فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاستنثار في الوضوء

( قَولُهُ بَابُ الِاسْتِنْثَارِ)
هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنَ النَّثْرِ بِالنُّونِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ طَرْحُ الْمَاءِ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ الْمُتَوَضِّئُ أَيْ يَجْذِبُهُ بِرِيحِ أَنْفِهِ لِتَنْظِيفِ مَا فِي دَاخِلِهِ فَيَخْرُجُ بِرِيحِ أَنْفِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِعَانَةِ يَدِهِ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهِيَةُ فِعْلِهِ بِغَيْرِ الْيَدِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ فِعْلَ الدَّابَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَإِذَا اسْتَنْثَرَ بِيَدِهِ فالمستحب أَن يكون باليسرى بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُقَيَّدًا بِهَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ .

     قَوْلُهُ  ذَكَرَهُ أَيْ رَوَى الِاسْتِنْثَارَ عُثْمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيد وَسَيَأْتِي حَدِيثه قَوْله وبن عَبَّاسٍ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي بَابِ غَسْلِ الْوَجْهِ مِنْ غَرْفَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الِاسْتِنْثَارِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ وَاسْتَنْثَرَ فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ



[ قــ :158 ... غــ :161] .

     قَوْلُهُ  أَبُو إِدْرِيسَ هُوَ الْخَوْلَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ عَنْ يُونُسَ أَبَا سَعِيدٍ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَسْتَنْثِرْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْر وبن الْمُنْذِرِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُغْنِي يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِذَلِكَ وَأَن مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِنْشَاق لاتحصل الا بالاستنثار وَصرح بن بَطَّالٍ بِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدْبِ بِمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ فَأَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَلَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَصَفَ وُضُوءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِنْشَاقَ بَلْ وَلَا الْمَضْمَضَةَ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْمَضْمَضَةَ أَيْضًا وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهَا أَيْضًا فِي سُنَنِ أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح وَذكر بن الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْتَجَّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْشَاقِ مَعَ صِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ إِلَّا لِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَهُ لَا يُعِيدُ وَهَذَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ إِلَّا عَنْ عَطَاءٍ وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَن إِيجَاب الاعاده ذكره كُله بن الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَدًا وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَلَفْظُهُ وَإِذَا اسْتَنْثَرَ فَلْيَسْتَنْثِرْ وِتْرًا أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَأَصْلُهُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْثَارِ فِي الْوُضُوءِ التَّنْظِيفُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعُونَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ بِتَنْقِيَةِ مَجْرَى النَّفَسِ تَصِحُّ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ وَيُزَادُ لِلْمُسْتَيْقِظِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِطَرْدِ الشَّيْطَانِ وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَ مَبَاحِثِهِ فِي مَكَانِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَمَنِ اسْتَجْمَرَ أَيْ اسْتَعْمَلَ الْجِمَارَ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ تَجَمَّرَ واستجمر حَكَاهُ بن حبيب عَن بن عمر وَلَا يَصح عَنهُ وبن عبد الْبر عَن مَالك وروى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ خِلَافَهُ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَيْضًا بِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ فَلْيُوتِرْ فِي الْكَلَام على حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ مَنْ نَفَى وُجُوبَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِحَرْفِ الشَّرْطِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَو بالأحجار وَالله أعلم