فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من سمع شيئا فلم يفهمه فراجع فيه حتى يعرفه

( قَولُهُ بَابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا)
زَادَ أَبُو ذَرٍّ فَلَمْ يَفْهَمْهُ .

     قَوْلُهُ  فَرَاجَعَهُ أَيْ رَاجَعَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ وَلِلْأَصِيلِيِّ فَرَاجَعَ فِيهِ



[ قــ :102 ... غــ :103] .

     قَوْلُهُ  أَن عَائِشَة ظَاهر أَوله الْإِرْسَال لِأَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ تَابِعِيٌّ لَمْ يُدْرِكْ مُرَاجَعَةَ عَائِشَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ تَبَيَّنَ وَصْلُهُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ قَوْله كَانَت لاتسمع أَتَى بِالْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ الْمَاضِيَةِ لِقُوَّةِ تَحَقُّقِهَا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا ذَلِكِ بِكَسْرِ الْكَافِ الْعَرْضُ أَيْ عَرْضُ النَّاسِ عَلَى الْمِيزَانِ .

     قَوْلُهُ  نُوقِشَ بِالْقَافِ وَالْمُعْجَمَةِ مِنَ الْمُنَاقَشَةِ وَأَصْلُهَا الِاسْتِخْرَاجُ وَمِنْهُ نَقَشَ الشَّوْكَةَ إِذَا اسْتَخْرَجَهَا وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ تَحْرِيرَ الْحِسَابِ يُفْضِي إِلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ لِأَنَّ حَسَنَاتِ الْعَبْدِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ تَقَعِ الرَّحْمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْقَبُولِ لَا يحصل النجَاة .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ يَهْلِكُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى تَفَهُّمِ مَعَانِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَتَضَجَّرُ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُنَاظَرَةِ وَمُقَابَلَةُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ وَتَفَاوُتُ النَّاسِ فِي الْحِسَابِ وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ مِثْلِ هَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيمَا نُهِيَ الصَّحَابَةُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ وَقَدْ وَقَعَ نَحْوُ ذَلِكَ لِغَيْرِ عَائِشَةَ فَفِي حَدِيثِ حَفْصَةَ أَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ لَا يَدْخُلِ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ قَالَتْ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا فاجيبت بقوله ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا الْآيَةَ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ لَمَّا نَزَلَتْ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظُلْم أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ الشِّرْكُ وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ظُهُورُ الْعُمُومِ فِي الْحِسَابِ وَالْوُرُودِ وَالظُّلْمِ فَأَوْضَحَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَمْرٌ خَاصٌّ وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ هَذَا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا قَلِيلًا مَعَ تَوَجُّهِ السُّؤَالِ وَظُهُورِهِ وَذَلِكَ لِكَمَالِ فَهْمِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ مَنْ سَأَلَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ عَلَى مَنْ سَأَلَ تَعَنُّتًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَهُمُ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ عُمَرُ عَلَى صُبَيْغٍ لَمَّا رَآهُ أَكْثَرَ مِنَ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ وَسَيَأْتِي إِيضَاحُ هَذَا كُلِّهِ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَاقِيهِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَكَذَا الْكَلَامُ عَلَى انْتِقَادِ الدَّارَقُطْنِيّ لإسناده إِن شَاءَ الله تَعَالَى