فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ)
كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالرَّفْعِ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ لِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوِ الْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَهُمْ فَضْلٌ أَوِ الْخَبَرُ .

     قَوْلُهُ  مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْوُضُوءِ أَيْ وَفَضْلِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ



[ قــ :135 ... غــ :136] .

     قَوْلُهُ  عَن خَالِد هُوَ بن يَزِيدَ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الثِّقَاتُ وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ مِنْ بَابِ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ بِضَمِّ الْمِيمِ واسكان الْجِيم هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ وُصِفَ هُوَ وَأَبُوهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا كَانَا يُبَخِّرَانِ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ وَصْفَ عَبْدِ اللَّهِ بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَوَصْفُ ابْنِهِ نُعَيْمٍ بِذَلِكَ مَجَازٌ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ جَزَمَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِأَنَّ نُعَيْمًا كَانَ يُبَاشِرُ ذَلِكَ وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ السِّتَّةُ نِصْفُهُمْ مِصْرِيُّونَ وَهُمُ اللَّيْثُ وَشَيْخُهُ وَالرَّاوِي عَنْهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  رَقِيتُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ صَعِدْتُ .

     قَوْلُهُ  فَتَوَضَّأَ كَذَا لِجُمْهُورِ الرُّوَاةِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ يَوْمًا بَدَلَ قَوْلِهِ فَتَوَضَّأَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ تَوَضَّأَ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِيهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ فَرَفَعَ فِي عَضُدَيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فَرَفَعَ فِي سَاقَيْهِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ نُعَيْمٍ وَزَادَ فِي هَذِهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتَوَضَّأ فَأَفَادَ رَفْعَهُ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ رَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ مِنْ رِوَايَتِهِ وَرَأْيِهِ مَعًا .

     قَوْلُهُ  أُمَّتِي أَيْ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ تُطْلَقُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ وَيُرَادُ بِهَا أُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا .

     قَوْلُهُ  يُدْعَوْنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُنَادَوْنَ أَوْ يُسَمَّوْنَ .

     قَوْلُهُ  غُرًّا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغَرَّ أَيْ ذُو غُرَّةٍ وَأَصْلُ الْغُرَّةِ لَمْعَةٌ بَيْضَاءُ تَكُونُ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمَالِ وَالشُّهْرَةِ وَطِيبِ الذِّكْرِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا النُّورُ الْكَائِنُ فِي وُجُوِهِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُرًّا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِيُدْعَوْنَ أَوْ عَلَى الْحَالِ أَي إِنَّهُم إِذا دعوا على رُؤُوس الْأَشْهَادِ نُودُوا بِهَذَا الْوَصْفِ وَكَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ .

     قَوْلُهُ  مُحَجَّلِينَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ مِنَ التَّحْجِيلِ وَهُوَ بَيَاضٌ يَكُونُ فِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ مِنْ قَوَائِمِ الْفَرَسِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْحِجْلِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْخَلْخَالُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا أَيْضًا النُّورُ وَاسْتَدَلَّ الْحَلِيمِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي قِصَّةِ سَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَعَ الْمَلِكِ الَّذِي أَعْطَاهَا هَاجَرَ أَنَّ سَارَةَ لَمَّا هَمَّ الْمَلِكُ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَفِي قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَيْضًا أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ كَلَّمَ الْغُلَامَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِيَ اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ هُوَ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لَا أَصْلُ الْوُضُوءِ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَرْفُوعًا قَالَ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ نَحْوُهُ وسيما بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ أَيْ عَلَامَةٌ وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْحَلِيمِيِّ بِحَدِيثِ هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِضَعْفِهِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ أُمَمِهِمْ إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَيجوز فتحهَا على أَنه المَاء قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ .

     قَوْلُهُ  فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ أَيْ فَلْيُطِلِ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ وَاقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْأُخْرَى نَحْوَ سرابيل تقيكم الْحر وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْغُرَّةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ دُونَ التَّحْجِيلِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لِأَنَّ مَحَلَّ الْغُرَّةِ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَوَّلُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مِنَ الْإِنْسَانِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ ذِكْرَ الْأَمْرَيْنِ وَلَفظه فليطل غرته وتحجيله.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ كَنَّى أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْغُرَّةِ عَنِ التَّحْجِيلِ لِأَنَّ الْوَجْهَ لَا سَبِيلَ إِلَى الزِّيَادَةِ فِي غَسْلِهِ وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ قَلْبَ اللُّغَةِ وَمَا نَفَاهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْإِطَالَةَ مُمْكِنَةٌ فِي الْوَجْهِ بِأَنْ يَغْسِلَ إِلَى صَفْحَةِ الْعُنُقِ مَثَلًا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْغُرَّةَ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ عَنْ نُعَيْمٍ وَفِي آخِرِهِ قَالَ نُعَيْمٌ لَا أَدْرِي .

     قَوْلُهُ  مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَخْ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي رِوَايَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ عَشَرَةٌ وَلَا مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ رِوَايَةِ نُعَيْمٍ هَذِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ مِنَ التَّطْوِيلِ فِي التَّحْجِيلِ فَقِيلَ إِلَى الْمَنْكِبِ وَالرُّكْبَةِ وَقَدْ ثَبَتَ عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة ورأيا وَعَن بن عمر من فعله أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقِيلَ الْمُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ إِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَقِيلَ إِلَى فَوق ذَلِك.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكَعْبِ وَالْمِرْفَقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ وَكَلَامُهُمْ مُعْتَرَضٌ مِنْ وُجُوهٍ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَرِيحَةٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ فَلَا تَعَارُضَ بِالِاحْتِمَالِ.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَن بن عُمَرَ وَقَدْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمُ الْإِطَالَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْوُضُوءِ فَمُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الرَّاوِيَ أَدْرَى بِمَعْنَى مَا رَوَى كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِلَى الشَّارِعِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْحَدِيثِ مَعْنَى مَا تَرْجَمَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْحَاصِلَ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ مِنْ آثَارِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِالْوَاجِبِ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ جَوَازُ الْوُضُوءِ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذًى لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِمَنْ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ