فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب

( قَوْله بَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ)
ذكر فِيهِ حَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مُخْتَصَرًا وَقد سبق مَا فِيهِ قَالَ بن التِّينِ .

     قَوْلُهُ  إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ مِنَ الْخَبَرِ الَّذِي سَاقَهُ كَذَا قَالَ وَوَجْهُ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مُقَيَّدًا بِسِنِينَ مَعْلُومَةٍ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ إِذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ النَّخْلِ مُسَاقَاةً وَالْأَرْضِ مُزَارَعَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سِنِينَ مَعْلُومَةٍ فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ الْعَامِلَ مَتَى شَاءَ وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ مَنْ أَجَازَ الْمُخَابَرَةَ وَالْمُزَارَعَةَ.

     وَقَالَ  أَبُو ثَوْرٍ إِذَا أُطْلِقَا حُمِلَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ إِذَا قَالَ سَاقَيْتُكَ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا جَازَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَمَدًا وَحَمَلَ قِصَّةَ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَرْيَ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ .

     قَوْلُهُ  بَابٌ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قبله وَقد أورد فِيهِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ أَخْذِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ وَوَجْهُ دُخُولِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مَعْلُومًا فَجَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى



[ قــ :2233 ... غــ :2330] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو هُوَ بن دِينَارٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  لَوْ تَرَكْتُ الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ أَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا قَبْلُ بِبَابٍ وَإِدْخَالُ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ الْمُزَارعَة وَالْمُخَابَرَة بِمَعْنى وَقد رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ لَوْ تَرَكْتُ الْمُزَارَعَةَ وَيُقَوِّي ذَلِك قَول بن الْأَعْرَابِيِّ اللُّغَوِيِّ إِنَّ أَصْلَ الْمُخَابَرَةِ مُعَامَلَةُ أَهْلِ خَيْبَرَ فَاسْتُعْمِلَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ إِذَا قِيلَ خَابَرَهُمْ عُرِفَ أَنَّهُ عَامَلَهُمْ نَظِيرَ مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ لِطَاوُسٍ يَزْعُمُونَ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ قَالَ كَانَ طَاوُسٌ يَكْرَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ أَرْضَهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يَرَى بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بَأْسًا فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ اذْهَبْ إِلَى بن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَاسْمَعْ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ لَمْ أَفْعَلْهُ وَلَكِن حَدثنِي من هُوَ أعلم مِنْهُ بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ أَخَذْتُ بِيَدِ طَاوُسٍ فأدخلته إِلَى بن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَحَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن كِرَاء الأَرْض فَأبى طَاوس.

     وَقَالَ  سَمِعت بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَوْ تَرَكْتُ الْمُخَابَرَةَ فَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَوْ هِيَ لِلتَّمَنِّي .

     قَوْلُهُ  وَأُعِينُهُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ مِنَ الْإِعَانَةِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَأُغْنِيهِمْ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ مِنَ الْغِنَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَاب وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أعلمهم أَخْبرنِي يَعْنِي بن عَبَّاسٍ سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوس قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَنْهَ عَنْهُ أَيْ عَنْ إِعْطَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَمْ يرد بن عَبَّاسٍ بِذَلِكَ نَفْيَ الرِّوَايَةِ الْمُثْبِتَةِ لِلنَّهْيِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ وَهِيَ تُقَوِّي مَا أَوَّلْتُهُ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَمْنَحَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ عَلَى أَنَّهَا تَعْلِيلِيَّةٌ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَقَوله خرجا أَي أُجْرَة زَاد بن مَاجَهْ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ طَاوُسٍ وَأَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَقَرَّ النَّاسَ عَلَيْهَا عِنْدَنَا يَعْنِي بِالْيَمَنِ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ طَاوُسٍ وَمُعَاذٍ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى