فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

( قَولُهُ بَابُ مَا يُنْهَى أَيْ عَنْهُ مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ)
أَيْ أَنَّهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ هَلْ تُعَدُّ طِيبًا أَوْ لَا وَالْحِكْمَةُ فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنَ الطِّيبِ أَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي تُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَبِأَنَّهُ يُنَافِي حَالَ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ لَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ الْمُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ إِلَّا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ وَلَا تَبَرْقَعُ وَلَا تَلَثَّمُ وَتُسْدِلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي مَنْعِ الطِّيبِ إِجْمَاعًا وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ أَصْلَ حَدِيثِ الْبَاب من طَرِيق بن إِسْحَاق حَدثنِي نَافِع عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسَ وَالزَّعْفَرَانَ مِنَ الثِّيَابِ وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ بن عُمَرَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ مَعَ سَائِرِ مَبَاحِثِهِ فِي بَابِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَزَادَ فِيهِ هُنَا وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي رَفْعِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَوَقْفِهَا وَسَأُبَيِّنُ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ فِي آخِرِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ



[ قــ :1754 ... غــ :1838] .

     قَوْلُهُ  وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَي بن عقبَة وَهُوَ بن أَخِي مُوسَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ مَوْصُولًا فِي فَوَائِدِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ السَّلَفِيِّ عَنِ الثَّقَفِيِّ عَنِ بن بَشْرَانَ عَنْهُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ نَافِع بِهِ قَوْله وَجُوَيْرِية أَي بن أَسْمَاءَ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ عَنْهُ عَنْ نَافِعٍ وَفِيه الزِّيَادَة قَوْله وبن إِسْحَاقَ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ أَيْ فِي ذِكْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَالْقُفَّازُ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ زَايٌ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدِهَا فَيُغَطِّي أَصَابِعَهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ مُعَانَاةِ الشَّيْءِ كَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ لِلْيَدِ كَالْخُفِّ لِلرِّجْلِ وَالنِّقَابُ الْخِمَارُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى الْأَنْفِ أَوْ تَحْتَ الْمَحَاجِرِ وَظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ وَلَكِنَّ الرِّجْلَ فِي الْقُفَّازِ مِثْلُهَا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُحِيطٌ بِجُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ.
وَأَمَّا النِّقَابُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ جِهَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عُبَيْدُ الله يَعْنِي بن عُمَرَ الْعُمَرِيَّ وَلَا وَرْسَ وَكَانَ يَقُولُ لَا تَتَنَقَّبُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ يَعْنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ خَالَفَ الْمَذْكُورِينَ قَبْلُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ نَافِعٍ فَوَافَقَهُمْ عَلَى رَفْعِهِ إِلَى قَوْلِهِ زَعْفَرَانٌ وَلَا وَرْسٌ وَفَصَلَ بَقِيَّة الحَدِيث فَجعله من قَول بن عُمَرَ وَهَذَا التَّعْلِيقُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بن بشر وَحَمَّاد بن مسْعدَة وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فساق الحَدِيث إِلَى قَوْله وَلَا ورس قَالَ وَكَانَ عبد الله يَعْنِي بن عُمَرَ يَقُولُ وَلَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ وَرَوَاهُ يَحْيَى القَطَّانُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَى رَفْعِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال مَالِكٌ إِلَخْ هُوَ فِي الْمُوَطَّأِ كَمَا قَالَ وَالْغَرَضُ أَنَّ مَالِكًا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ فَقَطْ وَفِي ذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِرِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَظَهَرَ الْإِدْرَاجِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْحُكْمَ بِالْإِدْرَاجِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ النِّقَابِ وَالْقُفَّازِ مُفْرَدًا مَرْفُوعًا للابتداء بالنهى عَنْهُمَا فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ الْمَرْفُوعَةِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهَا.

     وَقَالَ  فِي الِاقْتِرَاحِ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ فِي أَوَّلِ الْمَتْنِ ضَعِيفَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الثِّقَاتِ إِذَا اخْتَلَفُوا وَكَانَ مَعَ أَحَدِهِمْ زِيَادَةٌ قُدِّمَتْ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ حَافِظًا وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ أَحْفَظَ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي نَافِعٍ أَحْفَظُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ خَالَفَهُ وَقَدْ فَصَلَ الْمَرْفُوعَ مِنَ الْمَوْقُوفِ.
وَأَمَّا الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ فَرَفَعَهُ فَقَدْ شَذَّ بِذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا الَّذِي ابْتَدَأَ فِي الْمَرْفُوعِ بِالْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَكَأَنَّهُ رَأَى أَشْيَاءَ مُتَعَاطِفَةً فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ لِجَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَمَعَ الَّذِي فَصَلَ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَهُوَ أَوْلَى أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ قَالَ بِلَفْظِ قَالَ وَثَانِيًا بِلَفْظِ كَانَ يَقُولُ.

قُلْتُ لَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ مرّة وَهَذَا كَانَ بقوله دَائِمًا مُكَرِّرًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ إِمَّا مِنْ جِهَةِ حَذْفِ الْمَرْأَةِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ لَا تَتَنَقَّبُ مِنَ التَّفَعُّلِ وَالثَّانِي مِنَ الِافْتِعَالِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثَّانِي بِضَمِّ الْبَاءِ عَلَى سَبِيلِ النَّفْيِ لَا غَيْرَ وَالْأَوَّلَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ نَفْيًا وَنَهْيًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ .

     قَوْلُهُ  وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَيْ تَابَعَ مَالِكًا فِي وَقْفِهِ وَكَذَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نَافِعٍ مَوْقُوفا على بن عُمَرَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا تَنْتَقِبُ أَيْ لَا تَسْتُرُ وَجْهَهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مَنْعِهَا مِنْ سَتْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا بِمَا سِوَى النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ .

     قَوْلُهُ  مَسَّهُ وَرْسٌ إِلَخْ مَفْهُومُهُ جَوَازُ مَا لَيْسَ فِيهِ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ لَكِنْ أَلْحَقَ الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ أَنْوَاعَ الطِّيبِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَصْبُوغِ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِك وَالْوَرْسُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ قَالَهُ جمَاعَة وَجزم بذلك بن الْعَرَبِيّ وَغَيره.

     وَقَالَ  بن الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ الْوَرْسُ يُؤْتَى بِهِ مِنَ الْيَمَنِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ وَلَيْسَ بِنَبَاتٍ بَلْ يُشْبِهُ زَهْرَ الْعُصْفُرِ وَنَبْتُهُ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْبَنَفْسِجَ وَيُقَالُ إِنَّ الْكُرْكُمَ عُرُوقُهُ





[ قــ :1755 ... غــ :1839] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَالْحكم هُوَ بن عُتَيْبَةَ .

     قَوْلُهُ  وَقَصَتْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ كَفَنِ الْمُحْرِمِ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ بَيَانُ اخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِلَفْظِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَهُوَ مِنَ الْحَنُوطِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ الطِّيبُ الَّذِي يُصْنَعُ لِلْمَيِّتِ وَقَولُهُ يبْعَث ملبيا أَيْ عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ إِحْرَامِهِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ تَمَسَّكُوا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظَةٍ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهَا وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا.
وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا إِنَّ فِي ثُبُوتِ ذِكْرِ الْوَجْهِ مَقَالًا وَتردد بن الْمُنْذِرِ فِي صِحَّتِهِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ الْوَجْهِ غَرِيبٌ وَهُوَ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ مَنْصُورٌ وَلَا تُغَطُّوا وَجْهَهُ.

     وَقَالَ  أَبُو الزُّبَيْرِ وَلَا تَكْشِفُوا وَجْهَهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ وَلَا يُمَسُّ طِيبًا خَارِجَ رَأْسِهِ قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَدَّثَنِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ خَارِجَ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ انْتَهَى وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِالتَّطَيُّبِ لَا بِالْكَشْفِ وَالتَّغْطِيَةِ وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاتُهُ انْتَقَلَ ذِهْنُهُ مِنَ التَّطَيُّبِ إِلَى التَّغْطِيَةِ.

     وَقَالَ  أَهْلُ الظَّاهِرِ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ الَّذِي يَمُوتُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ وَجُودُهُ فِي غَيْرِهِ فَيَكُونُ خَاصًّا بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَوِ اسْتَمَرَّ بَقَاؤُهُ عَلَى إِحْرَامِهِ لَأُمِرَ بِقَضَاءِ مَنَاسِكِهِ وَسَيَأْتِي تَرْجَمَة المُصَنّف بنفى ذَلِك.

     وَقَالَ  أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَوْ أُرِيدَ تَعْمِيم هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا جَاءَ إِنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ كَانَ فِي النُّسُكِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ التَّخْصِيصُ وَاخْتُلِفَ فِي الصَّائِمِ يَمُوتُ هَلْ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجِبَ قَضَاءُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنْهُ أَوْ لَا يَبْطُلُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ لَيْسَ لِكَوْنِ الْمُحْرِمِ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ بَلْ هُوَ صِيَانَةٌ لِلرَّأْسِ فَإِنَّهُمْ لَوْ غَطَّوْا وَجْهَهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ اه وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ قَالَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ مِنْ وَجْهِهِ مَا دُونَ الْحَاجِبَيْنِ أَيْ مِنْ أَعْلَى وَفِي رِوَايَةٍ مَا دُونَ عَيْنَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَزِيدَ الِاحْتِيَاطِ لِكَشْفِ الرَّأْسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَكْمِلَةٌ كَانَ وُقُوعُ الْمُحْرِمِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ مِنْ عَرَفَةَ وَفِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْوَاقِفِ عَلَى الرَّاكِبِ وَاسْتِحْبَابُ دَوَامِ التَّلْبِيَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِالتَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ وَجَوَازُ غَسْلِ الْمُحْرِمِ بِالسِّدْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعَدُّ طِيبًا وَحَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ سِدْرِ الْحَرَمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَاغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمُحْرِمِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وَهَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَزَعَمَ أَنَّ اسْمَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَزَاهُ لَابْنِ قُتَيْبَةَ فِي تَرْجَمَةِ عُمَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَسَبَبُ الْوَهْمِ أَن بن قُتَيْبَةَ لَمَّا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ عُمَرَ ذَكَرَ أَوْلَادَهُ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ ذَكَرَ أَوْلَادَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ فِيهِمْ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ وَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهَلَكَ فَظَنَّ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ أَنَّ لِوَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صُحْبَةً وَأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ فَإِنَّ وَاقِدًا الْمَذْكُورَ لَا صُحْبَةَ لَهُ فَإِنَّ أُمَّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ فِي خِلَافَةِ أَبِيهِ عُمَرَ وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهَا وَذَكَرَهَا الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ وَوَجَدْتُ فِي الصَّحَابَةِ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ آخَرَ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ بَعِيرِهِ فَهَلَكَ بَلْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بن سَعْدٍ أَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَبَطَلَ تَفْسِيرُ الْمُبْهَمِ بِأَنَّهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ من كل وَجه