فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الحياء في العلم

( قَولُهُ بَابُ الْحَيَاءِ)
أَيْ حُكْمِ الْحَيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَقَعُ عَلَى وَجْهِ الْإِجْلَالِ وَالِاحْتِرَامِ لِلْأَكَابِرِ وَهُوَ مَحْمُودٌ.
وَأَمَّا مَا يَقَعُ سَبَبًا لِتَرْكِ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ هُوَ بِحَيَاءٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفٌ وَمَهَانَةٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بقول مُجَاهِد لَا يتَعَلَّم الْعلم مستحي وَهُوَ بِإِسْكَان الْحَاء وَلَا فِي كَلَامِهِ نَافِيَةٌ لَا نَاهِيَةٌ وَلِهَذَا كَانَتْ مِيمُ يَتَعَلَّمُ مَضْمُومَةً وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَحْرِيضَ الْمُتَعَلِّمِينَ عَلَى تَرْكِ الْعَجْزِ وَالتَّكَبُّرِ لِمَا يُؤَثِّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنَ النَّقْصِ فِي التَّعْلِيمِ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ هَذَا وَصَلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيق على بن الْمَدِينِيّ عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غسل الْمَحِيض



[ قــ :129 ... غــ :130] قَوْله هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي الْإِسْنَادِ مِنَ اللَّطَائِفِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن مثله عَن صحابية عَن مِثْلِهَا وَفِيهِ رِوَايَةٌ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ وَالْبِنْتِ عَنْ أُمِّهَا وَزَيْنَبُ هِيَ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسِبَتْ إِلَى أُمِّهَا تَشْرِيفًا لِكَوْنِهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أَيْ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَقَدَّمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ هَذَا الْكَلَامَ بَسْطًا لِعُذْرِهَا فِي ذِكْرِ مَا تَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْ ذِكْرِهِ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَلِهَذَا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ أَيْ رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّهَا تُجَامَعُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِ ذَلِكَ وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْمَاءِ شَرْطًا لِلْغُسْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِذا لم تَرَ المَاء لأغسل عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِعَائِشَةَ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُمَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  تَعْنِي وَجْهَهَا هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْقَائِلُ عُرْوَةُ وَفَاعِلُ تَعْنِي زَيْنَبُ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  وَتَحْتَلِمُ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وللكشميهني أَو تحتلم بِإِثْبَاتِهَا قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِلَامَ يَكُونُ فِي بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ذَلِكَ لَكِنَّ الْجَوَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِنَّمَا أَنْكَرَتْ وُجُودَ الْمَنِيِّ مِنْ أَصْلِهِ وَلِهَذَا أُنْكِرَ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  تَرِبَتْ يَمِينُكِ أَيِ افْتَقَرَتْ وَصَارَتْ عَلَى التُّرَابِ وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عِنْدَ الزَّجْرِ وَلَا يُرَادُ بِهَا ظَاهِرُهَا .

     قَوْلُهُ  فَبِمَ بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَبَاحِثِهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :130 ... غــ :131] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ بن عُمَرَ هَذَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَوْرَدَهُ هُنَا لقَوْل بن عُمَرَ فَاسْتَحْيَيْتُ وَلِتَأَسُّفِ عُمَرُ عَلَى كَوْنِهِ لَمْ يقل ذَلِك لتظهر فضيلته فاستلزم حَيَاء بن عمر تَفْوِيت ذَلِك وَكَانَ يُمكنهُ إِذا اسْتَحى إِجْلَالًا لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ سِرًّا لِيُخْبِرَ بِهِ عَنْهُ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِبَابِ مَنِ اسْتَحى فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَهُوَ بِتَثْقِيلِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ وَهُوَ بِإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الرَّجُلِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّهَارَةِ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَهُوَ خَطَأٌ فَفِي النَّسَائِيِّ أَنَّ السُّؤَال وَقع وَوَعلي حَاضر