فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أَبْوَابهَا)
أَيْ بَيَانِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ



[ قــ :1723 ... غــ :1803] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ .

     قَوْلُهُ  كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذا حجُّوا فجاؤوا هَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْأَنْصَارِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ سَائِرَ الْعَرَبِ كَانُوا كَذَلِكَ إِلَّا قُرَيْشًا وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ كَمَا قَالَ الْبَرَاءُ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ مُرْسَلِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا حَجُّوا سَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِلَفْظِ إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ هُوَ قُطْبَةُ بِضَمِّ الْقَاف وَإِسْكَان الْمُهْملَة بعْدهَا مُوَحدَة بن عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بِمُهْمَلَاتٍ وَزْنُ كَبِيرَةَ الْأَنْصَارِيُّ الخزرجي السّلمِيّ كَمَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُدْعَى الْحُمْسَ وَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فِي الْإِحْرَامِ وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ وَسَائِرُ الْعَرَبِ لَا يَدْخُلُونَ مِنَ الْأَبْوَابِ فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بُسْتَانٍ فَخَرَجَ مِنْ بَابِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قُطْبَةَ رَجُلٌ فَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْبَابِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ رَأَيْتُكَ فَعَلْتَهُ فَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتَ قَالَ إِنِّي أَحْمَسِيٌّ قَالَ فَإِنَّ دِينِي دِينُكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ وَهَذَا الْإِسْنَادُ وَإِنْ كَانَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ عَلَى الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ جَابِرًا أَخْرَجَهُ تَقِيٌّ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي تَفْسِيرِهِمَا مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا سَمَّاهُ الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا ذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي تَفْسِيرِهِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتٍ وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بن حميد وبن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ قَيْسِ بْنِ جُبَيْرٍ النَّهْشَلِيِّ قَالَ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَأْتُوا بَيْتًا مِنْ قِبَلِ بَابِهِ وَلَكِنْ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ وَكَانَتْ الْحُمْسُ تَفْعَلُهُ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطًا فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتٍ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْحُمْسِ فَذَكَرَ الْقِصَّة وَهَذَا مُرْسَلٌ وَالَّذِي قَبْلَهُ أَقْوَى إِسْنَادًا فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ فِي الْقِصَّةِ إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ نَظَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِأَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ تَابُوتٍ مَعْدُودٌ فِي الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الَّذِي هَبَّتِ الرِّيحُ الْعَظِيمَةُ لِمَوْتِهِ كَمَا وَقَعَ مُبْهَمًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُفَسَّرًا فِي غَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُمَا رَجُلَانِ تَوَافَقَ اسْمُهُمَا وَاسْمُ أَبَوَيْهِمَا وَإِلَّا فَكَوْنُهُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَقُطْبَةُ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ بِخِلَافِ رِفَاعَةَ وَيَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ اخْتِلَافُ الْقَوْلِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى الدَّاخِلِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالُوا إِنَّ قُطْبَةَ رَجُلٌ فَاجِرٌ وَفِي مُرْسَلِ قَيْسِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ رِفَاعَةُ لَكِنْ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ يَتَعَدَّدَ الْقَائِلُونَ فِي الْقِصَّةِ الْوَاحِدَة وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاس عِنْد بن جُرَيْجٍ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ أَوَّلَ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَبَيَّنَ الزُّهْرِيُّ السَّبَبَ فِي صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَهَلَّ فَبَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَدْخُلْ مِنَ الْبَابِ مِنْ أَجْلِ السَّقْفِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى نُزُولِ الْآيَةِ فِي سَبَبِ الْإِحْرَامِ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّ بِالشَّيْءِ يَصْنَعُهُ فَيُحْبَسُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْتِي بَيْتًا مِنْ قِبَلِ بَابِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي كَانَ هَمَّ بِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ وَغَيْرُهُ جَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فَقَالَ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ لَمْ يَدْخُلْ مَنْزِلَهُ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ فَنزلت أخرجه بن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد ضَعِيف وَأَغْرَبَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِيهِ فَجَزَمَ بِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ لَكِنْ مَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ الْحُمْسَ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَعَكَسَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ فَقَالَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ ثَقَبَ كُوَّةً فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ فَدَخَلَ مِنْهَا فَجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَدَخَلَ مِنَ الْبَابِ وَذَهَبَ الْمُشْرِكُ لِيَدْخُلَ مِنَ الْكُوَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ إِنِّي أَحْمَسِيٌّ فَقَالَ وَأَنَا أَحْمَسِيٌّ فَنزلت أخرجه الطَّبَرِيّ