فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها

( .

     قَوْلُهُ  أَبْوَابُ الِاعْتِكَافِ)

كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ الا النَّسَفِيّ فَإِنَّهُ قَالَ كتاب وَثبتت لَهُ الْبَسْمَلَةُ مُقَدَّمَةً وَلِلْمُسْتَمْلِي مُؤَخَّرَةً وَالِاعْتِكَافُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَشَرْعًا الْمَقَامُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا إِلَّا عَلَى مَنْ نَذَرَهُ وَكَذَا مَنْ شَرَعَ فِيهِ فَقَطَعَهُ عَامِدًا عِنْدَ قَوْمٍ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَانْفَرَدَ سُوَيْدُ بن غَفلَة بِاشْتِرَاط الطَّهَارَة لَهُ قَوْله تَعَالَى الْبَقَرَة وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها كَذَلِك يبين الله اياته للنَّاس لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ قَولُهُ بَابُ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا أَيْ مَشْرُوطِيَّةُ الْمَسْجِدِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِمَسْجِدٍ دُونَ مَسْجِدٍ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد الْآيَة وَوجه الدَّلَالَةِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ بِهِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يكون الا فِيهَا وَنقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ امْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوطِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ الْمَالِكِيَّ فَأَجَازَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَفِيهِ قَوْلٌ الشَّافِعِي قديم وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِهِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْوَاجِبِ مِنْهُ.
وَأَمَّا النَّفْلُ فَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ بِعُمُومِهِ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَّا لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَاسْتَحَبَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ وَشَرَطَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِنْدَهُمَا يَنْقَطِعُ بِالْجُمُعَةِ وَيَجِبُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَخَصَّهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَالزُّهْرِيِّ بِالْجَامِعِ مُطْلَقًا وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَخَصَّهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَعَطَاء بِمَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة وبن الْمُسَيَّبِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَقَلِّهِ فَمَنْ شَرَطَ فِيهِ الصِّيَامَ قَالَ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِحُّ مَعَ شَرْطِ الصِّيَامِ فِي دُونِ الْيَوْم حَكَاهُ بن قُدَامَةَ وَعَنْ مَالِكٍ يُشْتَرَطُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَعَنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ الصَّوْمَ قَالُوا أَقَلُّهُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ لُبْثٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقُعُودُ وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ مَعَ النِّيَّةِ كَوُقُوفِ عَرَفَةَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَعْلَى بنِ أُمِّيَّةَ الصَّحَابِيِّ إِنِّي لَأَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ السَّاعَةَ وَمَا أَمْكُثُ إِلَّا لِأَعْتَكِفَ وَاتَّفَقُوا عَلَى فَسَادِهِ بِالْجِمَاعِ حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ مَنْ جَامَعَ فِيهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ فَفِي الْمُبَاشَرَةِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ بن عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ قَالَ نَافِعٌ وَقَدْ أَرَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِيهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَزَادَ بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ طُرِحَ لَهُ فِرَاشَهُ وَرَاءَ أُسْطُوَانَةِ التَّوْبَةِ ثَانِيهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مِثْلُ حَدِيث بن عُمَرَ وَزَادَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ فَيُؤْخَذُ مِنَ الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُ الْمَسْجِدِ لَهُ وَمِنَ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ وَلَيْسَ من الخصائص وَأما قَول بن نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فَكَّرْتُ فِي الِاعْتِكَافِ وَتَرْكِ الصَّحَابَةِ لَهُ مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِمْ لِلْأَثَرِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ كَالْوِصَالِ وَأَرَاهُمْ تَرَكُوهُ لِشِدَّتِهِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ اعْتَكَفَ إِلَّا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اه وَكَأَنَّهُ أَرَادَ صِفَةً مَخْصُوصَةً وَإِلَّا فَقَدْ حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كَلَامِ مَالِكٍ أَخَذَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الِاعْتِكَاف جَائِز وَأنكر ذَلِك عَلَيْهِم بن الْعَرَبِيِّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَكَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ فِي مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ على تأكده.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ لَا أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا أَنَّهُ مَسْنُونٌ



[ قــ :1943 ... غــ :2026] قَوْله عَن بن شهَاب زَاد معمر فِيهِ عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَخَالَفَهُ اللَّيْثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْصُولًا وَعَنْ سَعِيدٍ مُرْسَلًا ثَالِثهَا حَدِيث أبي سعيد وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ