَلَ أَصْلَعَ.

     وَقَالَ  قَائِمًا عَلَيْهَا يَهْدِمُهَا بِمِسْحَاتِهِ وَرَوَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا .

     قَوْلُهُ  كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ بِوَزْنِ أَفْعَلَ بِفَاءٍ ثُمَّ حَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ وَالْفَحَجُ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ السَّاقَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَفِي إِعْرَابِهِ أَوْجُهٌ قِيلَ هُوَ حَالٌ مِنْ خَبَرِ كَانَ وَهُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي أَشْبَهَ الْفِعْلَ وَقِيلَ هُمَا حَالَانِ مِنْ خَبَرِ كَانَ وَذُو الْحَالِ إِمَّا الْمُسْتَقِرُّ الْمَرْفُوعُ أَوِ الْمَجْرُورُ وَالثَّانِي أَشْبَهُ أَوْ هُمَا بَدَلَانِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَلْزَمُ إِضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ وَهُوَ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِكَ رَأَيْتُهُ رَجُلًا وَقِيلَ هُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَقَولُهُ حَجَرًا حَجَرًا حَالٌ كَقَوْلِكَ بَوَّبْتُهُ بَابًا بَابًا وَقَولُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَصْلَعَ أَوْ أَصْعَلَ أَوْ أَصْمَعَ الْأَصْلَعُ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَالْأَصْعَلُ الصَّغِيرُ الرَّأْسِ وَالْأَصْمَعُ الصَّغِيرُ الْأُذُنَيْنِ وَقَولُهُ حَمْشِ السَّاقَيْنِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ أَيْ دَقِيقِ السَّاقَيْنِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْفَاكِهِيُّ فِي آخِرِهِ يَعْنِي الْكَعْبَةَ





[ قــ :1531 ... غــ :1596] قَوْله عَن بن شِهَابٍ كَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ وَتَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَخَالَفَهُمَا بن الْمُبَارَكِ فَرَوَاهُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سُحَيْمٍ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّاد عَن بن الْمُبَارَكِ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيَكُونُ لِلزُّهْرِيِّ فِيهِ شَيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ تَثْنِيَةُ سُوَيْقَةَ وَهِيَ تَصْغِيرُ سَاقَ أَيْ لَهُ سَاقَانِ دَقِيقَانِ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْحَبَشَةِ أَيْ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ وَلَفْظُهُ يُبَايَعُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ فَإِذَا اسْتَحَلُّوهُ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَلَكَةِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَجِيءُ الْحَبَشَةُ فَيُخَرِّبُونَهُ خَرَابًا لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَخْرِجُونَ كَنْزَهُ وَلِأَبِي قُرَّةَ فِي السُّنَنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يَسْتَخْرِجُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ إِلَّا ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَادَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ فَيَسْلُبُهَا حِلْيَتَهَا وَيُجَرِّدُهَا مِنْ كِسْوَتِهَا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ أُصَيْلِعَ أُفَيْدِعَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِمِسْحَاتِهِ أَوْ بِمِعْوَلِهِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوُهُ وَزَادَ قَالَ مُجَاهِدٌ فَلَمَّا هدم بن الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ جِئْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ هَلْ أَرَى الصِّفَةَ الَّتِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَلَمْ أَرَهَا قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا وَلِأَنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَلَمْ يُمَكِّنْ أَصْحَابَهُ مِنْ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ قِبْلَةً فَكَيْفَ يُسَلِّطُ عَلَيْهَا الْحَبَشَةَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ قِبْلَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ حَيْثُ لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ لَا يَعْمُرُ بَعْدَهُ أَبَدًا وَقَدْ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهِ مِنَ الْقِتَالِ وَغَزْوِ أَهْلِ الشَّامِ لَهُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَعْظَمِهَا وَقْعَةُ الْقَرَامِطَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ فَقَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَطَافِ مَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَقَلَعُوا الْحَجَر الْأَسْوَدَ فَحَوَّلُوهُ إِلَى بِلَادِهِمْ ثُمَّ أَعَادُوهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ ثُمَّ غزى مرَارًا بعد ذَلِك وكل ذَلِك لَا يُعَارض قَوْله تَعَالَى أَو لم يرَوا أَنا جعلنَا حرما آمنا لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَنْ يَسْتَحِلَّ هَذَا الْبَيْتَ إِلَّا أَهْلُهُ فَوَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّتِهِ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فِيهَا وَالله أعلم