فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب البول قائما وقاعدا

قَوْله بَاب الْبَوْل قَائِما وَقَاعِدا)
قَالَ بن بَطَّالٍ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُعُودِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ قَائِمًا فَقَاعِدًا أَجْوَزُ.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا فَإِنَّ فِيهِ بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقُلْنَا انْظُرُوا إِلَيْهِ يَبُول كَمَا تبول الْمرْآة وَحكى بن مَاجَهْ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْبَوْلُ قَائِمًا أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَعَدَ يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ.

     وَقَالَ  فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ وَدَلَّ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ فَيَقْعُدُ لِكَوْنِهِ أَسْتَرَ وَأَبْعَدَ مِنْ مُمَاسَّةِ الْبَوْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا مُنْذُ أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ



[ قــ :220 ... غــ :224] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ وَلِأَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ .

     قَوْلُهُ  سُبَاطَةَ قَوْمٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ الْمَزْبَلَةُ وَالْكُنَاسَةُ تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مِرْفَقًا لِأَهْلِهَا وَتَكُونُ فِي الْغَالِبِ سَهْلَةً لَا يَرْتَدُّ فِيهَا الْبَوْلُ عَلَى الْبَائِلِ وَإِضَافَتُهَا إِلَى الْقَوْمِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ لِأَنَّهَا لاتخلو عَنِ النَّجَاسَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَهُ لِكَوْنِ الْبَوْلِ يُوهِي الْجِدَارَ فَفِيهِ إِضْرَارٌ أَوْ نَقُولُ إِنَّمَا بَالَ فَوْقَ السُّبَاطَةِ لَا فِي أَصْلِ الْجِدَارِ وَهُوَ صَرِيحُ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ إِذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَتَسَامَحُ النَّاسُ بِهِ أَوْ لِعِلْمِهِ بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهُ بِذَلِكَ أَوْ لِكَوْنِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ أُمَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحَ الْمَعْنَى لَكِنْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْ سِيرَتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ زَادَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَتَبَاعَدْتُ مِنْهُ فَأَدْنَانِي حَتَّى صِرْتُ قَرِيبًا مِنْ عَقِبَيْهِ فَبَالَ قَائِمًا وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَكَذَا زَادَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِيهِ ذِكْرِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَزَادَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ فِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَزَعَمَ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ عِيسَى تَفَرَّدَ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ اخْتَصَرَهُ لِتَفَرُّد الْأَعْمَش بِهِ فقد روى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَنَّ عَاصِمًا رَوَاهُ لَهُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا قَالَ عَاصِمٌ وَهَذَا الْأَعْمَشُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَمَا حَفِظَهُ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَتَهُ هِيَ الصَّوَابُ قَالَ شُعْبَةُ فَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْصُورًا فَحَدَّثَنِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ يَعْنِي كَمَا قَالَ الْأَعْمَشُ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْمَسْحَ فَقَدْ وَافَقَ مَنْصُورٌ الْأَعْمَشَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ مُسْلِمٌ إِلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ ذَكَرَهَا فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ حَافِظٍ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أصح يَعْنِي من حَدِيثَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ جنح بن خُزَيْمَةَ إِلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَتَيْنِ لِكَوْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَافَقَ عَاصِمًا عَلَى قَوْلِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَبُو وَائِلٍ سَمِعَهُ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ مَعًا لَكِنْ مِنْ حَيْثُ التَّرْجِيحُ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ لِاتِّفَاقِهِمَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ وَحَمَّادٍ لِكَوْنِهِمَا فِي حِفْظِهِمَا مَقَالٌ