فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الحجامة للمحرم

( قَولُهُ بَابُ الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ)
أَيْ هَلْ يُمْنَعُ مِنْهَا أَوْ تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا أَوْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَحْجُومُ لَا الْحَاجِمَ قَوْله وكوى بن عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ هَذَا الِابْنُ اسْمُهُ وَاقِدٌ وَصَلَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ أَصَابَ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِرْسَامٌ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى مَكَّة فكواه بن عُمَرَ فَأَبَانَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلضَّرُورَةِ .

     قَوْلُهُ  وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ هَذَا من تَتِمَّة التَّرْجَمَة وَلَيْسَ فِي أثر بن عُمَرَ كَمَا تَرَى.
وَأَمَّا قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ فَاعِلُ يتداوى أما الْمحرم وَأما بن عُمَرَ فَكَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى أَثَرِ بن عُمَرَ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ فِي بَاب الطّيب عِنْد الْإِحْرَام قَول بن عَبَّاسٍ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِهَذَا وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحِجَامَةِ عُمُومُ التَّدَاوِي وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ إِنْ أَصَابَ الْمُحْرِمَ شَجَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مَا حَوْلَهَا مِنَ الشَّعْرِ ثُمَّ يُدَاوِيَهَا بِمَا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ



[ قــ :1751 ... غــ :1835] .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَنَا عَمْرٌو أَوَّلُ شَيْءٍ أَيْ أَوَّلُ مَرَّةٍ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو وَهُوَ بن دِينَارٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ سَمِعْتُهُ هُوَ مَقُولُ سُفْيَانَ وَالضَّمِيرُ لِعَمْرٍو وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لَعَلَّهُ سَمِعَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَمْرٌو مَرَّتَيْنِ فَذَكَرَهُ لَكِنْ قَالَ فَلَا أَدْرِي أَسَمِعَهُ مِنْهُمَا أَوْ كَانَتْ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا زَادَ أَبُو عَوَانَةَ قَالَ سُفْيَانُ ذَكَرَ لِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ بن عُيَيْنَةَ نَحْوَ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ فَذَكَرَهُ قَالَ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ طَاوُسٍ بِهِ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّمَا كُنْتَ حَدَّثْتَنَا عَنْ عَطَاءٍ قَالَ اسْكُتْ يَا صَبِيُّ لَمْ أَغْلَطْ كِلَاهُمَا حَدَّثَنِي.

قُلْتُ فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَلَعَلَّ سُفْيَانَ تَرَدَّدَ فِي كَوْنِ عَمْرٍو سَمِعَهُ مِنْهُمَا لَمَّا خَشِيَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْهُ حَالَةَ الْغَضَبِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حُدِّثَ بِهِ فَجَمَعَهُمَا قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عَمْرٌو أَوَّلًا فحفظناه قَالَ طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ فَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ فَقَالَ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٌ عَن بن عَبَّاسٍ.

قُلْتُ وَكَذَا جَمَعَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ مُسَدَّدٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الطِّبِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقُتَيْبَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَتَابَعَ سُفْيَانَ عَلَى رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ عَمْرٍو لَكِنْ عَنْ طَاوُسٍ وَحْدَهُ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عَوَانَةَ وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَمن طَرِيق بن جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْهُ تَنْبِيهٌ زَعَمَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِالسِّيَاقِ الْمَذْكُورِ أَنَّ عُمَرًا حَدَّثَ بِهِ سُفْيَان أَولا عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ثُمَّ حَدَّثَهُ بِهِ ثَانِيًا عَنْ عَطَاءٍ بِوَاسِطَةِ طَاوُسٍ.

قُلْتُ وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى طَرِيقِ مُسَدَّدٍ الَّتِي فِي الْكِتَابِ الَّذِي شُرِحَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا تُعْرَفُ مَعَ ذَلِكَ لِعَطَاءٍ عَنْ طَاوُسٍ رِوَايَةٌ أَصْلًا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان قَوْله وَهُوَ محرم زَاد بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ صَائِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ وَزَادَ زَكَرِيَّا عَلَى رَأْسِهِ وَسَتَأْتِي رِوَايَةُ عِكْرِمَةَ فِي الصَّوْم وَهَذِه الزِّيَادَات مُوَافقَة لحَدِيث بن بُحَيْنَةَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ دُونَ ذِكْرِ الصِّيَامِ





[ قــ :175 ... غــ :1836] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ وَاسْمُ أَبِي عَلْقَمَةَ بِلَالٌ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ سَمِعَ أَنَسًا وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ أُمِّ عَلْقَمَةَ وَاسْمُهَا مَرْجَانَةُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ قَوْله عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن بن بُحَيْنَةَ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ فِي الطِّبِّ عَنْ إِسْمَاعِيل وَهُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُحَيْنَةَ .

     قَوْلُهُ  بِلَحْيِ جَمَلٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَسُكُونُ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَقَدْ وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ بِلَحْيِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ ذَكَرَ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ فِي رَسْمِ الْعَقِيقِ قَالَ هِيَ بِئْرُ جَمَلٍ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي جَهْمٍ يَعْنِي الْمَاضِي فِي التَّيَمُّمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هِيَ عَقَبَةُ الْجُحْفَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أبي ذَر بِلحي جَمَلٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَلِغَيْرِهِ بِالْإِفْرَادِ وَوَهَمَ مَنْ ظَنَّهُ فَكَّيِ الْجَمَلِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ وَأَنَّهُ كَانَ آلَةَ الْحَجْمِ وَجَزَمَ الْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ صَائِمًا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ .

     قَوْلُهُ  فِي وَسَطِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُتَوَسِّطُهُ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْيَافُوخِ فِيمَا بَيْنَ أَعْلَى الْقَرْنَيْنِ قَالَ اللَّيْثُ كَانَتْ هَذِهِ الْحِجَامَةُ فِي فَأْسِ الرَّأْسِ.
وَأَمَّا الَّتِي فِي أَعْلَاهُ فَلَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَعْمَتْ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ الْحِجَامَةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ تَضَمَّنَتْ قَطْعَ شَعْرٍ فَهِيَ حَرَامٌ لِقَطْعِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ جَازَتْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَعَنِ الْحَسَنِ فِيهَا الْفِدْيَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ جَازَ قَطْعُ الشَّعْرِ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ وَخَصَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ الْفِدْيَة بِشعر الرَّأْس.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ إِذَا أَمْكَنَ مَسْكُ الْمَحَاجِمِ بِغَيْرِ حَلْقٍ لَمْ يَجُزِ الْحَلْقُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الْفَصْدِ وَبَطِّ الْجُرْحِ وَالدُّمَّلِ وَقَطْعِ الْعِرْقِ وَقَلْعِ الضِّرْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّدَاوِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ارْتِكَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنْ تَنَاوُلِ الطِّيبِ وَقَطْعِ الشَّعْرِ وَلَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِك وَالله أعلم