فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان

( قَولُهُ بَابُ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ)
كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَخْتَصُّ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ أَفْضَلَ



[ قــ :1960 ... غــ :2044] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ بن عَيَّاشٍ وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ وَالْإِسْنَادُ إِلَى أَبِي صَالِحٍ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِر من رَمَضَان قَالَ بن بَطَّالٍ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَقد روى بن الْمُنْذر عَن بن شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ اه وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ اعْتَكَفَ إِلَّا أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ تَرْكَهُمْ لِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ قِيلَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ الِاجْتِهَادَ فِي الْعَمَلِ إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعَمَلِ لِيَلْقَوُا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِمْ وَقِيلَ السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ اعْتَكَفَ قَدْرَ مَا كَانَ يَعْتَكِفُ مَرَّتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ بن مَاجَهْ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ مُتَّصِلًا بِهِ وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عرضه عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ الِاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَاعْتَكَفَ بَدَلَهُ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ اعْتَكَفَ فِي الْعَامِ الَّذِي يَلِيهِ عِشْرِينَ لِيَتَحَقَّقَ قَضَاءُ الْعَشْرِ فِي رَمَضَانَ اه وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا اعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ عِشْرِينَ لِأَنَّهُ كَانَ الْعَامَ الَّذِي قَبْلَهُ مُسَافِرًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِفْ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ وَيَحْتَمِلُ تَعَدُّدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِتَعَدُّدِ السَّبَبِ فَيَكُونُ مَرَّةً بِسَبَبِ تَرْكِ الِاعْتِكَافِ لِعُذْرِ السَّفَرِ وَمَرَّةً بِسَبَبِ عَرْضِ الْقُرْآنِ مَرَّتَيْنِ.
وَأَمَّا مُطَابِقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ بِإِطْلَاقِ الْعِشْرِينَ أَنَّهَا مُتَوَالِيَةٌ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الْعَشْرُ الْأَوْسَطُ أَوْ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُطْلَقَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَات الْأُخْرَى